قضايا وآراء

هل سينتج عن حرب غزة نظام إقليمي جديد؟

غازي دحمان
"حرب غزة، ورغم هول ما خلفته من دمار وأضرار على الفلسطينيين، لن تصل نتائجها إلى حد الانقلاب على الوضع الإقليمي السائد"- إكس
"حرب غزة، ورغم هول ما خلفته من دمار وأضرار على الفلسطينيين، لن تصل نتائجها إلى حد الانقلاب على الوضع الإقليمي السائد"- إكس
رجحت الكثير من الكتابات المتابعة والمهتمة بالتطورات الراهنة، والتي تشكل حرب غزة محورها الأساسي، ولادة نظام إقليمي جديد، تحتمه ضرورات مرحلة ما بعد الحرب، وخاصة ضرورة السيطرة على التداعيات المحتملة عبر آليات فاعلة ومتفق عليها بين الفواعل الإقليمية والدولية، على اعتبار أن حرب غزة كانت من أكثر الحروب استقطابا على المستويين الإقليمي والدولي.

حتى اللحظة، لا توجد أي مؤشرات عن إمكانية حصول تغيير على المستوى الإقليمي، لا على مستوى العلاقات والتفاعلات ولا على مستوى الأدوار والوظائف، كما لا يوجد بالأصل مطالبات بوجود نظام إقليمي جديد من قبل الفاعلين الإقليميين والدوليين، والأهم من ذلك انعدام أي رؤى وأفكار وفلسفة حول ذلك، وهي التي تشكل البنية التحتية للنظام الإقليمي قبل صناعة الهياكل والاتفاق على الآليات.

تفيد التجربة التاريخية في المنطقة، أن الأحداث وحدها، ومهما كانت نتائجها، لا تؤثر بأنماط التفاعلات الجارية، وهي بالأصل تفاعلات ضعيفة نظرا للارتباط التبعي للمنطقة بالخارج الدولي، الذي يملك القرار على المستوى الاستراتيجي، ويترك للفاعلين الإقليميين التصرف بمسائل تفصيلية ذات أثر محدود في البيئة الإقليمية. وذلك يتفق أصلا مع مطلب مزمن للنخب الحاكمة في المنطقة؛
لا توجد أي مؤشرات عن إمكانية حصول تغيير على المستوى الإقليمي، لا على مستوى العلاقات والتفاعلات ولا على مستوى الأدوار والوظائف، كما لا يوجد بالأصل مطالبات بوجود نظام إقليمي جديد من قبل الفاعلين الإقليميين والدوليين، والأهم من ذلك انعدام أي رؤى وأفكار وفلسفة حول ذلك
يدعو إلى ترك كل طرف يتصرف بشؤونه الداخلية دون أي ملاحظة أو انتقاد أو توجيه، أما الشؤون التي لها تأثيرات خارجية فالأمر فيها يعود لتقديرات لاعب خارجي؛ في الغالب من أولئك الذين تظلل استراتيجياتهم مساحة واسعة من خريطة العالم.

وبالفعل، مرّت على المنطقة أحداث جسام كان كل حدث منها كافيا لصناعة واقع إقليمي جديد على وقعه وتبعا لنتائجه، لكن الثبات كان السمة المميزة للوضع الإقليمي، وبدءا من الانتفاضة الفلسطينية إلى حرب الكويت واتفاقيات أوسلو واحتلال العراق، ثم ثورات الربيع العربي، وقبلها معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والاجتياح الإسرائيلي للبنان.. لم تولّد هذه الأحداث ديناميكيات كافية لواقع إقليمي جديد، من النمط الذي يتم تصوره عن نظام إقليمي يغير الواقع في المنطقة بشكل أفضل عبر التنمية والاستقرار والسلام الداخلي لدوله ومجتمعاته، مثلما فعلت أنظمة إقليمية جديدة في أوروبا وآسيا.

ولكن لماذا يتشكّل نظام إقليمي جديد؟ وهل انتهت مبررات وجود النظام القديم وتغيرت الوظائف المناطة به؟ تثبت التفاعلات الحاصلة في المنطقة في العقد الأخير، أن النخب الحاكمة في المنطقة مرتاحة للوضع الحالي، وتعرف كيف تتعامل مع هذه الأوضاع وتصرّف شؤونها وتتخلص من المخاطر، بل وتحوّلها إلى فرص، عبر تجريف المعارضات وحتى المجتمعات التي تطل برأسها بين عقد وآخر، وتضمن استمراريتها عبر الزمان وتحكمها في هندسة المجتمعات المحكومة عبر تصعيد وتخفيض بعض شرائحها، ومن ثم تصدير كل ذلك على أنه نوع من الحيوية والانفتاح السياسي والتغيير المطلوب.

المقاومة التي تبديها النخب الحاكمة في المنطقة، سواء في الدول العربية أو دول الجوار، لأي تغيير، وتتقاطع مع مصالح فاعلين دوليين، تشكل فعلا طاردا لأي تغيير على المستوى الفوق وطني ومعوقا أمام صناعة تشكّل إقليمي جديد.. لماذا؟ لأن أي ترتيب جديد سيستدعي وجود طرق وسلوكيات وآليات جديدة تختلف عما جرى التعاطي معه في النمط القديم، وقد يكون أول الاستحقاقات ضمن هذا السياق حل الأزمات المزمنة مثل القضية الفلسطينية

على ذلك، فإن المقاومة التي تبديها النخب الحاكمة في المنطقة، سواء في الدول العربية أو دول الجوار، لأي تغيير، وتتقاطع مع مصالح فاعلين دوليين، تشكل فعلا طاردا لأي تغيير على المستوى الفوق وطني ومعوقا أمام صناعة تشكّل إقليمي جديد.. لماذا؟ لأن أي ترتيب جديد سيستدعي وجود طرق وسلوكيات وآليات جديدة تختلف عما جرى التعاطي معه في النمط القديم، وقد يكون أول الاستحقاقات ضمن هذا السياق حل الأزمات المزمنة مثل القضية الفلسطينية والمشكلة الكردية. كما أن آليات صنع القرار ستتخذ نمطا مختلفا عبر توسيع دوائر المشاركة في السياسة في إطار البلدان المنضوية في النظام الإقليمي الجديد، وتصبح سياسات كل نظام حاكم تحت المجهر، وتصبح التدخلية مسألة حتمية، وليس تدخلا خارجيا، نظرا للترابط والتشابك في مصالح أطراف النظام وانعكاس المخاطر على الشبكة الإقليمية برمتها.

المؤكد أن حرب غزة، ورغم هول ما خلفته من دمار وأضرار على الفلسطينيين، لن تصل نتائجها إلى حد الانقلاب على الوضع الإقليمي السائد، والفلسطينيون ومن خلال خبرتهم التاريخية المريرة خير من يعرف هذه الحقيقة، فالنظام الإقليمي الذي أنتج، أو على الأقل كان شاهدا على مأساتهم، رغم هشاشته وعطالته ولا فعاليته، محروس من قبل فاعلين إقليميين ودوليين يرتبطون عضويا ببقائه واستمراره.

x.com/ghazidahman1
التعليقات (0)