أبرز ما سَيحدث بالكتلة الغربية بعد فوز “دونالد
ترامب” في الانتخابات الأمريكية، أنها ستشهد بداية تصدع غير مسبوق إن لم تعرف بداية حقيقية للتفكك…
في عهد “جو
بايدن” لم يكن هذا مطروحا… كانت السلطة الأمريكية “سخية” في سياستها تجاه التعامل مع الدول الغربية، لا تضغط بالقدر الكافي على حلفائها الغربيين إن في السياسة البَيْنية بين مجموعة السبع أو في السياسة الخارجية ومن بينها تلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية وأوكرانيا. كانت يد الأوروبيين حرة نسبيا في التعامل مع ملفات القضيتين الاقتصادية والأمنية، أما من الآن فصاعدا سيختلف الأمر.
الولايات المتحدة تُريد استعادة مكانتها في العالم وقيادة الكتلة الغربية، لا مكان للاستفادة من السياسة الأمريكية الخارجية لتحقيق أرباح داخلية ولا مجال للسخاء في هذا الجانب. منطق الصفقة لـ”دونالد ترامب” سيمنع ذلك بما له من تداعيات على العالم أجمع. الجميع سيدفع مقابل أمنه!
في الجانب الآخر من النظام العالمي القائم ستكون
روسيا هي المستفيد الأكبر من هذا التوجه الأمريكي الجديد باعتبار أنه من ناحية سيضعف خصومها المباشرين وبخاصة “الأوكران”، ذلك أن الولايات المتحدة لن تبقى المُدافع الأول عن أوكرانيا وسيُفرَض على كل من فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص دفع ثمن فاتورة الدفاع عنها وعن أنفسهم، بل وفاتورة الدفاع عن اتحادهم الأوروبي ذاته، الأمر الذي سيُشكِّل عبئا ثقيلا على الأوروبيين ويُعطِّل مشروع التسلح المستقل الذي بدأوه.
ويمنعهم من الاستمرار في سياسة تحقيق أكبر قسط من الأرباح الاقتصادية بأقل تكلفة عسكرية ممكنة ضمن عملية إضعاف روسيا عبر الحرب، ونهب ثروات أوكرانيا من دون دفع الثمن، وهو الذي لن يحدث بعد اليوم، وهو ما تخشاه جميع دول الاتحاد الأوروبي وترحب به روسيا…
أما بالنسبة لقضيتنا المركزية الفلسطينية، والعدوان الصهيوني على غزة، فَسنربح تحول الدول الأوروبية الدَّاعمة للكيان إلى موقع الدفاع بدل الهجوم، أي أن هذه الدول ستضطر اضطرارا إلى الالتفات إلى أمن قارتها العجوز الاقتصادي من
الصين والولايات المتحدة، والعسكري من روسيا، بدل الدفاع عن الكيان الصهيوني.
ويزيد من تأكيد هذا التوجه أن “دونالد ترامب” كان قد كَرَّر عدة مرات بأنه لن يدافع عن أحد مجانا سواء في أوروبا أو في الشرق الأوسط على الجميع أن يدفعوا له… وهذا ما سيجعل الدول الأوروبية تضطر إلى استثمار كل جهودها داخل القارة مما سيُضعِف آليا مساهمتها العسكرية والمادية في العدوان على غزة وخاصة فرنسا وألمانيا الدولتان الأكثر توجها نحو الخروج عن إطار الهيمنة الأمريكية.
في جانب آخر ستتمكن إيران من الاستفادة من ناحيتين: الأولى بداية تفكك الحلف الغربي والثانية زيادة تماسك الحلف الشرقي (الصين وروسيا والبريكس)، وهذا سيمنحها مساحة أكبر لكي تُعزِّز قوتها وقوة حلفائها في المنطقة خلافا للمتوقع، كما ستحظى الدول الخليجية من مساحة أوسع للمناورة شرقا حتى تمنع عن نفسها الابتزاز “الترامبي” إذا أرادت… وهي جميعها مؤشرات دالة أن الأربع سنوات القادمة من حكم “ترامب” ستُمكِّن الدول التي تملك سلطة قرارها بيدها من إعادة رسم سياستها الخارجية وفق ما يخدم مصالحها، الأمر الذي سيخدم بيئة المقاومة أكثر، وهو ما يُفسر استمرارها في دك معاقل العدو الصهيوني بالصواريخ رغم ادعائه الاستقواء والفرح بفوز “دونالد ترامب”!!..
صحيح “ترامب” مِثلُه مثل “بايدن” من داعمي الكيان الصهيوني بلا حدود… إلا أن هناك أمرا واحدا يفرق بينهما: أن “ترامب” سيقوم بما قام به “بايدن” أو أكثر وجبهة الغرب متصدِّعة في عهده وتخشى التفكك والانهيار، أي أنه سيقوم بما قام به سلفه أو أكثر ولكن في وضعية ذلك الذي يقطع الغصن الذي يجلس عليه…
الشروق الجزائرية