حتى
تكتمل منظومات الحروب النفسية من المهم أن نتوقف عند مفهوم "
الحرب الإعلامية"
وخوضها بما يستوجب من أدوات وقدرات ومقاصد وغايات؛ إذ تعتبر من أهم أنواع الحروب،
وذلك لتطور أساليبها ووسائلها المتعددة. وتدور حول معلومات مضللة وشائعات تهدف إلى
التلاعب بالرأي العام والمعتقدات، وتهدف إلى نشر الأفكار أو المعلومات أو
الادعاءات التي يمكن أن تضر بكيان أو قضية أو ذوات فردية بعينها.
الحرب
الإعلاميّة هي عبارة عن بث الأفكار، والإشاعات، والمعلومات الخاطئة والمغلوطة وغير
السويّة بين الناس من خلال الفضائيات، والإذاعات، ووسائل التواصل الاجتماعي،
والجرائد، بهدف تغيير وجهات النظر وتسييرها باتجاه ما هو مطلوب منها، وتحقيق
التضليل الإعلامي، والتلاعب بالرأي والوعي العام.
وتعدّ
الحرب الإعلاميّة من أخطر أنواع الحروب نظرا لتأثيرها في نفسيّة متلقي المعلومة
وعمل غسيل دماغ لما يؤمن ويقتنع به، مما يجعله يغيّر الواقع اتباعا لما تلقى
وترسّخ في عقله. كما أنّها تعدّ حربا باردة لا يمكن التنبؤ بنتائجها ونهايتها. وتأتي
الحرب الإعلاميّة مرافقة لبقية أنواع الحروب سواء كانت عسكريّة، أم اقتصاديّة، أم
سياسيّة. وقد تكون في حالة السلم بهدف فساد عقول الشباب والأمة، ونشر الفوضى
والإرباك بين صفوفهم.
تعدّ الحرب الإعلاميّة من أخطر أنواع الحروب نظرا لتأثيرها في نفسيّة متلقي المعلومة وعمل غسيل دماغ لما يؤمن ويقتنع به، مما يجعله يغيّر الواقع اتباعا لما تلقى وترسّخ في عقله. كما أنّها تعدّ حربا باردة لا يمكن التنبؤ بنتائجها ونهايتها. وتأتي الحرب الإعلاميّة مرافقة لبقية أنواع الحروب سواء كانت عسكريّة، أم اقتصاديّة، أم سياسيّة
لا يزال
من المبكر الحديث بشكل قاطع أو بكثير من اليقين بموضوعية وبالشمول والعمق عن الحرب
الدائرة حاليا في قطاع غزة، وتأثيراتها النهائية ومآلاتها. وقد أسمتها حركة حماس
"طوفان الأقصى"، فيما أسمتها حكومة الاحتلال الصهيوني "السيوف
الحديدية"، حروب تسميات في حرب لا تظهر في الأفق بوادر نهاية قريبة لها، أو
ملامح للأوضاع على الأرض في نهايتها. إلا أن ما نشهده من صمود أسطوري من المقاومة
وحاضنتها من أهل غزة ونحن في أجواء مرور العام على السابع من أكتوبر؛ ومع ذلك فان
مشاهد حادة حُفرت عميقا في الذاكرة، ومستجدات لم تكن لتخطر على خيال، وانطباعات
تحمل نسبة عالية من المصداقية، كلها مجتمعة قد تكون كافية للحديث عن الإعلام في
هذه الحرب، وعن الحرب الإعلامية وكيف تؤثر في مجريات المعارك وكيف يتأثر بها
الجمهور سلبا وايجابا.
وطالما
أننا بصدد الحديث عن الوسائل، وتوظيف الأدوات ضمن قواعد تتعلق بالأداء الفعال؛ فبين
الأدوات والأداء تبدو الحرب الإعلامية، إذ يؤثر التلاعب الإعلامي على الرأي العام
بطرق متعددة، منها:
1- تشكيل المفاهيم والقيم؛ إذ يمكن للإعلام المضلل أن يغير طريقة تفكير الناس حول
مواضيع معينة، مما يؤدي إلى تشكيل مفاهيم وقيم قد تكون بعيدة عن الحقائق.
2-
زيادة
الانقسامات الاجتماعية والوطنية؛ إذ يُستخدم التلاعب الإعلامي لنشر
المعلومات الموجهة التي تعزز التفتيت بين المجموعات المختلفة داخل المجتمع، مثل
الانقسامات السياسية أو العرقية.
3-
نشر الخوف والقلق؛ فقد
يتم استخدام الإعلام لنشر أخبار أو معلومات مثيرة للقلق، مما يؤدي إلى خلق حالة من
الخوف.
4-
تقليل الثقة في المؤسسات؛ بما يمكِّن
من ترويج الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، إلى تآكل الثقة في أطراف المجتمع
وتكويناته المتنوعة.
5- توجيه الثقافة العامة؛ ذلك
أن التلاعب الإعلامي يمكن أن يُستخدم لتسليط الضوء على
قضايا معينة وتجاهل أخرى، مما يؤثر على ما يراه الناس كأهمية في المجتمع.
إذ يعد
التلاعب الإعلامي أداة قوية يمكن أن تُستخدم لتغيير مسار التفكير والسلوكيات في
المجتمع، مما يتطلب من الأفراد التحلي بالنقد والتفكير العميق حول المعلومات التي
يستهلكونها، وهو أمر جعلنا نؤكد أن الحرب الإعلامية هي من أهم أشكال منظومات
الحروب النفسية.
في
ذاكرة التاريخ يمكن أن نرى شواهد مهمة على الحروب الإعلامية؛ ومن أبرزها:
1- الحرب الباردة: كانت
هناك حملات دعائية مكثفة من كلا الجانبين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي)
تهدف إلى التأثير على الرأي العام في الدول الأخرى، من خلال الأفلام، والمنشورات،
والبث الإذاعي.
2- حرب فيتنام: شهدت هذه الحرب
استخدام وسائل الإعلام بشكل كبير، حيث كانت الصور والتقارير القادمة من الخطوط
الأمامية تلعب دورا في تشكيل الرأي العام ضد الحرب في الولايات المتحدة.
3- الحرب الأهلية اللبنانية: خلال
هذه الحرب، تم استخدام وسائل الإعلام لنشر المعلومات الموجهة وتضخيم الصراعات
الطائفية، مما زاد من التوترات والانقسام.
4- الحرب على
العراق (2003): استخدمت الولايات
المتحدة الإعلام بشكل مكثف لتبرير غزو العراق، من خلال عرض معلومات حول أسلحة
الدمار الشامل المزعومة، وهو ما اتضح لاحقا أنه لم يكن دقيقا.
ضمن هذه السياقات كان التعامل مع السابع من أكتوبر؛ فلم تندلع الحرب الإعلامية فحسب عن الآلة الإعلامية الصهيونية، بل واكبتها آلة الإعلام الغربية الجهنمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. رُكبت منظومات الحرب النفسية وصناعة الصور الذهنية الزائفة؛ لصنع الكذب والزيف من مواقع رسمية وغير رسمية ووسائل إعلام صهيونية وشخصيات إسرائيلية من غلاة اليمين المتطرف
تُظهر
هذه النماذج والشواهد التاريخية كيف يمكن أن تؤثر وسائل الإعلام على الصراعات
والنزاعات، وتسهم في تشكيل وجهات نظر المجتمع.
ضمن
هذه السياقات كان التعامل مع السابع من أكتوبر؛ فلم تندلع الحرب الإعلامية فحسب عن
الآلة الإعلامية الصهيونية، بل واكبتها آلة الإعلام الغربية الجهنمية وعلى رأسها
الولايات المتحدة الأمريكية. رُكبت منظومات
الحرب النفسية وصناعة الصور الذهنية
الزائفة؛ لصنع الكذب والزيف من مواقع رسمية وغير رسمية ووسائل إعلام صهيونية
وشخصيات إسرائيلية من غلاة اليمين المتطرف، وقد تلقفت وسائل الإعلام الغربية هذه
الروايات الكاذبة ونشرتها دون تدقيق، من خلال جيوش الكترونية كثيرة العدد متعددة
اللغات وعلى مختلف المنصات. ومعلوم أن منصات التواصل الاجتماعي أبدت تساهلا كبيرا
مع الرواية الإسرائيلية، مقابل تشدد وتضييق نطاق وصول وفرض عقوبات، كالحجب
والتقييد على الحسابات التي تحمل السردية الفلسطينية.
ليس
من هدف هذا المقال التوقف عند دراسات متأنية لشواهد متعددة للخطاب الصهيوني
الدعائي أو التفصيل فيه؛ إلا أنه يمكن الإشارة الى تعمد آلة
الدعاية الصهيونية زرع
الشك في الروايات التي لا تستطيع دحضها، وتمرير الروايات الصهيونية التي تقع في
صالحها حتى مع تهافتها. إنها حرب التزييف والأكاذيب؛ ويترافق مع ذلك أداة تكتيكية
أخرى وهي المتعلقة بقاموس التحريض المُصنّع بعناية في وصف المقاومة وأعمالها. لم
يعد معجم الأوصاف التحريضية التي تستخدمها حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضد
الفلسطينيين كافيا، ولم تعد مصطلحات "الإرهابيين والمخربين" كافية
لإشباع جنون وتطرف هذه الحكومة الأكثر يمينية وتطرفا في تاريخ الاحتلال، في هذه
الحرب أكثر من غيرها استخدم الإسرائيليون -ساسة ومتحدثين إعلاميين- أوصاف البربرية
والحيوانية والوحشية والسادية والهمجية على الفلسطينيين، وسعوا منذ اللحظة الأولى إلى
تكريس مصطلح حماس داعش.
كما
أكد عماد الأصفر في مقاله الضافي "طوفان الحرب والإعلام" أن هذا
"التحريض توج بمطالبة عدة وزراء للجيش بعدم التفريق بين مدني وعسكري، وبدعوة
وزير التراث "عميحاي إلياهو" إلى ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية، من خلال
إسقاط الأوصاف على الطرف الأضعف في سياق المثل "رمتني بدائها وانسلت".
صناعة
السردية بين استغلال المشهد القائم وإغفال مشهد الذاكرة العميق؛ مفارقة مهمة في
تصنيع الظاهرة وإدراكها ضمن تزييف وطمس الذاكرة. عادة ما ينشغل الإعلام وينشغل
المتحدثون والسياسيون في معالجة اللحظة الراهنة، ناسين أنها ليست إلا نتيجة حتمية
لسبب أصيل مضى، وأن هذا الصراع هو ما أوجد حركات المقاومة ومن بينها حماس، والعكس
ليس صحيحا.
دور الإعلام إذا في الحروب الحديثة يتجاوز مجرد تغطية الأحداث، إذ أصبح أداة استراتيجية تستخدم لأغراض متعددة؛ منها التوجيه والتأثير على الرأي العام؛ وممارسة الحروب النفسية لتقويض معنويات أي كيان وزرع الشك في صفوفه. وكذلك لا يمكننا إغفال دور التكنولوجيا ووسائل الإعلام الجديد مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي
فهذا
الصراع لم يبدأ في غزة في هذا العام أو قبل أكثر من سبعة عشر عاما حوصرت غزة فيها
حصارا قاهرا؛ وإنما بدأ بالنكبة قبل خمسة وسبعين عاما، بما ارتكب من احتلال
استيطاني كآخر استعمار استيطاني في المعمورة. هذا الإيهام جعل إسرائيل تركز على
السابع من أكتوبر، وتضرب صفحا عن حرب إبادة جماعية إسرائيلية لأهل غزة بشهادة
مؤسسات دولية قضائية وهيئات حقوقية، كما لا تخلو هذه الصناعة الإعلامية من تغييب
متعمد أو تعتيم متمدد؛ أو تبرير وتغرير وتزوير.
دور
الإعلام إذا في الحروب الحديثة يتجاوز مجرد تغطية الأحداث، إذ أصبح أداة
استراتيجية تستخدم لأغراض متعددة؛ منها التوجيه والتأثير على الرأي العام؛ وممارسة
الحروب النفسية لتقويض معنويات أي كيان وزرع الشك في صفوفه. وكذلك لا يمكننا إغفال
دور التكنولوجيا ووسائل الإعلام الجديد مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح من
السهل مشاركة المعلومات وأيضا تداول الشائعات، مما يعدل من ديناميات الحروب
وتأثيرها. وضمن هذه الصناعة الإعلامية، تلجأ الأنظمة إلى فرض رقابة على وسائل
الإعلام للسيطرة على السرد الإعلامي ومنع وصول المعلومات التي قد تضر بمساعيها.
إذا،
الساحة الإعلامية كميدان للحروب الإعلامية والنفسية كما هي مساحة يستغلها العدو؛
يجب أن تظل ضمن اهتمامات الأمة والمقاومة ضمن أطروحة المقاومة الإعلامية وإعلام
المقاومة.
x.com/Saif_abdelfatah