سكون وشيء من الخوف.. هكذا أمضى أهل قرية أمندار، بإقليم الحوز (على مقربة من بؤرة الزلزال)، ليلة 8 أيلول/ سبتمبر، مُستحضرين ما جرى، قبل عام بالضّبط، كافّة التفاصيل التي لم تتزعزع عن ذاكرتهم، ولا تزال حاضرة في كل ما هو محيط بهم؛ فكل شيء في هذه القرية الصغيرة، يُذكر بأعنف زلزال هزّ البلاد، منذ عقود.
وحلّت ليلة الأحد، الثامن أيلول/ سبتمبر، الذكرى السّنوية الأولى، لأعنف هزّة أرضية حلّت على
المغرب؛ حيث كانت عشرون ثانية فقط، بتاريخ الـ8 من أيلول/ شتنبر 2023، كافية لتسوية قرى بأكملها بالأرض، فيما أودت بحياة أزيد من 3000 شخص، وخلّفت دمارا لا يزال جزء مهم من ركامه، لم يُراوح مكانه، للآن.
ليلة الفاجعة.. حيث التّفاصيل تُروى
أمضت "عربي21" ليلة الثامن من شتنبر، في قرية أمدار، في قلب الجبال، وبين أناس سيمتهم البساطة الممزوجة بالعُنفوان والكرم؛ في زيارة ثانية، عقب زيارة أولى، كُنّا فيها أوّل الواصلين، عقب ساعات قليلة من الفاجعة، التي غيّرت ملامح الحياة هنا، وجعلت الأوضاع تُصبح أسوأ، وفقا لأهل القرية أنفسهم.
يقول محمد، ذو 35 عاما: "أتذكّر حضوركم، وبعدها آلاف المغاربة الذين أتوا لزيارتنا ومُساندتنا في محنة كانت ولا تزال صعبة علينا، نفسيا وماديا وفي كل شيء، حتّى نظراتنا تغيّرت، أصبحت أكثر بؤسا وإحباطا".
وفي وصفه للتغيّرات الجارية لإعادة إعمار القرية، أوضح محمد، في حديثه لـ"عربي21": "هذا هو الوضع، كما شاهدتِ، لا شيء تغيّر، سوى أنّنا كنا مرتاحين في منازلها، وما هي إلاّ لحظات حتّى آلت حياتنا نحو الجحيم، فوجدنا أنفسنا عالقين في الخيم، ومنسيين، ومُهملين من الجهات المختصّة"، مردفا: "اثنين فقط من أصل 70 عائلة في القرية، هم من تمكّنوا من الحصول على رخص البناء، وقليل جدا من العائلات من حصلت على الدعم المادي، لا أدري كيف تم تدبير الملفّات".
اظهار أخبار متعلقة
ومنذ مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت الحكومة المغربية، التي يرأسها، عزيز أخنوش، قد أمرت بصرف أولى دفعة من المُساعدات المالية للأسر المتضررة من زلزال الحوز والأطلس، مقدارها 2500 درهم (ما يُناهز 250 دولارا). غير أن عدّة أشخاص قابلتهم "عربي21" تقول إن: "الإهمال طالهم".
ودعا رئيس الحكومة المغربية، قبل أشهر، مختلف القطاعات الحكومية، إلى "تسريع تأهيل مُختلف المرافق الحيوية للسّاكنة، خصوصا المدارس والمرافق الصحية"، مشيرا إلى ضرورة تنفيذ التعليمات الملكية لـ"تحقيق تطلّعات الساكنة المحلية المتضررة من زلزال الحوز، مع الحرص على احترام معايير الهندسة المعمارية، واستخدام مواد بناء ذات جودة؛ التزاما بمعايير السلامة".
مدرسة متوقّفة وقنطرة مفقودة
السّكان في هذه القرية الصغيرة، قلوبهم معلّقة بالماضي، حيث كانت الفلاحة ومنتجاتها من اللوز وجوز الهند وأركان أولى مصادر قوتها، ومعيشتها التي كانوا يصفونها بـ"الرّحبة" إلى أن أتت الفاجعة غير المُتوقّعة لتُغير معالم العيش لديهم، وتُزعزع مصادر الأمان لديهم.
تروي خديجة في جلسة حديث حول صينية أتاي (الشاي المغربي) وصحن بما ظلّ صامدا في الأشجار، من اللوز وجوز الهند: "أشعر برهبة الحدث، في مثل هذه اللحظات من قبل عام، تغيّرت حياتنا.. أتذّكر أنني كنت في المطبخ أرتّبهم قبل النوم، فإذا بالمنزل ينهدّ فوق رؤوسنا وأصوات الصّراخ تملأ المكان، لا مكان ظلّ قائما لنهرب إليه، ولا شخص فينا ظل واعيا لنشتكي إليه".
وتصف خديجة في حديثها لـ"عربي21" أثر ما جرى، عقب عام كامل، من الواقعة، والدّموع لا تُفارق عيونها: "تم إهمالنا بكل ما في الكلمة من المعنى، كافة الدواوير (القرى) المحيطة بنا تمّت العناية بهم، من انطلاق مرحلة إعادة الإعمار، إلى الدعم الخاص بالمعيشة أو ذلك الخاص بالبناء. ونحن ظللنا عالقين في مكاننا، لا تغيير هنا".
اظهار أخبار متعلقة
وفي جولة ميدانية، رفقة رجال من المنطقة، مُكلّفين من طرف سُكّان القرية للحديث عن مشاكلهم، أخذونا بجانب الواد، لمُعاينة واحد من أعمق المشاكل التي يُعانون منها، وهي فُقدان القنطرة، التي تجعلهم أولا على تواصل مع القرى الثانية، وتفكّهم من العزلة، ثم ثانيا تجعل طريق التلاميذ للمدرسة، في فصل الشتاء أهون وأيسر، في إشارة إلى أنهم غالبا ما ينقطعون عن الدّراسة خلال غزارة الأمطار، وأحيانا يحمل الواد.
وأوضح واحد من سُكّان القرية ذاتها، يُسمى إبراهيم، في حديثه لـ"عربي21" أنه: "أصبحت لنا عُقدة من شهر شتنبر، فيه حصلت فاجعة الزلزال، وفيه كذلك تجري الآن فاجعة الفيضانات، في قرى ليست بعيدة علينا"، مردفا: "نحن كذلك، يمر من قريتنا واد، وحدث الفيضان، ليس ببعيد علينا، وفقا لتوقّعاتنا".
النساء.. الحلقة الأضعف
اشتكى عدد من سكّان قرية "أمندار" لـ"عربي21" من حمولة الأسى المُتراكمة لديهم، من فقر، وندرة مياه، وقلّة منتوجات فلاحية، وتعطيل للمدرسة، وبُعد للمستوصفات الصحّية، وغيرها من المشاكل التي تجعل الحياة عندهم مُتوقّفة.. ناهيك عن إشارات مُتكرّرة من عدد من سكان القرية، بكون النّساء تظل الحلقة الأضعف، وتظلّ مُعاناتهم أعمق.
تقول ليلى، ابنة قرية أمندار، التي رافقت "عربي21" في الجولة الميدانية، إن "النساء هنا تُعاني، في صمت دفين، مشيرة إلى أن عدد من النساء أجهضت بسبب الزلزال، ومنهم من لا تزال مُعاناتها النفسية مُستمرة، في غياب أي بوادر للعلاج؛ بينهم سيدة فقدت طفلين تحت الأنقاض، وعدد من أفراد أسرتها.
إلى ذلك، القرى المُتضرّرة من الزلزال، لم تُشفى بعد، ونفسية الساكنة لا يزال الخوف متربّص بها، وأحلامهم بإعادة الإعمار، وعودة عجلة الحياة إليهم، لا تزال قائمة.