سياسة دولية

أزمة في صحيفة "جويش كرونيكل" بعد سحب تقارير فيها "افتراءات جامحة" طالت السنوار

التقرير الذي نشرته الصحيفة حول "خطط" السنوار للهروب كان مكذوبا بالكامل- الأناضول
التقرير الذي نشرته الصحيفة حول "خطط" السنوار للهروب كان مكذوبا بالكامل- الأناضول
قامت أقدم صحيفة يهودية في العالم، ذي جويش كرونيكل (السجل اليهودي)، بحذف سلسلة من المقالات المثيرة والمتعلقة بالحرب على قطاع غزة بعد مزاعم بأن المواد المنشورة إنما هي من مفتريات "صحفي حر"، لم يكتف بذلك، بل إنه قام أيضا بتحريف سيرته الذاتية.

فبعد تحقيق أجري الأسبوع الماضي بحق كاتب المقالات، إيلون بيري، نشرت ذي جويش كرونيكل إعلانا من فقرتين في وقت متأخر من مساء الجمعة، تقول فيه إنها غير راضية عن تفسيرات قدمها الصحفي بشأن مزاعمه في ما نُشر له من مقالات.

وجاء في الإعلان: "لقد انتهت ذي جويش كرونيكل من إجراء تحقيق دقيق وشامل بحق الصحفي الحر إيلون بيري، بدأ بعد مزاعم أثيرت حول جوانب من سجله. بينما ندرك أنه خدم في قوات الدفاع الإسرائيلية، فإننا لم نكن راضين عن بعض من مزاعمه، ولذلك فإننا قمنا بحذف تقاريره من موقعنا وأنهينا أي ارتباط كان لنا بالسيد بيري".

وتضمن الإعلان: "تلتزم ذي جويش كرونيكل بأعلى المعايير الصحفية في مشهد معلوماتي شديد التنافس. نعرب عن عميق أسفنا لسلسلة الأحداث التي أفضت بنا إلى هذه النقطة، ونعتذر إلى قرائنا الموالين لنا. ولقد قمنا بإجراء مراجعة بشأن الإجراءات المتبعة داخلياً لضمان عدم تكرار ذلك".

اظهار أخبار متعلقة


وتأسست الصحيفة، التي تعرف اختصارا بـ"آي سي"، في عام 1841، ولطالما كانت "مؤسسة محترمة" في الحياة اليهودية البريطانية، وتجذب مشاهير الصحفيين والكتاب اليهود للمساهمة فيها. إلا أن الأحداث الأخيرة أثارت الذعر حول الاتجاه الذي تتخذه وهي تنحرف أكثر فأكثر نحو اليمين تحت إدارة محررها جيك واليس سايمونز، ما أثار تساؤلات حول هوية الجهة التي تملكها، بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.

وقالت الصحيفة: "بدأت أحداث الأسبوع المنصرم غير الاعتيادية، والتي شهدت الآن سحب سلسلة من المقالات البارزة التي كانت قد نشرتها الصحيفة، قبل عدة أشهر عندما بدأ بالكتابة فيها كاتب وُصف حينها بأنه صحفي إسرائيلي مقيم في بريطانيا، ونشر في الصحيفة سلسلة من التقارير التي زعم أنها تعتمد على مصادر استخباراتية إسرائيلية".

وأوضحت أن "المقالات كانت مثيرة للغاية، إذ زعم كاتبها أنها تصف "ضربة بضربة العمليات الإسرائيلية – بما في ذلك ما كان يعتبر تفاصيل شديدة الحساسية"، اعتمادا على معلومات استخباراتية زعم الكاتب أن "إسرائيل" تمكنت من جمعها حول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار وحول خططه".

وذكرت أنه "في خضم الشكوك التي كانت تراود الصحفيين الذي يغطون أحداث الصراع في غزة حول مدى صدقية المواد التي تنشرها الصحيفة للكاتب بيري، لم يتمكن هؤلاء الصحفيون من إيجاد سجل ذي معنى يؤكد ما نسبته الصحيفة له من حرفية ومصداقية".

ثم ما لبثت تلك الشكوك أن خرجت إلى العلن في الأسبوع الماضي عندما نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية سلسلة من التقارير تصف مقالات بيري بأنها محض "افتراء".

وقالت إن "وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت قد أشارت خلال الأشهر الأخيرة إلى أن ثمة تقارير يتم نشرها في صحف أوروبية، بما في ذلك تقرير نشرته صحيفة شعبوية ألمانية اسمها "بيلد"، انطلاقاً من معلومات استخباراتية مكذوبة أو محرفة، يتم زرعها كجزء من المساعي المبذولة لدعم الوضع التفاوضي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حول غزة".

في مؤتمر صحفي عقده في الرابع من أيلول/ سبتمبر، خاطب نتنياهو وسائل الإعلام الأجنبية قائلا إن المنطقة الحدودية لغزة مع مصر، والتي تعرف بمحور فيلادلفيا – وهي نقطة عالقة في المفاوضات بين حركة حماس و"إسرائيل" لوقف إطلاق النار وإبرام صفقة لتبادل الرهائن – إذا لم تكن تحت السيطرة المباشرة للجيش الإسرائيلي، فإن بإمكان السنوار استخدامها للهرب، وربما اصطحاب الرهائن معه.

وبينت الصحيفة أنه في اليوم التالي "نشرت صحيفة ذي جويش كرونيكل مقالاً لبيري حوّل فيه ذلك إلى حقيقة واقعة، حيث زعم المقال أن ثمة معلومات استخباراتية تؤكد أن السنوار يخطط للهرب إلى إيران بصحبة الرهائن، وذلك بناء على اعترافات انتزعت من شخصية كبيرة في حماس ومن وثيقة تم العثور عليها في أواخر شهر آب/ أغسطس".

وأضافت أنه "بعد أن تلقفت الحكاية العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية – وتم الترويج لها من قبل ابن نتنياهو، يائير، ومن قبل زوجته سارة – سرعان ما تم تفنيدها باعتبارها "فرية جامحة" حينما قال عنها ناطق باسم قوات الدفاع الإسرائيلية بأنها لا أساس لها".

ثم سرعان ما أثبتت تحريات الصحفيين في "إسرائيل" وفي أماكن أخرى أن مزاعم بيري حول خلفيته، بما في ذلك ادعاؤه بأنه عمل صحفياً وأكاديمياً، وبما في ذلك مزاعمه حول سجله العسكري، كانت غير صحيحة وتبعث على الريبة.

واجه بيري، بشكل خاص، أسئلة حول زعمه أنه كان جندياً أثناء المهمة الشهيرة التي نفذت لإنقاذ الرهائن في عنتابي في عام 1976 وأنه عمل أستاذاً في جامعة "تل أبيب" لخمسة عشر عاماً.

اظهار أخبار متعلقة


لقد أثار حذف المقالات، بعد يوم واحد من إعلان الصحيفة رسميا عن إجرائها تحقيقا في الأمر، أسئلة خطيرة حول محرر ذي جويش كرونيكل واليس سايمونز، الروائي السابق الذي عمل من قبل كاتباً في كل من ذي ميل، ذي تليغراف، وذي سبيكتاتور، بحسب تقرير الصحيفة.

وعلى الرغم من تلقيهما سلسلة من الأسئلة، فقد استنكف واليس سايمونز وذي جويش كرونيكل عن تفسير كيف وصل بيري – وهو شخص بلا سجل صحفي معروف ناهيك عن أن يكون له خبرة في الصحافة الاستقصائية – إلى أن يكتب في الصحيفة. كما أنهم لم يدلوا بأي معلومات حول إجراءات العناية اللازمة التي اتخذت لتدقيق ما ثبت بشكل متزايد أنه سلسلة من المزاعم الخيالية.

أما بيري فقال في تصريح لصحيفة ذي أوبزيرفر، إن "ذي جويش كرونيكل ارتكبت خطأ بإعلانها ذلك"، واصفا الانتقاد الموجه له بأنه "عملية تصيد، مرجعها الغيرة التي شعر بها الصحفيون الإسرائيليون والمنصات الإعلامية الإسرائيلية الذين لم يتمكنوا من الحصول على التفاصيل التي تمكنت أنا من الحصول عليها".

وتأتي حكاية بيري لتضيف إلى كومة متنامية من الانزعاج إزاء الاتجاه الذي انحرفت نحوه الصحيفة مؤخراً. وكان محرر شؤون وايتهول (الحكومة البريطانية) في صحيفة ذي صندي تايمز، غابرييل بوغراند، قد عبر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عن هواجسه إزاء الصحيفة، بما في ذلك ترتيبات ملكيتها الضبابية التي حيرت المراقبين.

وكتب بوغراند يقول: "يشفق المرء على ذي جويش كرونيكل من غلظة وعدوانية زعامتها الحالية، فهذا الوضع يضر بمصالح مجتمعنا. كما أن ذلك يثير التساؤل تارة أخرى: من الذي يملكها؟ كيف لا يعلم يهود بريطانيا من هو الذي يملك صحيفتهم؟ ثم، كيف يمكن لصحيفة ألا تعلن عن هوية من يملكها؟ إنها حالة من التناقض اللفظي. ولكم أكره إثارة هذا السؤال على الملأ، ولكني طرحته ضمن الدوائر المغلقة قبل أكثر من عام، ولكن بلا جدوى".

وتنتشر تحفظات بوغراند على نطاق واسع في أوساط اليهود البريطانيين الليبراليين، الذين يشعرون بأن الصحيفة لم تعد تمثلهم كما كانت تفعل ذات يوم.

يقول أحد الأشخاص من ذوي الاطلاع الجيد على تاريخ الصحيفة وعلى دورها: "كان هناك إحساس بأنها ليست في جيب أحد، فقد كانت تعمل لصالح المجتمع اليهودي بأسره، وبسبب ذلك كانت تتمتع بقبول واسع داخل المجتمع اليهودي. إلا أنها غدت أضيق كثيراً في نظرتها وفي ما تنظمه من حملات لخدمة مجموعة معينة من القضايا".

في وقت مبكر من هذا العام، أثير موضوع ملكية صحيفة ذي جويش كرونيكل في مقال نشره في مجلة بروسبيكت ألان راسبريدجر، المحرر السابق لصحيفة "الغارديان"، وقال إن الصحيفة تتلقى دعما من ملياردير أمريكي، ولكن الملياردير ما لبث أن نفى ذلك الادعاء.

وكان من بين الذين علقوا على حذف ذي جويش كرونيكل لمقالات بيري بعض ممن كانوا يعيدون نشرها، بما في ذلك إيلون ليفي، المتحدث الشرس السابق باسم الحكومة الإسرائيلية، الذي اعتذر عن ترويجه للمقالات المضللة وإعادة نشرها بين أتباعه الذين يصل عددهم إلى ما يقرب من 200 ألف.

اظهار أخبار متعلقة


قال ليفي في تغريدة له عبر منصة إكس: "لقد حذفت ذي جويش كرونيكل التقارير المخادعة التي كتبها الصحفي الحر إيلون بيري وأنهت عملها معه. وهذا بالضبط هو الأسلوب الذي ينبغي أن تتبعه وسائل الإعلام مع المراسلين الذين ينقلون عن مصادر مخادعة. أعتذر لكل من تم تضليله بسبب إعادة نشري لهذه التقارير".

إلا أن البعض شكك في إمكانية أن يفضي حذف تقارير بيري إلى إنهاء المسألة، بمن في ذلك بن ريف من منصة +972، إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية المتخصصة في كشف الافتراءات.

فقد كتب بن ريف عبر منصة إكس يقول: "لعلها بطردها إيلون بيري، تأمل ذي جويش كرونيكل في وضع حد لهذه المشكلة، وكأنما قرار توظيف صحفي مزيف لم يكن قد اتخذ على أعلى المستويات، وكذلك قرار نشر تسع مقالات زائفة بدون التحقق من المصادر، وقرار تحويل الصحيفة إلى ما يشبه الوكيل الفعال في حملة نتنياهو لتعزيز نفوذه".
التعليقات (0)