قضايا وآراء

ماذا بعد 10 سنوات على رابعة؟ مراجعة لا رجوع

قطب العربي
مصر بحاجة لعقد اجتماعي جديد يطوي صفحة العشرية السوداء- جيتي
مصر بحاجة لعقد اجتماعي جديد يطوي صفحة العشرية السوداء- جيتي
مرت عشر سنوات على مذبحة رابعة وشقيقتها النهضة (14 آب/ أغسطس 2013)، ولأنها واحدة من أكبر المذابح البشرية عبر التاريخ الإنساني، ولأنها لا تقل بشاعة عن مذابح الميدان السماوي في الصين عام 1989، أو مذبحة سربرنتسا في البوسنة عام 1994، أو مذبحة أنديجان في أوزبكستان في العام 2005، فإنها (أي مذبحة رابعة) ستظل محفورة في الذاكرة الإنسانية عموما وليس فقط لمن حضروها أو شاهدوها عبر البث الفضائي الحي.

استخدمت السلطات كل إمكانياتها للتعتيم على الاعتصام في البداية، فمنعت وسائل الإعلام المصرية من الوصول إليه، أو نقل أخباره إلا بما يشوهه أمام الرأي العام، لكن المعتصمين استطاعوا فك الحصار الإعلامي عن أنفسهم عبر احتجازهم لسيارة البث التابعة للتلفزيون المصري الرسمي، وتمكنهم من فك شفراتها وتشغيلها لتقوم بتوفير البث الحي لعشرات القنوات غير المصرية.

وحاولت السلطات التعتيم على عملية الفض، وتقديم روايتها الوحيدة والزعم أن الفض يتم بطريقة مهنية، إلا أن البث المباشر للمذبحة البشعة فضح تلك الرواية، وأظهر وحشية غير مسبوقة لا تزال محفورة في ذاكرة كل من شاهدها. وقد حاولت السلطات تقديم رواية مشوهة وتسويقها عن الاعتصام وخطورته على الأمن العام، لكن إعلام رابعة استطاع نسف هذه الرواية، أو على الأقل تقديم رواية موازية أكثر صدقية ظلت تقارع الرواية الرسمية حتى اليوم، وهو ما دفع السلطات لإعادة ترويج روايتها مجددا عبر أذرعها الإعلامية، في محاولة لمنع انتشار الرواية الصحيحة بصورة أكبر.

أكذوبة التسليح
مصر بحاجة إلى عقد وطني جديد يطوي صفحة هذه العشرية السوداء، ويتضمن عدالة انتقالية تعطي كل ذي حق حقه، وتفتح الباب لمصالحة اجتماعية ووطنية شاملة تتسع لجميع أبناء الوطن دون إقصاء، كما تسهم في خروج الوطن من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية، بل تفتح الباب أمام الوطن لاسترداد عافيته، وتحقيق معدلات تنمية جيدة تنعكس أثارها على الشعب كله

وحتى الفِرية الكبرى التي بنت عليها السلطة دعايتها وروايتها وهي الزعم بتسلح الاعتصام بالأسلحة الثقيلة، لم تستطع السلطة نفسها رغم كل إمكانياتها أثناء عملية الفض ضبط كميات أسلحة توثق روايتها، فقد أعلن وزير الداخلية محمد إبراهيم في مؤتمر صحفي عقب الفض أن قواته ضبطت 15 قطعة سلاح فقط بينها 6 فرد خرطوش، وهو عدد -على فرض صحته- لا يرقى أبدا لاتهام الاعتصام بالتسلح.

حددت منظمة هيومن رايتس ووتش المسئولين الرئيسيين عن المذبحة، ومن حق أسر الضحايا والمنظمات الحقوقية التحرك قضائيا محليا أو دوليا لمحاكمتهم (مع مساعدتها وتوفير الدعم لها)، وفي الوقت نفسه من واجب القوى السياسية التي قادت أو شاركت في الاعتصام أن تتحرك خطوة أو خطوات إلى الأمام، وأن لا تظل أسيرة تلك المأساة المفجعة (مع عدم نسيانها)، فالحكمة تقتضي بعد عشر سنوات التحرك لإحداث انفراجة في المشهد السياسي، الذي نجح النظام في إغلاقه خلال السنوات الماضية شاهرا شماعة مواجهة الإرهاب في وجه كل دعاة التغيير السلمي، ومقسما الشعب المصري إلى شعبين ليقتات على هذه التفرقة.

نحو عقد وطني جديد

إن مصر بحاجة إلى عقد وطني جديد يطوي صفحة هذه العشرية السوداء، ويتضمن عدالة انتقالية تعطي كل ذي حق حقه، وتفتح الباب لمصالحة اجتماعية ووطنية شاملة تتسع لجميع أبناء الوطن دون إقصاء، كما تسهم في خروج الوطن من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية، بل تفتح الباب أمام الوطن لاسترداد عافيته، وتحقيق معدلات تنمية جيدة تنعكس أثارها على الشعب كله.

العدالة الانتقالية كانت هي الطريق لتحقيق الاستقرار في العديد من الدول التي شهدت صراعات سياسية داخلية، وفي مصر هي التزام دستوري بنص المادة 241 التي ألزمت مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ الدستور بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة، والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقا للمعايير الدولية، ورغم مرور 9 سنوات على ذلك النص إلا أنه ظل مجمدا مثل الكثير من نصوص الدستور.

وقفة للمراجعات

إن ذكرى مرور عشر سنوات على تلك المذبحة لهي فرصة للجميع لوقفة مراجعة لتقييم خطواتهم، ومراجعة حساباتهم، يستوي في ذلك الإخوان المسلمون أو اليساريون أو الليبراليون، أو شباب الثورة، أو حتى أنصار النظام، ليقف كل طرف على أخطائه، ويسعى إلى تصويبها، وهي فرصة أن يلتقي الفرقاء السياسيين على طاولة واحدة لوضع خارطة طريق لإنقاذ الوطن، يلتزم بها الجميع. ويمكن لمشيخة الأزهر وهي محل ثقة غالبية المصريين أن تستضيف هكذا لقاءات، لتنتج منها وثيقة وطنية للإنقاذ على غرار الوثائق التي أصدرها الأزهر عقب ثورة يناير، والتي كانت نتيجة حوارات ولقاءات نخب وطنية متنوعة.

المراجعة هي لسياسات وممارسات وقرارات ومسارات أخذت فرصتها في الاختبار على مدى عشر سنوات، وثبت عدم نجاعتها، أو ظهر من التطورات والتوازنات ما يحول دون نجاحها، ووجب بالتالي البحث عن مسارات جديدة للإنقاذ دون تنازل عن الثوابت
المراجعة والتقويم لا تعني تراجعا عن المبادئ والثوابت، ولا ندما على ما فات، والذي كان بطبيعته اجتهادا ينال صاحبه أجران إن أصاب، وأجر إن أخطأ، وقد أقسم الله في قرآنه بالنفس اللوامة، كما عاتب المسلمين بعد هزيمتهم في أحد حين تساءلوا في استنكار عن سبب الهزيمة، فكان الرد "قل هو من عند أنفسكم".

المراجعة هي لسياسات وممارسات وقرارات ومسارات أخذت فرصتها في الاختبار على مدى عشر سنوات، وثبت عدم نجاعتها، أو ظهر من التطورات والتوازنات ما يحول دون نجاحها، ووجب بالتالي البحث عن مسارات جديدة للإنقاذ دون تنازل عن الثوابت.

يبقى أخيرا ما يمكن تسميته "رهاب المراجعات"، وهو الذي يمنع البعض من الإقدام على الخطوة ليس رفضا لها، وإنما تجنبا للانتقادات الجارحة من الأصدقاء قبل الخصوم، لكن توفر الإرادة الحقيقية للمراجعات والنقد الذاتي سيمنح صاحبه القوة الكافية لمواجهة تلك التداعيات.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)