بعد الضربة التي وجهتها إسرائيل إلى مدينة أصفهان
الإيرانية يوم الجمعة 19 نيسان/أبريل الجاري، بدا أن التوتر بين طرفي النزاع يسير باتجاه تهدئة محسوبة، وكما يعلم المراقب للصراع في منطقة الشرق الأوسط، أن التصعيد الأخير ابتدأ بقصف إسرائيلي لمجمع السفارة الإيرانية في دمشق، في عملية عسكرية أدت إلى مقتل مجموعة من الخبراء العسكريين الإيرانيين، بينهم واحد من أبرز جنرلات فيلق القدس الإيراني، هو الجنرال محمد رضا زاهدي مع ستة ضباط آخرين، الأمر الذي دفع طهران للتخطيط للرد من أراضيها، وتوجيه ضربة لإسرائيل تعادل بتأثيرها وصداها اغتيال قيادات عسكرية إيرانية بارزة.
اللافت في الأزمة الأخيرة، تضارب الأخبار في تغطية الأحداث بشكل غير مسبوق مع غياب الطرف المحايد، الذي يمكن أن ينقل صورة أقرب لحقيقة الحدث. فكل طرف من طرفي الصراع أخذ يصرح بأن صواريخه أصابت أهدافها وأوقعت خسائر كبيرة في العدو، وينفي وقوع أي خسائر تسببت بها صواريخ العدو، الأمر الذي دفع المراقبين لتوصيف الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل بأنها كانت عبارة عن ضربات «للحفاظ على ماء الوجه».
التصعيد الإعلامي بين الطرفين كان ذا سقف عال، والتهديدات التي تسربت للإعلام كانت مرعبة بالنسبة لدول الشرق الأوسط، لكن يبدو أن هنالك تعاملا دوليا سعى للتهدئة، وعمل على صفقات تم تمريرها من تحت الطاولة بين طرفي النزاع، حتى وصلنا إلى النتائج التي تلت الضربة الإسرائيلية الأخيرة، والهدوء الذي ساد الموقف بعدها. بعد الضربة المدوية لمجمع السفارة الإيرانية في دمشق، كان الشارع في طهران، والأنصار في مدن الحلفاء في بغداد ودمشق وبيروت وغزة وصنعاء، متلهفين لرد إيراني يوازي الحدث، ويرد الاعتبار لإيران وحلفائها في«محور المقاومة»، لكن تسريبات الوكالات ذهبت باتجاه آخر، وتحدثت عن زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى سلطنة عمان، حاملا رسائل تطمين لواشنطن، إذ نقلت وكالة رويترز عن مصادر إيرانية القول؛ إن «وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، نقل رسالة إيران إلى واشنطن في أثناء زيارته لسلطنة عمان، التي كثيرا ما توسطت بين طهران وواشنطن». وأضافت رويترز «أن عبد اللهيان أشار خلال اجتماعاته في عمان إلى استعداد طهران لتقليص التصعيد، بشرط تلبية مطالب تتضمن وقفا دائما لإطلاق النار في غزة، كذلك إحياء محادثات برنامجها النووي المثير للجدل». وأحجم متحدث باسم البيت الأبيض عن التعليق على أي رسائل من إيران، لكنه قال؛ إن الولايات المتحدة، نقلت لإيران أنها لم تشارك في الهجوم على السفارة.
وصلت ضربات «حفظ ماء الوجه» إلى نقطة يمكن أن يتوقف التصعيد الحالي بها، وقد أكدت ذلك عدة أطراف وسيطة.
تلقت إسرائيل الضربة الإيرانية، لنشهد طوفانا من الأخبار المتضاربة حول الحدث، فمندوب إيران في الأمم المتحدة أمير سعيد إرافاني، صرح في مؤتمر صحفي عقب الضربة، بأن «رد بلاده كان ضروريا ودقيقا، ونفذناه بعناية لتقليل احتمال التصعيد ومنع أذى المدنيين»، واتهم إسرائيل بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة باعتدائها على القنصلية الإيرانية في دمشق. وأضاف إرفاني أن «أولوية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، دعم إسرائيل بغض النظر عن العواقب». بينما صرحت القنوات الإعلامية الموالية والمقربة لطهران، بأن مئات المسيرات والصواريخ أصابت أهدافها في إسرائيل وكبدت العدو خسائر مادية كبيرة. بينما كانت الجهات الإسرائيلية الرسمية والقنوات الإعلامية المقربة منها، تشير إلى تكاثف جهود إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا والأردن في إسقاط 99% من المقذوفات الإيرانية، وتمت الإشارة إلى أن إيران أطلقت 320 طائرة مسيرة وصاروخا باليستيا وكروز، إلا أن 7 صواريخ باليستية فقط تمكنت من الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية، مسببة خسائر محدودة، حسبما أعلن جيش
الاحتلال الإسرائيلي، الذي شكر عدة دول على مساعدته في احتواء الضربة الإيرانية.
أما الخبراء العسكريون، فقد قرؤوا الضربة الإيرانية بشكل مختلف، إذ كتب العقيد ظافر مراد واصفا الهجوم الإيراني بالقول: «قامت إيران بالرد بهجوم كثيف وغير مسبوق بالمسيرات والصواريخ، وهذا الهجوم، وإن لم يتسبب بخسائر فعلية، إلا أنه وجَّه رسالة مفادها، أن عشرات أضعاف هذا النموذج من الهجمات، كان ممكنا أن يتم، وليس فقط من الأراضي الإيرانية، بل من محيط إسرائيل القريب في لبنان وسوريا، حيث يمكن إغراق الأراضي الإسرائيلية بمئات المقذوفات والصواريخ والطائرات الانتحارية، ويصبح عندها من المستحيل خلال الوقت القصير والكثافة الهائلة أن ينجح الدفاع الجوي في صد هذه الهجمات».
إظهار أخبار متعلقة
تصاعدت الأزمة، وتحدث مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي عن الرد الإسرائيلي الذي سيكون عنيفا بما يكفي لردع إيران التي تجرأت للمرة الأولى على ضرب الداخل الإسرائيلي، ومع التدخلات الدولية لم يعرف أحد نوايا حكومة نتنياهو وحدود «حفظ ماء الوجه» عندها. وجاء الرد الإسرائيلي بعد أيام من الضربة الإيرانية (فجر الجمعة 19 نيسان/ أبريل الجاري)، وتم اختيار مدينة أصفهان الإيرانية التي تضم منشآت نووية مهمة، لكن الآراء تضاربت حول طبيعة الهجوم الإسرائيلي الأخير، ولم تعلن جهة إسرائيلية رسمية وسيلة الضربة الإسرائيلية، هل كانت بمسيرات أم بصواريخ، أم تم الاعتماد على عناصر داخل إيران لتنفيذ تفجيرات أصفهان؟ ليبقى اللافت في الأمر، أن الهجوم الإسرائيلي هذه المرة لم يوقع خسائر بشرية، وكذلك الخسائر المادية كانت طفيفة.
دخل المراقبون في دوامة تصريحات إعلامية، وتصريحات مضادة لها مرة أخرى، إذ جاءت التصريحات الإيرانية مخففة من تأثير الحدث، فقد نقلت وكالة أنباء «تسنيم» الإيرانية عن مصادر وصفتها بأنها مطلعة: «لا تقارير عن هجوم من الخارج وقع في إيران». وذكرت وكالة «فارس» الرسمية أن المسؤولين الإيرانيين أكدوا وقوع ثلاثة انفجارات قرب قاعدة عسكرية في قهجاورستان، الواقعة بين أصفهان ومطارها في وسط البلاد. لكن مصادر إيرانية رسمية صرحت بإسقاط ثلاث مُسيّرات وأنه «ليس هناك هجوم صاروخي في الوقت الحالي» على البلاد. من جانبها، التزمت إسرائيل الصمت بعد وقوع الهجوم على أصفهان، ورفض جيش الاحتلال التعليق على الأمر، كما طلبت الخارجية الإسرائيلية من سفاراتها في دول العالم الامتناع عن التعليق على الهجوم. بيد أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قالت؛ إن تقديرات الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تشير إلى أن «الهجوم على إيران» انتهى، لكن إسرائيل ستبقى في حالة تأهب عال. وعند هذه النقطة، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تعليقها على الضربة الإسرائيلية، تطمينات بخصوص عدم وقوع ضرر بالمواقع النووية الإيرانية في أصفهان. كذلك أكدت إيران فور وقوع الهجوم أنه لم يتم استهداف منشآتها النووية، لكن محللين عسكريين قرؤوا الضربة الإسرائيلية بأنها رسالة إسرائيلية إلى الجانب الإيراني، مفادها أن منشآتكم النووية في مرمى ضرباتنا، وبإمكاننا تدميرها في الوقت الذي نحدده.
إظهار أخبار متعلقة
هنا وصلت ضربات «حفظ ماء الوجه» إلى نقطة يمكن أن يتوقف التصعيد الحالي بها، وقد أكدت ذلك عدة اطراف وسيطة، إذ نفت إيران رسميا تعرضها لهجوم جوي مباشر، وأنها لا تسعى للرد على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان، وقد أبلغت روسيا إسرائيل بفحوى هذه الرسالة، فيما تحرك العديد من الدول لحث طهران على الاكتفاء بهذه الجولة. ونقلت وكالة فرانس برس عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله؛ إن «روسيا أبلغت إسرائيل أن إيران لا تريد تصعيدا»، وقال لافروف في تصريحات لوسائل إعلام روسية؛ إنه خلال الاتصالات الأخيرة مع الممثلين الإسرائيليين نقلت روسيا إليهم موقف إيران ومفاده، أن طهران لا تريد مزيدا من التصعيد. كما قال: «لقد تم التأكيد بشكل واضح للغاية خلال هذه المباحثات أن إيران لا تريد التصعيد، وأبلغنا الإسرائيليين بذلك».
في قراءة الوضع بعد الضربات المتبادلة، علقت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية بالقول؛ إن «التعليق المحدود لإيران على الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف مدينة أصفهان، يشير إلى أن طهران لا تخطط للانتقام، وهو رد بدا أنه يهدف إلى تجنب حرب على مستوى المنطقة»، وأضافت الصحيفة أن «التفاعل الإيراني مع الضربة الإسرائيلية، يدل على نجاح المساعي الدبلوماسية الدولية التي دعت إلى تجنب حرب شاملة في المنطقة منذ الهجوم الإيراني على إسرائيل». ليتبقى من كل التصعيد الذي شهدته المنطقة الأسابيع الماضية، كمّ كبير من الإشارات ورسائل القوة، التي تم تبادلها بين طرفي الصراع، والتي يمكن أن ترسم حدود خرائط جديدة، وقواعد اشتباك مختلفة للصراع المقبل.
المصدر:
القدس العربي