حرب
غزة هي رد فعل دفاعي، مشروع تماماً، على حوالى 3/4 القرن من
الاحتلال الاستيطاني الإحلالي لجزء من فلسطين: بالحديد والنار والدمار والمجازر والمطاردة والعدوان على البلدان العربية المجاورة...
بدأت هذه الحرب بعملية استغرقت ساعات محدودة بهدف فك الحصار الخانق عن القطاع الممنوع من التنفس، والرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة بالقصف والتدمير والقتل والاعتقالات على مخيماته ومدنه... وأيضاً بهدف وقف مسار التطبيع الاستسلامي والتطبيع بين «بلاد الحرمين» والعدو الصهيوني «قد قطع شوطاً حاسماً»!
كان للرد الإسرائيلي أن يستغرق المدة نفسها، أو ضعفها، أو أربعة أيام أو شهر... لكنه استغرق، حتى الآن، ثلاثة عشر شهراً. وهو يستمر ضارياً وشاملاً، لسببين:
الأول، أن حكومة العدو، وهي حكومة نتنياهو الليكودي المتطرف، وغلاة فاشيي «الصهيونية الدينية»، قد قرروا تحويل الرد إلى فرصة مواتية للدفع بالمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة إلى مداه الأقصى.
السبب الثاني، هو مسارعة رعاة الكيان الصهيوني، من القوى الأطلسية، وخصوصاً على رأسها واشنطن، إلى تبني هذا المنحى وإدراجه في نطاق «الدفاع المشروع عن النفس» رغم كل ما توسله من أدوات القتل والتدمير والترويع واستهداف كل أشكال الحياة في القطاع، بمن وبما في ذلك، نشاطات وكالات الأمم المتحدة والمرافق الصحية، وأطقم هذه وتلك البشرية. إلى استهداف الإعلام والإعلاميين ونشاط ممثلي الهيئات الدولية ومبعوثيها، إلى التركيز على استهداف المدنيين بشكل خاص في حرب تطهير عرقي وإبادة لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً.
تطابق مواقف «تل أبيب» ورعاتها وداعميها الاستعماريين الغربيين لم يقتصر على الأهداف العامة فقط. لقد استلهمت قيادة تل أبيب، أيضاً، أبشع أساليب المستعمرين في إبادة السكان الأصليين، والتمييز الإجرامي ضد الملونين والسود خصوصاً.
كما استلهمت تجارب أخرى في «جنوب أفريقيا» وفي كل القارة السوداء، من قبل المستعمرين الغربيين... وها هي تواصل الآن، وإلى أمدٍ غير منظور، هذا النهج الهمجي في حماية وقحة ومجرمة من قبل حملة راية «حقوق الإنسان» في العالم ممّن أطلقوا على أنفسهم العالم الحر وصاغوا لسيطرتهم على العالم نصوصاً ومؤسسات تكرّسها سداً في وجه طلبة الحريات والحقوق، ودعاة الدفاع عن سيادة بلدانهم وثروات شعوبهم، وحقوق مواطنيهم في وجه الاستعمار الغربي القديم والحديث... وسط تواطؤ وتخاذل وصمت من قبل الأنظمة العربية التابعة لواشنطن. ووسط عجز أو انحياز من قبل «المجتمع الدولي» ومؤسساته الخاضعة للنفوذ الأميركي والمدارة من قبل ممثليه، يواصل الشعب الفلسطيني، في غزة خصوصاً، مأثرة، بل معجزة، صموده: مقاومين ومدنيين في مشاهد تختصر البطولة والصمود والإيمان بالقضية، من قبل طرف، وتختصر التوحش والهمجية والإجرام من قبل العدو وداعميه، من الطرف الآخر.
ومن مفاجآت هذا المشهد المأساوي والبطولي في آن، برز عامل جديد، بشكل مبكِر ومفاجئ، منذ اليوم الثاني لـ«الطوفان»، والأول للحرب الصهيونية، إنها حرب «الإسناد» التي أعلنها «حزب الله» ضد العدو الصهيوني ولمنعه من الاستفراد بالمقاومين الفلسطينيين، وللتصدي لمخططاته العامة ضد شعب فلسطين وشعوب المنطقة، ولمواجهة المخطط الأكبر المتمثل في تعزيز السيطرة الأميركية على المنطقة.
حرب «الإسناد» تلك التي بُذلت جهود هائلة لإيقافها، وقدمت لهذا الغرض إغراءات أو أطلقت تهديدات، باتت منذ حوالى الشهر جبهة ناشطة بشكل متصاعد. لقد تركز الجهد العسكري الأساسي فيها. مورست لهذا الغرض تصفيات صاخبة ومؤثرة. استحضرت أساليب القتل والتدمير كما في حرب غزة.
وهي موجهة ضد المدنيين والعمران ولإحداث أكبر قدر ممكن من المجازر والخراب والتهجير. وضعت لها أهداف كبيرة ظن العدو أن تحقيقها بات في المتناول خصوصاً بعد اغتيال القادة الأساسيين والعسكريين وفي مقدّمتهم الشهيد الكبير السيد حسن نصرالله. وعد نتنياهو بإعادة سكان مستوطنات الشمال. ارتقى بشروطه إلى مستوى التحكم بالوضع السياسي في بيروت وليس فقط في منطقة ما قبل «الليطاني»...
لكن سرعان ما تحوَّل المشهد إلى شبه نقيض في أقل من أسبوع، استعادت قيادة المقاومة تماسكها، تصدى المقاومون ببطولة وإصرار لجيش العدو ومنعه من تحقيق أي إنجاز عسكري يُعتدُّ به. كشفت الأسابيع اللاحقة عن تماسك أكبر وأفعل في صفوف المقاومة وخسائر أفدح وأعمق في صفوف ومستوطنات ومدن العدو...
باءت بالفشل كل محاولات تغيير هذا الواقع حتى الآن. في الأثناء كانت غزة تواصل صمودها وتلحق بالعدو المزيد من الخسائر. إلا أنَّ كفة الجبهة
اللبنانية رجَّحت في المشهد الحربي وحشية الحصار وتواطؤ الأقربين خصوصاً.
وهكذا أصبحت، وستصبح، «الجبهة» اللبنانية هي الساحة الحاسمة لحجز أو لتوسع وانطلاق الخطة الصهيونية نحو ساحات أوسع وأهداف أشمل ومخاطر أكبر...
إلى لبنان الذي استحضر الصهاينة ضد المقاومة وبيئتها خصوصاً والشعب اللبناني عموماً، نفس أساليب غزة، تتجه الأنظار الآن ومعها المخاوف والمخاطر المحدقة، أو الفرص أو الآمال المنشودة، ليس في مقدور غزة سوى الصمود العسكري والشعبي. هذا يشكل معجزة بحد ذاته. أمّا الخسارة أو الربح، فهي ستقرر في «الجبهة الشمالية». هذا الأمر سينعكس على كل المنطقة وعلى الطور الراهن من المشروع الصهيوني المتمثل في تحويل حرب غزة إلى فرص لإعادة «تشكيل خريطة المنطقة» في مصلحة العدو الصهيوني وحماته.
ذلك يملي أولوية مصيرية لا جدال بشأنها: ضرورة دعم المقاومة بكل السبل الممكنة بوصفها مهمة مصيرية. لهذا الغرض ينبغي أن يتركز الجهد على سبل القيام بهذه المهمة بكل ما تتطلبه من مواقف ومهمات وصيغ وبرامج وعلاقات.
الأخبار اللبنانية