كتاب عربي 21

سماحة السيد "هاملت" بين العقل والغضب

أحمد عمر
يقول الكاتب: "إيران لن تستطيع الانتقام على طريقة إسرائيل"- الأناضول
يقول الكاتب: "إيران لن تستطيع الانتقام على طريقة إسرائيل"- الأناضول
هاملت هو بطل مسرحية شكسبير الشهيرة، والتي تحمل اسمه عنوانا لها، وهو مثال التردد، وانعدام الحزم، وغياب العزم. وقد رضيت إيران ورضي من خلفها حلفاؤها؛ حزب الله ومن ثم أنصار الله، بلعب دور "السنيّد" مدة عشرة أشهر، حتى خيّل للناظر أنَّ ثمة محور جديد اسمه محور المساندة!

حَسَبَ الناظر من لقاء للعربية مع خالد مشعل في الشهر الأول من الحرب، أنه كان ينتظر أمرا آخر من إيران وشركاء "وحدة الساحات"، وكان العرب والعجم قد حبسوا أنفاسهم عندما أصدر حزب الله فيلما بخصائص سينمائية تشويقية، يظهر فيه الأمين العام لحزب الله بقدّه وقامته، وهو يضع إصبعه على مكان في خريطة، وكان ذلك في نهاية الشهر العاشر من العام المنصرم، ثم يدخل غرفة كأنه يهمُّ بأمر عظيم لا قبل لنا به، ثم خطب، فوجد جمهورا عريضا من النظارة والمنتظرين، المحبين والكارهين أنفسهم تحت شوبٍ من ماء بارد، وقال: إن حزبه يقاوم ويشارك في المعركة منذ أول يوم!

رضيت كتائب المقاومة في غزة على مضض بالأمر، فالمساند الإيراني خيرٌ من القاعد العربي، وكان خالد مشعل قد طلب المزيد كما أسلف القول، فانفلت عليه محللو الأخبار التابعين لإيران و"محور المساندة" غاضبين، وقالوا: إذا كنت تريد مشاركة في الحرب، هات 30 مليار دولار ثمنا لدمار بيروت مقدما!

هل أنتم مقاومون بالأجر؟
نعلم أن إيران لن تستطيع الانتقام على طريقة إسرائيل التوراتية، بقتل علماء إسرائيليين أو قادة إسرائيليين، وإن خطاب حسن نصر الله الأخير في تأبين قائده المغدور فؤاد شكر (مع سبعة مدنيين هم أطفال ونساء)، مع تهديد ووعيد كثير، أثنى على الراحل وعلى شجاعته وحبه للشهادة

ثمة محلل سياسي لبناني، وهو أفصحهم قولا وأذربهم لسانا، يقول: إنَّ مقاومة الحزب هي مقاومة عبور وليست مقاومة تدمير، وهذا يخالف ما جاء في خطاب المقاومة الجديد بعد قتل إسماعيل هنية وفؤاد شكر: أنَّ العين بالعين والسن بالسن، وظنّنا بل يقيننا أنّ قدرات حزب الله الاستخبارية لا تبلغ قدرات إسرائيل التي قتلت علماء إيرانيين، مثل فخري زادة، وقادة مثل قاسم سليماني، وأن إيران وحلفاءها صمتوا على قتلهم، وعلى قتل صالح العاروري، فاستمرأت إسرائيل القتل، وأنّ إيران إن لم ترد هذه المرة ردا يحفظ لها كرامتها الإقليمية، وحضارتها العتيدة، فإنَّ الإهانة ستجللها مذلة ومنقصة وتخسرها مكانتها ومنزلتها.

نعلم أن إيران لن تستطيع الانتقام على طريقة إسرائيل التوراتية، بقتل علماء إسرائيليين أو قادة إسرائيليين، وإن خطاب حسن نصر الله الأخير في تأبين قائده المغدور فؤاد شكر (مع سبعة مدنيين هم أطفال ونساء)، مع تهديد ووعيد كثير، أثنى على الراحل وعلى شجاعته وحبه للشهادة، حتى خشي السامع غير التابع أنه سيرسل بطاقة شكر لقاتله، وإن طول الخطاب ليس محمودا.

يُفهم من خطاب حسن نصر الله وهو خطاب طويل، والبلاغة عند العرب الإيجاز، بل هي عند القادة الإسرائيليين كذلك، أن حزب الله سيلتزم بقواعد اللعبة، وقد شتم حسن نصر الله من يسفّه المقاومة ويتهمها بالتقصير والمماطلة، واستبدل جملة "الرد في الوقت والزمان المناسبين" بجملة أخرى هي: "الرد بغضب وتعقل".

قد يجد الموالي للحزب والمقاومة في خطابات الغضب الصادرة عن قادة إيران سعة وتأويلا مفاده أن التهديد من غير تعيين للوقت المناسب والمكان المناسب، سيجعل الإسرائيليين يعيشون في خوف طويل، وقد نزح بعضهم من الشمال إلى مناطق بعيدة، واكتظ مطار تل أبيب بالنازحين، لكن أمريكا التي زعمت أخبار منها أنَّ رئيسها عنّف نتنياهو ووبخه، وأمره بإنجاز الصفقة، حركت أساطيلها وحاملات طائراتها إلى البحر مرة ثانية، شدا لأزره ونصرة له

قد يجد الموالي للحزب والمقاومة في خطابات الغضب الصادرة عن قادة إيران سعة وتأويلا مفاده أن التهديد من غير تعيين للوقت المناسب والمكان المناسب، سيجعل الإسرائيليين يعيشون في خوف طويل، وقد نزح بعضهم من الشمال إلى مناطق بعيدة، واكتظ مطار تل أبيب بالنازحين، لكن أمريكا التي زعمت أخبار منها أنَّ رئيسها عنّف نتنياهو ووبخه، وأمره بإنجاز الصفقة، حركت أساطيلها وحاملات طائراتها إلى البحر مرة ثانية، شدا لأزره ونصرة له في مواجهة سبع جبهات، وارتفعت شعبية نتنياهو في إسرائيل بعد هبوط، فقد قتل قائدين؛ هما إسماعيل هنية وفؤاد شكر الذي تصفه إسرائيل برئيس أركان حزب الله، بعد أن عاد (نتنياهو) من أمريكا سكرانا بنشوة التصفيق و"وحدة الساحات الأمريكية الإسرائيلية"، ومساندة عواصم عربية كبيرة. لقد رجع مدعوما من الحزبين؛ حزب الحمار الديمقراطي، والفيل الجمهوري، ومن الرئيسين؛ البطة العرجاء والوقواق، فعمل في بيروت وطهران والحديدة قتلا وذبحا، استعادة لهيبة إسرائيل المسفوحة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

وكان حسن نصر الله قد ختم خطابه بذكر زينب المسبيّة من غير ضرورة، فذكرنا بخطبة ليزيد، وكان قد وُلي ربعا من أرباع الشام، فرقي المنبر، فتكلم فأرتج عليه، فاستأنف، فأرتج عليه، فقطع الخطبة، فقال: سيجعل الله بعد عسرٍ يسرا، وبعد عي بيانا، وأنتم إلى أميرٍ فعالٍ أحوج منكم إلى أميرٍ قوالٍ. ونتنياهو أميرٌ فعال، بل إنه بعد قتل القائدين هنية وشكر قتل قائدا ثالثا، وقتل صحافيا هو إسماعيل الغول، حتى اختلط على جمهور المقاومة الثاكل، على أيهم يبكي.

نتنياهو يعالج الكيّ نفسه بالكيّ، وهو خائف من السجن، وعلى مكانته في التاريخ، وقد أدرك خوف طهران على الإمام النووي "المنتظر"، ولا يزال وليدا، وهو يستعجل قتله في المهد. إن امتلكت ايران قنبلة نووية سيحاصَر العرب بين دولة المعصومة، ودولة الإمام المعصوم.

ربما تسعد إيران بالدعاية الكبيرة التي تقدمها إسرائيل بالتخويف منها، لكن قدراتها العسكرية دون ذلك، وإن كانت قدراتها الفدائية هائلة، وأنها تستطيع أن تدوّخ إسرائيل بإثارة مواليها وأتباعها ضد إسرائيل وأمريكا وبريطانيا

الظن أنَّ إيران ستتجنب الصراع الكبير وتكتفي بصواريخ استعراضية مثل المرة السابقة. ما يجعل هذا المقال يستبعد الحرب الكبرى أنه لم يقع قط في التاريخ أنّ الشيعة قادوا الصراع مع الفرنجة، وإن أعانوا عليهم في بعض المعارك.

نضيف خصلة إلى خصال نتنياهو "الحميدة" غير الفصاحة والبلاغة، وغير سكرة العودة الظافرة من أمريكا، أنه يحبُّ "صدقة السرِّ"، ولشدة تقواه إنه يقتل بالغريزة: يقتل حتى لا تعلم يمنيه ما تقتل شماله، وإنه لزهده في الشهرة لم يفاخر بقتل هنية، وأمر وزراءه بحذف تغريدات الفرح بقتله خوفا من الرياء، فالأجر لا يضيع عند الله!

ربما تسعد إيران بالدعاية الكبيرة التي تقدمها إسرائيل بالتخويف منها، لكن قدراتها العسكرية دون ذلك، وإن كانت قدراتها الفدائية هائلة، وأنها تستطيع أن تدوّخ إسرائيل بإثارة مواليها وأتباعها ضد إسرائيل وأمريكا وبريطانيا. يقال في المثل الشعبي: إن من يكبّر الحجر لا يضرب به، وقد ترددت تهديدات إيرانية عن ردِ قاس ومؤلم، وردّ رادع، لأن الجريمة جرت على أرض إيرانية، وانتهكت حرمة سيادتها وكرامتها. التهديدات كثيرة من بينها تصريحات تشتت الانتباه بالحيث عن نوع المقذوف الذي قُتل به إسماعيل هنية، والقبض على عملاء، الذين قد يتحولون إلى أكباش فداء.

x.com/OmarImaromar
التعليقات (0)