سياسة دولية

انزلاق كارثي للتربة في إثيوبيا ومخاوف مرعبة بشأن سد النهضة.. ما حقيقتها؟

تواصل إثيوبيا تعتها باتخاذ قرارات ملئ حوض سد النهضة دون اتفاق مع مصر والسودان- جيتي
تواصل إثيوبيا تعتها باتخاذ قرارات ملئ حوض سد النهضة دون اتفاق مع مصر والسودان- جيتي
أثار مقتل 229 إثيوبيا جراء انزلاق كارثي في التربة عقب هطول الأمطار الغزيرة الاثنين الماضي، في جنوب غرب البلاد الذي يقع أغلبه فوق هضبة مرتفعة في القرن الأفريقي، المخاوف من أن يكون ذلك الانزلاق مؤشرا على احتمال أن يتسبب حجز 74 مليار متر مكعب من المياه خلف سد النهضة الإثيوبي في كوارث مماثلة تؤثر على مستقبل السد، وبالتالي على حياة شعبي دولتي مصب نهر النيل.

وعلى الفور أثار الخبر كثيرا من الجدل، وحذّر خبراء من ذلك الاحتمال، واحتمالات أخرى أشد خطورة على شرق قارة أفريقيا، فيما أكد آخرون أن سد النهضة بعيد تماما عن تلك الانزلاقات.

ومن الفريق الأول؛ قالت خبيرة الجيولوجيا المصرية، هايدي فاروق، إن "الكارثة الإثيوبية المتمثلة في الانهيارات الأرضية الناتجة عن سد النهضة الذي تلاعب بجيولوجيا المنطقة بأسرها وأحيا الغول المدمر القديم المعروف بـ"الريفت فالي"، ستكون لها تداعياتها وصولا إلى كمبالا "عاصمة أوغندا".

الباحثة المصرية المهتمة بالخرائط والتُراث الجغرافي، وملف سد النهضة، أضافت عبر تدوينة لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "تيقنت من بداية المأساة حينما اقترب الخطر من سقف أفريقيا المعروف بـ"رأس داشين"، وهي بداية الكوارث لبعض دول حوض البحر الأحمر  والقارة الأفريقية التي حتما ستفقد أجزاء منها في أقصى جنوبها الشرقي، وبداية لـ"حركات تكتونية" هائلة في البحر المتوسط".

وختمت بالقول: "بالنسبة لمصر، ونهر النيل، تابعوني في البوستات القادمة، واسمعوا صوتي الذي بُح منذ سنوات".



لكن أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية، عباس شراقي، نفى قبوله تلك الرؤية، مؤكدا في حديثه لـ"عربي21"، أن "فاروق ليست متخصصة في هذا الشأن"، مشيرا إلى ما كتبه عبر صفحته على "فيسبوك"، من أن "لطبيعة هذه المنطقة جيولوجيا تختلف عن منطقة سد النهضة التي تفتقد الطبقات الرسوبية، ولكن فيها صخور نارية ومتحولة عالية التحلل والتشققات وتكثر فيها الفيضانات وانجراف التربة والانهيارات الصخرية من تساقط الصخور، وتحتل إثيوبيا المرتبة الأولى عالميا في انجراف التربة".

وأشار شراقي، إلى أن هذا الانهيار يأتي في ظل معدل أمطار أعلى من المتوسط في إثيوبيا والسودان، ملمّحا إلى أن الانهيارات الأرضية التي وقعت في منطقة "غوفا" جنوب غرب إثيوبيا هي منطقة الأخدود الإثيوبي الجبلية والمكونة من عدة طبقات أرضية مائلة بسبب النشاط الزلزالي ما يجعلها تشرب كميات كبيرة من مياه الأمطار وبالتالي يزداد وزنها ثم تنزلق مع الانحدار.



أيضا، رفض خبير المياه والسدود الدولي، محمد حافظ، الربط بين انزلاق التربة في إثيوبيا وبين سد النهضة، وكتب عبر "فيسبوك": "في ماليزيا كل أسبوع لدينا إنزلاق أرضي وليس لدينا سد نهضة"، مؤكدا أن "الانزلاقات الأرضية تحدث كل عام في إثيوبيا مع بداية موسم الأمطار، قبل سد النهضة بـ 1000 عام وبعد سد النهضة بـ 1000 عام".



كذلك، قال الباحث المصري المتخصص في الشأن الأفريقي، هاني إبراهيم: "جميع الانهيارات تقع شمال شرق وشرق وجنوب إثيوبيا، وقلما تجد انهيارا أرضيا بالقرب من موقع السد".

وأشار إلى أن حدوث انهيارات أرضية "احتمال منخفض قرب الحدود السودانية وقطاعات في موقع بحيرة السد الإثيوبي"، ملمحا إلى أن احتمالات الانهيارات المرتفعة "منتشرة بالقرب من بحيرة تانا، وقطاعات متفرقة في حوض النيل الأزرق وأقرب نطاق للسد يبعد 70 كم عن البحيرة و120 كم عن موقع السد".


وتساءل الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، خيري عمر: "هل للانهيارات المحدودة حاليا علاقة لمشاريع السدود على كل الأنهار؟".


وفي أيار/ مايو الماضي، بدا مستشار وزير المياه والطاقة الإثيوبي، محمد العروسي: مستفزا حيث أعلن عن تحد إثيوبي كبير ومتواصل مع دولتي مصب نهر النيل مصر والسودان، مؤكدا أن بلاده ستقوم ببناء سدود جديدة على جميع روافد نهر النيل في إثيوبيا.

العروسي، قال متحديا المصريين بشكل خاص: "بناء السدود دليل الصمود"، مضيفا: "سنبني سدا تلو السد على النهر تلو النهر"، ومؤكدا أنه "لن توقفنا أي قوة على وجه المعمورة".

ويشير مراقبون بينهم الباحث المصري، هاني إبراهيم، في تصريحات صحفية، إلا أن أديس أبابا تنوي إنشاء 3 سدود جديدة تحت أسماء "كاردوبي" و"مندايا"، و"بيكوابو"، موضحا أن "ملء تلك السدود يحتاج إلى 80 مليار متر مكعب، وهي النسبة التي تفوق تخزين سد النهضة".

"مخطط معاداة مصر"
وفي رؤيته للموقف، قال وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر الدين علام: "رغم أنني لست خبيرا جيولوجيا للتعليق على ذلك، إلا أن بعض ما يقال حول الأمر يندرج تحت وصف الفتاوى، التي يجب ألا ننتبه لها".

اظهار أخبار متعلقة


ولفت علام، في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "المخطط الإثيوبي (الغربي) مخطط دولي، وإثيوبيا أداة تنفيذية فقط، وثمن الطاعة هي المعونات والسلاح وأحيانا جائزة نوبل"، في إشارة إلى حصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام عام 2019.

ومضى يقول: "من الواضح أن مخطط معاداة مصر يتسع؛ ولا أعرف السبب عن يقين، لأننا ننفذ طلبات الغرب بدرجة كبيرة، لكن ما خفي كان أعظم".

"كل الاحتمالات واردة"
وفي إجابته على سؤال "عربي21"، حول احتمال انتقال تلك الانهيارات إلى منطقة سد النهضة مع اكتمال ملء حوض السد وتعاظم نسب المياه، ومدى معقولية حديث هايدي فاروق، قال خبير الموارد المائية والمستشار السابق لوزير الري، ضياء الدين القوصي: "في إثيوبيا كل الاحتمالات واردة".

وأوضح أن رؤيته قائمة على أن "إقامة سد النهضة جاءت على تربة من السهل انجرافها، وعلى أرض فيها تصدعات".

ولفت إلى أن "خبراء ميكانيكا التربة والأساسات من المصريين والألمان وآخرون قد حذروا مرارا وتكرارا من عدم كفاية الاختبارات، والدراسات الأرضية التي يلزم عملها".

وفي رؤيته الفنية لاحتمال أن تكون تلك الانهيارات سببا في صرف إثيوبيا النظر عن مشروعاتها المتتالية بإقامة السدود على كل الأنهار لديها، قال القوصي: "مع الأسف الشديد فإن صاحب القرار في إثيوبيا أرعن ولا يعرف مصلحة بلاده ويسير خلف من يقدم له الأجر العاجل".

وأضاف: "وهو يظن أنه يستطيع أن يضع المصريين أمام مقصلة الأمر الواقع؛ وأظن أنه في ذلك واهم، لسبب بسيط هو أن الأمر بالنسبة لمصر مسألة وجود وحياة ومصير، لا تملك إلا أن تدافع عنه بكل ما تملك".

وختم متوقعا أن "يأتي المستقبل بما لا يتصوره صانعو ومتخذو القرار في إثيوبيا".

"تغول الخطاب السياسي على البحث العلمي"
وفي قراءته، وتعليقه قال الكاتب الصحفي والإعلامي السوداني، عبد المطلب مكي، لـ"عربي21": "أُجريت العديد من الدراسات حول سد النهضة، لكن الخطاب السياسي كان دوما يغطي على نتائج البحوث العلمية الرصينة".

الأكاديمي السوداني، أضاف: "بداهة من المعروف وفقا للعديد من الدراسات والشواهد الطبيعية أن إقامة السدود والجسور والتدخل على مسارات المياه الطبيعية يؤدي إلى تغيرات جغرافية كبيرة ومؤثرة على السكان، قد تمتد أحيانا إلى التأثير حتى على المناخ".

وتابع: "يلاحظ أن دافع إثيوبيا لبناء السد كان مصالحها الاقتصادية فقط؛ دون الالتفات إلى الجوانب السياسية والبيئية والديموغرافية وعلاقاتها بدول الجوار".

ودلّل على ذلك بأن "نهر زمبيزي، مثلا، وعلى الرغم من أنه يغطي أكثر من نصف مساحة حوض النيل ويمر بدول زامبيا وأنجولا وزيمبابوي وموزمبيق إلى أن يصب في المحيط الهادي، إلا أنه لم يؤد إلى خلافات بين هذه الدول، وتضارب في وجهات النظر كما حدث في سد النهضة".

مكي، يرى أنه "بالنظر إلى تربة أعالي الهضبة الإثيوبية نلاحظ أنها تُمثل تراكمات لحمم بركانية قديمة؛ وبالتالي فهي غير مأمونة الجانب ما لم تدل على ذلك دراسات علمية رصينة وحقيقية ومبرأة من الميول السياسية".

"متطلبات الطبيعة لا متطلبات السياسة"
وأكد أن "إثيوبيا مطالبة بالنظر إلى طموحاتها في سد النهضة ومستقبلها الزراعي إلى تغليب متطلبات الطبيعة لا متطلبات السياسة، وإلاّ ستقع كارثة بيئية لن تسلم منها إثيوبيا، وقد تؤدي إلى نتائج كارثية في السودان، وبدرجة أقل مصر، حيث تشكل السدود في السودان والسد العالي في مصر حائط صد أولي قد يقلل من المخاطر".

وفي تصوره خلص الأكاديمي السوداني للقول إن "العلاقات بين دول حول النيل بحاجة إلى تشريع دولي يحمي من صراعات السياسة لأن الخاسر الأكبر من هذه المشروعات الضخمة هي الشعوب".

"حلم إثيوبي يقابله عطش وخراب مصر والسودان"
وتبني أديس أبابا سدا على حوض النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا فوق الهضبة الحبشية، ويمد نهر النيل بما بين 80 إلى 85 بالمئة من المياه المغذية لنهر النيل، ما يهدد حصتي دولتي المصب مصر والسودان التاريخية من مياه النيل، والبالغتان 55.5 و18.5 مليار متر مكعب مياه سنويا، للأولى والثانية، وهما الحصتان المقدرتان بنحو 5 بالمئة فقط من مياه نهر النيل مجتمعة.  

وتواصل إثيوبيا تعنتها باتخاذ قرارات ملء حوض سد النهضة دون اتفاق مع مصر والسودان، حيث تقوم هذا الصيف بحجز المياه للعام الخامس، فيما احتفلت في نيسان/ أبريل الماضي، باستكمال بناء 95 بالمئة من السد النهضة بعد 13 عاما من الشروع ببنائه في 2 نيسان/ أبريل 2011.

ومصر تعتمد على مورد مائي واحد هو نهر النيل بنسبة 98 في المئة من مواردها المائية، فيما يذهب أكثر من 75 بالمئة منها لتوفير الأمن الغذائي عبر الزراعة، التي تشكل مصدر الرزق لأكثر من 50 بالمئة من المصريين، وفق أرقام رسمية.

وعلى مدار سنوات حكم رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، (2014- 2030)، لم تنجح المفاوضات التي جرت برعاية دولية من الأمم المتحدة وأمريكا والاتحاد الإفريقي وبعض الأطراف العربية في حل الخلاف القائم بين أديس أبابا من جانب والقاهرة والخرطوم من جانب آخر، وسط تعنت إثيوبي ورفض لعقد اتفاق ملزم حول قضايا ملء خزان السد وتشغيله وحصص دولتي المصب وغيرها من القضايا.

اظهار أخبار متعلقة


ويُحمَّل مراقبون نظام السيسي، المسؤولية عن تأزم هذا الملف الاستراتيجي وإهماله وعدم منحه الأولوية الكافية على خطورته وتعلقه بالأمن القومي المصري وبحياة أكثر من 150 مليون مصري وسوداني، بل يذهب البعض للقول إنه من منح إثيوبيا الشرعية لبناء السد والتمويل الدولي -نحو 4 مليارات دولار- بعد عقد اتفاقية مبادئ دول حوض النيل التي وقعها في السودان في آذار/ مارس 2015. 

بل إن التحركات الصادمة للمصريين والسودانيين من قبل دول منابع حوض النيل، والمتعلقة بملف المياه، تتوالى واحدة تلو الأخرى، وسط صمت تام من النظامين المصري والسوداني، ما يهدد حياة أكثر من 150 مليون نسمة في دولتي مصب نهر النيل.

التحرك الأحدث والصادم بشدة، هو توقيع دولة جنوب السودان الشهر الجاري، على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل المعروفة باسم اتفاقية "عنتيبي"، لتنضم إلى إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي، ليكتمل النصاب القانوني للاتفاقية التي ترفض مصر والسودان وجنوب السودان التوقيع عليها منذ 14 عاما.
التعليقات (0)

خبر عاجل