سؤال يلح على منذ زمن: هل ضاعت منا بوصلة ثقافة
الفن؟! لماذا كل هذا
الهدم لدور
العرض السينمائي والمسرحي في بلادنا الحبيبة؟ لماذا نعيش هذا الكابوس من الهدم والسحق
لقيم الجمال مقابل ثقافة المولات وعلب السردين المغلقة إلا من رحم ربي؟ لماذا هذا الإصرار
على هدم
مصر القديمة في مقابل مصر الجديدة؟ فلنحتفِ بالبناء ونرفض الهدم القبيح.
إنني أعيش مع حلمي البديع وسط دور عرض وسط البلد التي كانت، فكنا نرتاد
سينما
قصر النيل الراقية ثم نعرج على سينما مترو جولدن ماير بفخامة معمارها الداخلي والخارجي،
وأمامها سينما ميامي التي تخصصت في الأفلام العربية، بجانبهم محل إكسلسيور الأنيق،
لتخرج من السينما فتستقبلك روائح الطعام الشهي، وكذلك كشك صغير في ممر سينما ميامي
متخصص بسندويشات السجق اللذيذ بالمسطردة، ثم نتمشى لتستقبلنا سينما ريفولي المهيبة
وواجهتها "الشيك"، وقد كانت دور عرض نموذجية لإقامة مهرجانات السينما الكبرى،
لأنها إضافة للقاعة الكبرى، كانت مقسمة إلى قاعات اخرى لعقد المؤتمرات أو عرض الأفلام
القصيرة.
وإذا خرجت من سينما ريفولي لا بد وأن يستقبلك محل الأمريكيين، لتتذوق فيه ألذ
الحلويات المشهور بها، ثم تخرج لتجد على بعد خطوات التحفة الأخرى سينما ديانا، ثم على
الشارع الآخر تجد سينما كايرو بمعمارها المميز والرائق.
ولا شك أنك إذا أردت
المسرح، فحدث ولا حرج. هناك مسرح الحرية في شارع الشيخ
ريحان لفرقة الفنانين المتحدين وروائعها: مسرحية سيدتي الجميلة، ثم مسرحية المليون
مشاهد؛ أو هكذا كانت دعاية مسرحية مدرسة المشاغبين.
وهناك مسرح ميامي لفرقة تحية كاريوكا وفايز حلاوة يعرض المسرح السياسي بنجاح،
وهناك مسرح متروبول لمسرح الطفل ومن قبله فرقة أمين الهنيدي، ثم تعرج لشارع عماد الدين
لتجد الشارع عامر بدور العرض السينمائي والمسرحي، كمسرح محمد فريد وسينما بيجال.
ولا ننسى مسرح الهوسابير لفرقة ثلاثي أضواء المسرح، ثم تفيق من هذا الحلم الجميل
على كابوس الواقع القبيح، فمسرح محمد فريد احترق ثم عاد إلى ملاكه ليتم إلغاؤه كمسرح،
ومسرح الهوسابير استردته الجمعية الأرمنية، مالكته الأساسية، وسينما راديو بمعمارها
الفريد تم تقسيمها بشكل قبيح إلى قاعات صغيرة ثم أغلقت أبوابها وأصبحت في مهب الريح،
لا يعلم مصيرها إلا الله.
وكذلك سينما قصر النيل وريفولي وديانا؛ كلها أغلقت أبوابها وأصبحت مرتعا للفئران
والحشرات وبيوتا للعنكبوت وما شابه، ثم الخبر الصدمة؛ نية الدولة في هدم مسرح فاطمة
رشدي العائم بالمنيل، وهو مسرح تاريخي شهد أيام وليالي مسرحية لا تنسى. وتحتفظ ذاكرة
المسرح بملتقى أهل المسرح والفن عموما في جلسات سمر وأُنس يلفها شغف المعرفة وجنون
المسرح.
كل هذا وأكثر مع شديد الأسف والأسى، ويؤسفني أن عدد دور العرض السينمائي والمسرحي
في تناقص وتراجع مستمر ومخيف بالهدم والإحلال، ليصبح مسرح العائم فاطمة رشدي على سبيل
المثال لا الحصر مجرد جراج سيارات متعدد الطوابق.
ما هكذا تورد الأبل؟!، ما هكذا.. أليس كذلك؟!