كتاب عربي 21

التهديد الأخطر الذي يواجه الأردن

محمد عايش
عربي21
يواجه الأردن حالياً التهديد الأكبر على الإطلاق لأمنه واستقراره ومستقبله بالكامل، ذلك أن اسرائيل التي يقودها حالياً حفنة من المتطرفين لا يترددون في الإفصاح عن مشاريعهم التي تُهدد الأردن، وذلك على الرغم من اتفاق السلام (وادي عربة) الذي يُفترض أنه كان الضمانة للأردن من أي تهديد اسرائيلي.

خلال الأيام القليلة الماضية كان لافتاً أن التصريحات الاسرائيلية التي تستهدف الأردن كان مصدرها وزير الخارجية الذي يُفترض أن يكون آخر من يُهدد دول الجوار على اعتبار أنه "مصنع الدبلوماسية" في اسرائيل، لكنه على العكس من ذلك أطلق أكثر من تصريح يفيد بأن عين الاحتلال على الأردن، وهو ما يؤكد بأن الأردن ربما يدفع ثمناً غالياً -لا سمح الله- إذا استمرت المخططات الاسرائيلية على حالها دون أن يتم لجمها والتصدي لها أردنياً وعلى كافة المستويات.

ففي منتصف آب/ أغسطس الماضي دعا وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى "تسريع بناء جدار على طول الحدود مع الأردن"، واللافت في التصريح أنه قال "تسريع" ما يعني أن المشروع موجود لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب لكن الرجل يطالب بفقط بتسريع وتيرة التنفيذ، وهذا يعني أن لدى الاحتلال مشروع لبناء جدار على غرار ذلك الذي بناه أرئيل شارون في العام 2002 لإحكام الحصار على الضفة الغربية، وهو جدار تسبب بقائمة طويلة من المآسي، فضلاً عن أنه جدار عنصري لا يليق أن يكون موجوداً في أي مكان بالعالم ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين.

كاتس حرَّض أيضاً، ومعه مسؤولون آخرون ووسائل إعلام عبرية، ضد الأردن عندما تحدثوا عن أنه يتم عبر الأراضي الأردنية تهريب الأسلحة الى المقاومين في الضفة الغربية، وهذا اتهام من المعروف أنه باطل ولا أساس له من الصحة، لكنَّ الخطير فيه أنه يُشكل تمهيداً لابتزاز الأردن وتهديده، وهو الأمر الذي استشعره الملك عبد الله الثاني بكل وضوح عندما كان واضحاً وحاسماً قبل أيام بقوله إن "الأردن لن يقبل بأن يصبح مستقبل المنطقة رهيناً لسياسات حكومة إسرائيلية متطرفة"، وهو ما يعني أيضاً بالضرورة أن القيادة الأردنية عازمة على التصدي لهذه التهديدات الاسرائيلية، وذلك بطبيعة الحال عبر القنوات الدبلوماسية والعلاقات الدولية.

اسرائيل لم تتوقف عند تصريحات كاتس واعتداءات بن غفير على المسجد الأقصى الذي تديره وزارة الأوقاف الأردنية، وإنما بدأت عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، وكان اللافت فيها أن الجيش الاسرائيلي يقول بأنه سيقوم "بإخلاءات من بعض المناطق" وذلك على غرار ما حدث في غزة، وهو الأمر الذي يُشعل المخاوف من أن يكون الاحتلال عازم على بدء موجة طرد وتهجير للفلسطينيين ستكون تهديداً آخر وربما أكبر للمصالح العليا للأردن.

واقع الحال أنَّ اسرائيل قامت وتقوم بانتهاك كافة التزاماتها التي وقعت عليها في معاهدة وادي عربة المبرمة مع الأردن في العام 1994، فقد سبق أن انتهكت المادة السادسة المتعلقة بالمياه والملحق الخاص أيضاً حول المياه وهددت الأمن المائي للأردنيين، كما قتلت مواطنين أردنيين داخل الأراضي الأردنية وخارجها، وانتهكت المادة التاسعة من المعاهدة والتي تعترف بالدور الأردني في الأماكن المقدسة بما في ذلك المسجد الأقصى، وهذه المادة هي التي يتم انتهاكها يومياً عبر الاقتحامات المتكررة.

ويسعى الاسرائيليون حالياً لمزيد من الانتهاكات التي تشكل تهديداً لأمن واستقرار الأردن، خاصة مع العملية العسكرية في الضفة الغربية والتحريض المستمر بالتوازي ضد الأردن، وهو ما يؤكد أن الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرة شهور لم تكن رد فعل على عملية السابع من أكتوبر وإنما هي تنفيذ لمشروع خطير يستهدف تغيير الوقائع على الارض ليس داخل الضفة وغزة فحسب وإنما في المنطقة برمتها. 

ليس أمام الأردن سوى التحرك فوراً وفقاً للتصريحات والرؤية الملكية من أجل التصدي للمشروع الاسرائيلي، وأقل ما يُمكن فعله في هذا السياق هو اللجوء الى المحافل الدولية، وتعليق العمل باتفاقية السلام، وطرد السفير الاسرائيلي وإغلاق سفارته في عمّان، إذ من غير المعقول أن يكون في الأردن سفارة وممثل لجهة تعمل على تقويض أمنه ومصالحه.. ودعونا نتذكر بأن الملك الحسين الراحل كان قد هدد بإلغاء الاتفاقية إذا ما نفذت اسرائيل اغتيالاً على الأرض الأردنية، وهو ما ردع تل أبيب منذ ذلك الحين عن اغتيال خالد مشعل أو غيره خلال تواجدهم على أراضي الأردن.. إذن لدى الأردن الأوراق الكافية للضغط على الاسرائيليين، والأردن على كل حال ليس ضعيفاً.  
التعليقات (0)