يخرج إلينا مذيع من المفترض أنه أخذ
قسطا وافرا من التعليم والتأهيل لممارسة مهنة
الإعلام، وكان والده أحد أساطين
إدارة الإعلام في مرحلة مبارك، وأحد رجال صفوت الشريف الأقوياء، وزير إعلام
مصر في
عصر مبارك.
ومع كل ملاحظاتنا النقدية على مراحل
إعلامنا المصري من مرحلة ناصر ثم السادات ونهاية بمبارك، لم تتخل المنظومة
الإعلامية عن ميثاقها المهني الذي كان نبراسا لأهل الإعلام في المراحل المختلفة،
لكننا لم نر تفسخا واختلاط مفاهيم، تصل لحد اللامبالاة وعدم المحاسبة، كما نرى الآن.
فالمسألة ليست أن مذيعا خرج بكل ثقة
ولوذعية ليدعو المواطنين إلى نبذ التعليم، ويتساءل بكل ثقة وجديّة شديدة؛ عن الجدوى
من دراسة الجغرافيا والتاريخ وغيرها من العلوم الإنسانية، فهذا "لا يؤكل عيش"
على حد كلامه، بل وتجاوز هذا إلى دعوة الناس إلى البحث عن لقمة العيش بمعزل عن
التعليم وتحصيله.
المذيع يدلي بتصريحات معلوم سلفا أنها مجافية لكل أصول العلم والمنطق، كما هو معلوم ما ستحدثه من حالة غضب واستهجان لدى الجماهير الغفيرة من المشاهدين، وما سيصب من لعنات على رأس ذاك المذيع، فيأتي قرار فوقي بوقف برنامج المذيع ومنعه من الظهور استجابة لغضب الجماهير، فتهدأ الأمور نسبيا حتى تتم صناعة زوبعة جديدة وضحية جديدة يتم ذبحها ولو صوريا إرضاء لغضب الجمهور
هكذا قال، واستُقبل كلامه بموجة غضب
شديدة من قبل مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المقروء، بل تجاوز هذا إلى
السخرية من وصية هذا المذيع. وبعد أيام من موجة غضب مشتعلة على مواقع التواصل الاجتماعي
صدر قرار بوقف هذا المذيع عن الظهور ووقف برنامجه. وهذه ليست المرة الأولى بحقه،
بل المرة الثانية، ثم بعد مدة ليست بالقليلة ولا الطويلة، يعود ليطل علينا من جديد
لإجبار جموع المشاهدين على تلقي وصاياه العشر.
وإزاء ذلك نجد أنفسنا أمام أحد
تفسيرين لا ثالث لهما:
الأول: إما أن هذا المذيع لا يصلح
لمهنته، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي سمح له بالظهور..؟! بل وكيف تم
السماح له بالاستمرار..؟!
أما التفسير الثاني: وهو أن يكون كل
هذا متفقا عليه لإلهاء الرأي العام عن قضاياه المصيرية، استخداما لمبدأ نفي النفي
إثبات.
فالمذيع يدلي بتصريحات معلوم سلفا
أنها مجافية لكل أصول العلم والمنطق، كما هو معلوم ما ستحدثه من حالة غضب واستهجان
لدى الجماهير الغفيرة من المشاهدين، وما سيصب من لعنات على رأس ذاك المذيع، فيأتي
قرار فوقي بوقف برنامج المذيع ومنعه من الظهور استجابة لغضب الجماهير، فتهدأ
الأمور نسبيا حتى تتم صناعة زوبعة جديدة وضحية جديدة يتم ذبحها ولو صوريا إرضاء
لغضب الجمهور، وهكذا يصبح الإعلام في دائرة مفرغة لا نهاية لها.
الإعلام المصري هو أحد أهم أسلحة الدولة في القوى الناعمة، وأرجو ألا ينجر لأساليب الإثارة من أجل الإثارة أو الإلهاء
وهذا بدوره يذكرنا بالأيام الخوالي
لإعلامنا الجميل، أيام أن كانت الجودة والمهنية هي شغله الشاغل، هذا الزمن الذي
تذكره أجيالنا بمزيد من الفخر والاعتزاز لمصرنا الحبيبة، أيام سلوى حجازي، وليلى
رستم، وأحمد سمير وبرنامجه الشهير السينما والحرب، وبابا ماجد وبرنامجه الموجه
للأطفال.
ثم يأتي الجيل الذي يليهم، سمير صبري
وبرنامجه النادي الدولي، وطارق حبيب وبرنامجه أوتوجراف، وتأتي نجوى إبراهيم وفريال
صالح وبرنامج اخترنا لك، وأماني ناشد وبرنامجها كاميرا ٩، ودرية شرف الدين
وبرنامجها نادي السينما، وعبد المنعم كامل ومنى جبر وبرنامجهما فن الباليه، ومع كل
هذا البرنامج الديني الرصين نور على نور لأحمد فراج.
نعم الإعلام المصري هو أحد أهم أسلحة
الدولة في القوى الناعمة، وأرجو ألا ينجر لأساليب الإثارة من أجل الإثارة أو
الإلهاء، فإعلامنا المصري ولد كبيرا، وكان له دور تثقيفي وتوعوي وترفيهي كبير، فلا
بد أن يظل كذلك، وأن يعود له هذا الدور المفقود، لأنه ببساطة هو الأصل في شرقنا
الأوسطي، وسيظل كذلك مهما حدث.