مقابلات

الشيخ رائد صلاح: الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي خرجتا إلى التقاعد

الشيخ رائد صلاح أكد أن القدس والمسجد الأقصى سيبقيان عصيين على التهويد- عربي21
الشيخ رائد صلاح أكد أن القدس والمسجد الأقصى سيبقيان عصيين على التهويد- عربي21
وصف رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، الشيخ رائد صلاح، الموقف العربي والإسلامي الرسمي من العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة بأنه "موقف صادم لكل عاقل، ولا عُذر له".

وقال، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "إذا كان هذا الموقف العربي والإسلامي الرسمي لا يملك أن يُقدّم أكثر مما قدّم، فهذا مؤسف للغاية، وإذا كانت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لا تملكان أن تُقدّما أكثر مما قدّمتا، فهذا يعني أنهما قد خرجتا إلى التقاعد".

في حين أشار الشيخ صلاح إلى أن "الموقف العربي والإسلامي الشعبي لا يزال مقموعا مخنوقا إلا من بعض النشاطات التي سمحت بها الأنظمة بقدر ما يتوافق مع مصلحة هذه الأنظمة"، مطالبا الأمة العربية والإسلامية بممارسة كل الضغوط الممكنة لوقف جرائم الاحتلال.

ورأى أن "كلمة (خذلان) هي أضعف وصف لهذه الحالة التي جعلت من الشعب الفلسطيني كأنه شعب آخر خارج الدائرة الإسلامية والعربية، وكأنه مُطالب أن يحمل أوجاعه وهمومه على ظهره وحده، وكأن القدس ليست هي القدس التي أطلق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم (بيت المقدس)، وكأن المسجد الأقصى ليس هو المسجد الأقصى الوارد ذكره في الآية الأولى من سورة الإسراء في القرآن الكريم".

ولفت إلى أن "أدوات تهويد القدس المُحتلة والمسجد الأقصى ازدادت منذ عام 1967م فصاعدا، وقد سعت إلى تغيير معالم القدس المُحتلة، وإلى فرض الطابع الإسرائيلي عليها، وإلى فرض مُسميات عبرية على شوارعها وحاراتها وأسوارها ومبانيها العامة، وإلى تفريغها من المؤسسات الفلسطينية السيادية، ومع ذلك أؤكد أن القدس المُحتلة والمسجد الأقصى المُحتل سيبقيان عصيين على التهويد".

وشدّد رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، على أن "القضية الفلسطينية لن تموت، ولن تختفي بسبب تقادم الزمان وتوالي العقود عليها، ومَن يظن غير ذلك فهو واهم، وما دامت القدس المُحتلة والمسجد الأقصى المُحتل هما روح هذه القضية فلن تموت".

وإلى نص الحوار الخاص مع "عربي21":

كيف تصف وضع القدس والمسجد الأقصى اليوم بعد دخول العدوان الإسرائيلي شهره العاشر على التوالي؟


سعى الاحتلال الإسرائيلي طوال السنوات الماضية إلى فرض قطيعة بين القدس المُحتلة والمسجد الأقصى المباركين من جهة وبين الأمة الإسلامية والعالم العربي وغزة والضفة الغربية من جهة أخرى؛ حتى تبقى القدس المُحتلة وحيدة، وحتى يبقى المسجد الأقصى وحيدا، مما يُهيئ الظروف -وفق حسابات الاحتلال الإسرائيلي- إلى تهويد القدس ودمجها كجزء من امتداد المدن الإسرائيلية، وإلى فرض السيادة الدينية التلمودية على المسجد الأقصى، ومحاولة الادعاء بأن للمجتمع الإسرائيلي الحق الدائم بالدخول إلى المسجد الأقصى بمُسمى (هار – هبايت) وليس مُسمى المسجد الأقصى، وأداء الصلوات التلمودية فيه، ومَن يقرأ سلوكيات الاحتلال الإسرائيلي يجد أنها تصب في هذا الاتجاه.

إلى أي مدى نجحت إسرائيل في تهويد القدس والمسجد الأقصى؟

المسجد الأقصى هو أي في كتاب الله، ولذلك سيبقى هو المسجد الأقصى، ولن يقوى الاحتلال الإسرائيلي على تهويده مهما بذل من وسائل، والقدس المباركة المُحتلة ستبقى هي الحاضنة المباركة الأبدية للمسجد الأقصى، وسيبقى دوام وجودها مربوطا بدوام وجود المسجد الأقصى ما دامت هذه الدنيا، ولذلك نجد أن مصطلح (بيت المقدس) في الأحاديث النبوية قد يعني المسجد الأقصى، وقد يعني القدس والمسجد الأقصى.

ولذلك، أنا ممَن يعتقد موقنا أن أدوات تهويد القدس المُحتلة والمسجد الأقصى قد ازدادت منذ عام 1967م فصاعدا، وقد سعت إلى تغيير معالم القدس المُحتلة، وإلى فرض الطابع الإسرائيلي عليها، وإلى فرض مُسميات عبرية على شوارعها وحاراتها وأسوارها ومبانيها العامة، وإلى تفكيك كل الحارات الفلسطينية فيها واختراقها بالجيوب الاستيطانية الإسرائيلية، وإلى تفريغها من المؤسسات الفلسطينية السيادية، وما كان أي عاقل يتوقع غير ذلك من الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك أؤكد أن القدس المُحتلة والمسجد الأقصى المُحتل سيبقيان عصيين على التهويد .

هناك محاولات إسرائيلية حثيثة للسيطرة على المسجد الأقصى، سواء فوق الأرض أو تحتها.. فأيهما أكثر خطورة: السياسات فوق الأرض أم الحفريات تحت الأقصى؟

لا يُمكن الفصل بين السياسات فوق الأرض والحفريات فكلها حزمة واحدة، وكلها تكمل بعضها في حسابات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى سبيل المثال فإن الحفريات لم تقم عبثا، بل قامت للقول بوجود بقايا معبد إسرائيلي تحت محيط المسجد الأقصى، وهدم حارة المغاربة لم يتم عبثا، بل كان هدمها بهدف إيجاد ساحة فارغة لصيقة بحائط البراق كي تُقام عليها الصلوات التلمودية اللصيقة بحائط البراق الذي تحوّل اسمه (كوتل -في حسابات الاحتلال الإسرائيلي-)، وهكذا الاقتحامات التي تقع اليوم على المسجد الأقصى؛ فهي تسعى إلى فرض سيادة دينية تلمودية على المسجد الأقصى ثم تهيئة الظروف تدريجيا لأداء الطقوس التلمودية في المسجد الأقصى .

ما الذي وصلت له حفريات المسجد الأقصى حتى اليوم؟ وهل هذه الحفريات أثبتت شيئا من مزاعم اليهود حول وجود الهيكل المزعوم؟

اجتهدت أن أواكب الحفريات بالقدر المستطاع في آخر التسعينات ومطلع عام 2000م، ثم مُنعت من الدخول إلى المسجد الأقصى، وفي بعض الأحيان مُنعت من الدخول إلى القدس والمسجد الأقصى، وقد توقف هذا المنع قبل عامين فقط، وما أستطيع أن أشير إليه أن بعض الإسرائيليين الذين شاركوا في الحفريات اعترفوا أنهم ما وجدوا ما يُثبت الادعاء بوجود بقايا هيكل تحت محيط المسجد الأقصى، وأنا شخصيا على قناعة تامة أنهم لو وجدوا أيّ قطعة أثرية تُثبت ادعاءهم لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، مع التأكيد الدائم على أنهم ما وجدوا ولن يجدوا مثل هذا الوهم، لأن المسجد الأقصى قائم على أركانه الأصلية التي لا مبنى آخر تحتها منذ نبي الله آدم عليه السلام.

هل إسرائيل تتدخل في خطب المسجد الأقصى؟

خطباء المسجد الأقصى هم أصحاب كلمة حرة، ولا يوجد مَن يتدخل في فحوى خطبهم، وقد تقع عليهم المتاعب بسبب خطبهم في بعض الأحيان، ويرفضون وجود أيّ رقابة إسرائيلية على خطبهم منذ أول خطبة جمعة ألقيت في المسجد الأقصى مع وجود الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن.

كانت هناك محاولات ومساع سابقة لتشكيل لجنة إسلامية يهودية لمناقشة وضع المسجد الأقصى.. لماذا رفضتم تشكيل هذه اللجنة؟ ألا يمكن أن تُمثل حلا لأزمة المسجد الأقصى؟

كانت هناك اقتراحات مكتوبة من قِبل جهات إسرائيلية مثل: (مخطط زاموش) لإقامة لجنة مشتركة للإشراف على المسجد الأقصى، وكنّا، ولا زلنا، نرفض ذلك؛ لأن المسجد الأقصى هو حق خالص لنا، والسيادة عليه هي حق خالص لنا، والواجب احترام ذلك والحفاظ عليه، بالضبط كما أن السيادة على المسجد الحرام والمسجد النبوي هي سيادة إسلامية خالصة كذلك يجب أن يكون الحال في المسجد الأقصى.

برأيكم، كيف يمكن إعمار وإحياء المسجد الأقصى وإنهاء الانتهاكات والممارسات الاحتلالية التي يتعرض لها؟

هناك حل واحد، وهو رفع الاحتلال الإسرائيلي عن المسجد الأقصى وعندها ستعود السيادة الكاملة إلى هيئة الأوقاف الإسلامية التي يقف على رأسها الشيخ عبد العظيم سلهب، وعندها ما أسهل أن تواصل إعمار وإحياء المسجد الأقصى.

وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى ضم الضفة الغربية ردا على اعتبار محكمة العدل الدولية المستوطنات الإسرائيلية بالضفة غير شرعية.. فكيف ترى الدعوات الإسرائيلية لضم الضفة؟

كل الأحزاب الإسرائيلية ما بين يمين ويسار تُجمع على ضرورة الإبقاء على السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وقد تختلف أساليب التعبير عن ذلك لدى هذه الأحزاب الإسرائيلية؛ فمنهم مَن يوافق على إبقاء السلطة الفلسطينية، ولكن سلطة منزوعة من أي سيادة خارجية، وهذا يعني أنها خاضعة للسيادة الإسرائيلية في نهاية الأمر، والذين يذهبون إلى ذلك هم اليسار الإسرائيلي، وهناك البعض من اليمين الإسرائيلي الذي بات يُطالب بزيادة التضييق على السلطة الفلسطينية وخنقها إلى جانب تكثيف حركة الاستيطان في سائر الضفة الغربية، مما يعني لدى اليسار الإسرائيلي واليمين الإسرائيلي إلغاء أي احتمال لقيام دولة فلسطينية ذات استقلال كامل داخليا وخارجيا، وهذا ما تجلى عندما وافقت كل الأحزاب الإسرائيلية المُمثلة في الكنيست قبل أيام على إقرار قرار في الكنيست يرفض إقامة دولة فلسطينية، وهكذا تم تشييع جنازة أوسلو وسقط القناع عن اتفاقية (أبراهام).

لكن هل هناك ما يطمئنك في ظل كل تلك الأوضاع "المؤسفة"؟

الذي يطمئنني أن القضية الفلسطينية ليست قضية الشعب الفلسطيني فقط بل هي قضية كل الشعوب المسلمة والعربية، وهذه الشعوب لا تموت، وضمائرها لا تموت، ولذلك لن تموت القضية الفلسطينية، ولن تختفي بسبب تقادم الزمان وتوالي العقود عليها، ومَن يظن غير ذلك فهو واهم، وما دامت القدس المُحتلة والمسجد الأقصى المُحتل هما روح هذه القضية فلن تموت.

أنت أحد أهم مؤسسي الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي.. كيف تنظر لواقع الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني في ظل الانقسامات التي تعرّضت لها سابقا؟

الحركة الإسلامية كما يعلم الجميع باتت محظورة إسرائيليا منذ أواخر عام 2015م، ولا يوجد شيء الآن أسمه الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح.

هل لا يزال هناك تحريض خارجي ضد الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني؟

لا يزال هناك تحريض على أشخاصنا رغم حظر الحركة الإسلامية إسرائيليا، لأننا نعتز بحمل الفكر الإسلامي والثوابت الإسلامية والعقيدة الإسلامية التي لا يمكن حظرها ما دامت الدنيا، ولا زلنا نُعاني من التحريض الإسرائيلي علينا الذي قد يكون رسميا وقد يكون شعبيا، وعلى سبيل المثال لأنني تعينت من قِبل لجنة المتابعة العليا الممثلة لكل الأحزاب والحركات السياسية في الداخل الفلسطيني كرئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني التي تسعى إلى مناهضة العنف والخاوة والسوق السوداء التي ضربت مجتمعنا في الداخل الفلسطيني؛ فقد ارتفعت أصوات إسرائيلية تُحرّض على لجان إفشاء السلام، لدرجة أن بعض هذه الأصوات الإسرائيلية باتت تُطالب بحظر لجان إفشاء السلام .

هل إسرائيل نجحت في اختراق "الحركة الإسلامية" بأي صورة من الصور؟

لو نجحت المؤسسة الإسرائيلية باختراق الحركة الإسلامية التي كنت رئيسا لها لما قامت بحظرها في أواخر عام 2015م.

هل نجح الاحتلال في الفصل بين فلسطيني الداخل وبين الفلسطينيين بالضفة وغزة؟

لا يُمكن لأيّة مُحاولة إسرائيلية أن تخصخص الشعب الفلسطيني، وأن تحيله إلى كتل متباينة لا تربطها المشاعر الواحدة، سيما وأن مُقومات التواصل الشعبي بين أفراد هذا الشعب لا يمكن شطبها؛ فهناك التاريخ الواحد والحضارة الواحدة واللغة الواحدة والثوابت الواحدة والقيم الواحدة والانتماء الواحد، وهناك الحاضنة الواحدة ألا وهي القدس المُحتلة والمسجد الأقصى المُحتل وسائر مقدسات القدس المُحتلة الإسلامية والمسيحية.

هل يمكن أن ينجح الاحتلال في إسكات الشيخ رائد صلاح في ظل الانتهاكات والتضييقات التي تتعرض لها بشكل متكرر؟

أنا لا أتعامل مع الكلمة كشهوة سياسية أو إعلامية أو خطابية، بل الكلمة أمانة، والجهر بها في الوقت المناسب واجب، وإلا فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس، والمطلوب أن نُسدد ونُقارب والحكمة ضالة المؤمن.

قبل أسابيع، مرت الذكرى الـ76 للنكبة الفلسطينية عام 1948، فهل ما تفعله إسرائيل اليوم أبشع مما ارتكبته في نكبة 48؟

نكبة فلسطين قامت على مقولة: (نُريد وطنا بلا شعب لشعب بلا وطن)، وقد نتج عن هذه المقولة تهجير أكثر من خمسمائة بلدة فلسطينية وتحويل أهلها إلى لاجئين في أرضنا المباركة أو في الشتات، ولا يزال هناك سعي متواصل من قِبل الحركة الصهيونية، للإبقاء على تفكك الشعب الفلسطيني ما بين فلسطيني الداخل، وغزة، والضفة الغربية، والقدس المُحتلة، والشتات الفلسطيني، وهذا يعني الإبقاء على إسقاطات نكبة فلسطين كأنها وقعت في عام 2024م، وليس في عام 1948م، والهدف من وراء ذلك عدم إعطاء الشعب الفلسطيني أي فرصة لالتقاط أنفاسه والتحرر من إسقاطات النكبة.

تقود منذ عام 2022 مشروعا ضخما يحمل اسم "إفشاء السلام".. ما الذي وصل إليه هذا المشروع؟

لقد قطعنا في هذا المشروع شوطا طويلا وواسعا، حيث أقمنا أكثر من ستين لجنة إفشاء سلام محلية للرجال، وأكثر من أربعين لجنة محلية للنساء، وأكثر من ثلاثين لجنة للشباب، إلى جانب ذلك أقمنا أكثر من ثلاثين لجنة صلح محلية، إلى جانب بناء هيئة صلح عامة، وها نحن نقوم بعشرات النشاطات أسبوعيا، ما بين نشاط وقائي وعلاجي، بمبادرة لجان الرجال أو النساء أو الشباب، إما على صعيد محلي أو عام، ويطول الحديث عن هذه التفصيلات، ونطمع من وراء ذلك إلى العودة بمجتمعنا إلى قيمنا التي تحث على بر الوالدين وحفظ الجار وكرامة المرأة وحسن المعاملة والسلم الأهلي وثقافة الصلح ونبذ العنف والحصانة المجتمعية من الخاوة والسوق السوداء والجريمة المنظمة وتعاطي الممنوعات.

هل المقاومة الفلسطينية تُمثل عقبة أمام السلام كما يزعم البعض؟

كان ولا يزال شعبنا الفلسطيني داعيا للسلام الحق والعادل الذي يحصل بواسطته على كامل حقوقه كأي شعب في الأرض، وكأي صاحب قضية في الأرض، ولن يكون ذلك إلا بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس المباركة، وإلى جانب ذلك فإن شعبنا الفلسطيني كان ولا يزال يحمل الحب لكل الشعوب وحب الخير والازدهار لها، وحب الأمن والأمان لها، وما كان شعبنا الفلسطيني من دُعاة الحروب في يوم من الأيام، بل لا يزال يدعو إلى التعارف بين الشعوب وحفظ الاحترام المتبادل بينها، وما كان شعبنا الفلسطيني يرفض الشعب اليهودي لأنه شعب يهودي، بل يرفض الحركة الصهيونية وما أوقعت من تشريد وظلم على امتداد المسيرة الفلسطينية منذ نكبة فلسطين حتى الآن.

كيف تُفسّر الصمت العربي والإسلامي تجاه مجازر غزة؟

الموقف العربي والإسلامي الرسمي موقف صادم لكل عاقل ولا عُذر له، وإذا كان هذا الموقف الرسمي لا يملك أن يُقدّم أكثر مما قدّم فهذا مؤسف للغاية، وإذا كانت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لا تملكان أن تُقدّما أكثر مما قدّمتا فهذا يعني أنهما قد خرجتا إلى التقاعد، وأما الموقف العربي والإسلامي الشعبي فهو لا يزال مقموعا مخنوقا إلا من بعض النشاطات التي سمحت بها الأنظمة بقدر ما يتوافق مع مصلحة هذه الأنظمة.

البعض شعر بحالة من حالات الخذلان من المواقف العربية والإسلامية، خاصة بعدما شهدنا حراكا شعبيا كبيرا في الكثير من الدول الغربية تضامنا مع غزة، في حين لم يكن هذا الحراك موجودا بنفس الزخم في بعض الدول العربية.. فهل شعرت بهذا الخذلان أم لا؟

كلمة (خذلان) هي أضعف وصف لهذه الحالة التي جعلت من الشعب الفلسطيني كأنه شعب آخر خارج الدائرة الإسلامية والعربية، وكأنه مُطالب أن يحمل أوجاعه وهمومه على ظهره لوحده، وكأن القدس ليست هي القدس التي أطلق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم: (بيت المقدس)، وكأن المسجد الأقصى ليس هو المسجد الأقصى الوارد ذكره في الآية الأولى من سورة الإسراء في القرآن الكريم، ولكن عزائي في ذلك أن هذا الخذلان هو خذلان رسمي وليس خذلان شعوب، وستبقى الشعوب العربية والمسلمة شعوبا حيّة تحفظ العهد للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية ولقضية القدس والمسجد الأقصى المحتلين.

أخيرا.. إلى أين تتجه الأوضاع في فلسطين مستقبلا؟

الكارثة الإنسانية في غزة هي التي أيقظت فطرة شعوب الأرض ،وأحيت فيها ضمائرها من جديد؛ فقامت هذه الشعوب ولم تقعد، وها هي تجوب شوارع عواصم الدنيا تُردد: أوقفوا الحرب على غزة، والكارثة الإنسانية بغزة هي التي انتقلت بالقضية الفلسطينية من حاضنة محلية منسية إلى حاضنة عالمية عابرة للقارات، وهي الكارثة الإنسانية التي أسقطت القناع عن الحركة الصهيونية، وأماطت اللثام عن حقيقة شعاراتها، وإذا بها كما قال المثل: تدفن السلام وتبكي عليه، وهي الكارثة الإنسانية التي أسقطت آخر عذر قد يُبرر وجود هيئة الأمم المتحدة المتحجرة وسائر ما تفرع عنها، وهي الكارثة الإنسانية التي أعادت ولو نسبيا نبض الحياة للشعوب المسلمة والعربية، وهذا يعني أن البشرية الآن تُعاني من فراغ قيادي لن يملأه إلا ميلاد قيادة إنسانية راشدة.
التعليقات (0)