مع استمرار التورط الإسرائيلي في مستنقع
غزة، تزداد القناعات السائدة لدى
الاحتلال بأن ورقة المختطفين لم تعد ورقة
حماس الرابحة الوحيدة أمامه، بل إن استمرار القتال قد يكون الورقة الأهم بما يكفي لموافقة الاحتلال على صفقة تتضمن إنهاء الحرب، لأن استنزاف الاحتلال في هذه الحرب تشكل عليه تهديدا أكثر من احتفاظ الحركة بالمختطفين لديها.
ميرون رابوبورت، الكاتب في موقع
محادثة محلية، ذكر أنه "منذ اللحظة التي انهار فيها اتفاق إطلاق سراح المختطفين مقابل إطلاق سراح الأسرى
الفلسطينيين ووقف إطلاق النار نهاية نوفمبر 2023، جعلت حماس وقف الحرب، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع شرطا لا لبس فيه لإطلاق سراح المزيد من المختطفين، ويعتبر هذا الشرط الصارم بمثابة اعتراف بأن المختطفين لم يعودوا ورقة حاسمة على طريق تحقيق هذا الهدف، لأن حياتهم ليست مهمة بما يكفي بالنسبة للاحتلال للموافقة على صفقة تتضمن إنهاء الحرب".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21"، أن "هذا الشرط الذي تضعه حماس يعني أن حكومة الاحتلال ستتفكك، ولذلك فإن عبارة "وقف الحرب" أو حتى "وقف العمليات العسكرية والأعمال العدائية" لم تخرج قط من فم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، زاعما أنه غير مستعد لإنهاء الحرب دون تحقيق أهدافها وهي القضاء على حماس، وبما أنه يعرف أن حماس لن توافق على تصفية نفسها، فهذا يعني رفضه للصفقة، رغم أن المطالبة الصارمة لعائلات المختطفين بـإنجاز الصفقة الآن ساعدت في إضفاء الشرعية على الدعوات لإنهاء الحرب".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن "هذه المطالبات تجاوزت الدائرة الضيقة من اليسار الراديكالي والجمهور العربي لتصل إلى التيار الرئيسي المركزي في الدولة، ورغم ذلك فإنهم لم يقنعوا نتنياهو بوجوب إبرام الصفقة، لأنه يعتقد أن تحقيق "النصر المطلق" أهم عنده من حياة المختطفين، بل إن شركاءه أمثال بن غفير وسموتريتش يزعمون أن مجرد المطالبة بالتوصل لصفقة مع حماس مقابل إطلاق سراح المختطفين تعرّض الأمن القومي للخطر، وهكذا فإنه مع مرور الوقت باتت ورقة المختطفين تفقد قوتها، لأن عدد الأحياء منهم يتناقص تدريجياً".
وأكد أن "حماس تعتقد اليوم أن ورقتها القوية لتحقيق هدفها بوقف الحرب والانسحاب من غزة لم تعد المختطفين، بل استمرار القتال الذي يهدد الاحتلال أكثر منها، لاسيما وأن الحديث يدور عن منظمة فدائية تزداد تطورا يوما بعد يوم، رغم مزاعم الجيش في الأيام الأخيرة، ومحاولته التسويق للجمهور، للمرة الألف منذ بدء الغزو البري، أنه تم القضاء على حماس، مع أن الحركة لا تزال تعمل كقوة عسكرية في القطاع، خاصة في رفح، مما يؤكد أن المنظمة ليست في حالة انهيار، واستمرار الحرب سيؤدي لجعلها أكثر كمالاً، كما حدث لحزب الله ضد جيش الاحتلال في لبنان".
وأشار إلى أنه "من الصعب عدم الربط بين فشل الجيش في القضاء على القدرة العسكرية لحماس، وبين اتساع الفجوة بينه وبين الحكومة، وبينما يتحدث الجيش عن انتهاء العملية في رفح في الأسابيع المقبلة، والعودة إلى نموذج الغارات في قطاع غزة، مثلما حدث قبل شهر في جباليا أو الزيتون، يؤكد نتنياهو أنه يريد حربا مستمرة، مُعلنا أن "إسرائيل دولة لديها جيش، وليس جيش له دولة"، في رده على مطالب الجيش بترك حماس في غزة، مما يجعل حماس تعتقد أن هذا التصدع نتيجة عملياتها العسكرية المستمرة ضد الجيش في غزة، وسيكون من دواعي سرورها تعميقه".
وأضاف أن "متحدثي حماس يكررون مراراً عبارة التفكك داخل المجتمع الإسرائيلي باعتباره أحد نجاحاتها العظيمة لهجوم أكتوبر، ويمكن اعتبار هذا التمزق مظهراً واضحاً لهذا التفكك رغم القوة الهائلة والعشوائية التي يمتلكها الاحتلال، ويبدو أن استخدامها في غزة أفقدها قدرة الردع ضد حماس، رغم تنفيذها لجرائم القتل الجماعي بما زاد على الـ 40 ألف فلسطيني، ولا يمكنها التهديد بتدمير البنية التحتية، لأن معظم القطاع مدمّر بالفعل، وتم تهجير أكثر من مليون فلسطيني من منازلهم؛ ولم يعد بإمكانها التهديد بانهيار المؤسسات الحاكمة في غزة، لأنها لم تعد تؤدي وظيفتها؛ ولم يعد بوسعها أن تهدد باحتلال رفح، لأنها احتلت بالفعل أغلبها".
اظهار أخبار متعلقة
وختم بالقول: "إننا نواصل السير ورؤوسنا إلى الحائط، لأنه إذا تذكرنا أن حماس في 6 أكتوبر كانت منظمة عسكرية صغيرة، محاصرة في شريط من الأرض تسيطر عليه دولة الاحتلال من كل الاتجاهات، وعالم عربي يتصالح تدريجيا معها رغم استمرار الاحتلال، فإن احتمال نشوب حرب إقليمية من أجل القضية الفلسطينية يشكل قفزة هائلة إلى الأمام، من وجهة نظر حماس، وباتت هذه القفزة أكثر واقعية في الأسابيع الأخيرة، في ضوء الأضرار التي تمكن حزب الله من إلحاقها خلال الأشهر الثمانية الماضية، ما يجعل النتائج التي قد تترتب على حرب واسعة النطاق في لبنان، مدمرة بالنسبة لإسرائيل".
تؤكد هذه القراءة أن دولة الاحتلال التي تتورط أكثر فأكثر في الوحل الغزاوي تعيش في دوامة داخلية لا يمكن السيطرة عليها، وائتلافها الحاكم يتعثر، بالتزامن مع تكثيف المظاهرات، وقمع الشرطة المتزايد، كلها علامات على عدم الاستقرار، مما يعني نجاح حماس وحزب الله في إنهاكها في بناها التحتية مثل محطات توليد الكهرباء، وتحلية المياه، والدمار الشامل؛ وانهيار الاقتصاد، ورويدا رويدا يكتشف الاسرائيليون أن الردع المزعوم لا يتحقق باستخدام القوة، ولا بمزيد منها.