أثار تعيين الوزيرة
المصرية في حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، رانيا المشاط بمجلس إدارة مصرف إماراتي، تساؤلات حول قانونية الإجراء الذي يعني الجمع بين عمل حكومي ووظيفة خاصة بدولة أخرى.
وقال مصرف أبوظبي الإسلامي الثلاثاء الماضي؛ إن رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، أصدر ترخيصا لوزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، (48 عاما) بالجمع بين منصبها الذي تولته في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وعضوية مجلس إدارة المصرف الذي تأسس عام 1997.
وبحسب موقع المصرف على الإنترنت، فقد نجح في تحقيق أهدافه الاستراتيجية لعام 2025، مدفوعا بموارد جديدة للنمو، بما في ذلك زيادة نسبة ملكيته في مصرف أبوظبي الإسلامي- مصر.
ويمتلك مصرف أبوظبي الإسلامي– مصر، 70 فرعا بالسوق المصرية، فيما أنشأ البنك الذراع المصرفية
الاستثمارية لشركة "أبوظبي كابيتال مصر"، وشركة "أديليس للتأجير التمويلي"، وذراع إدارة الأصول شركة مصرف أبوظبي للاستثمار (ADIB).
إظهار أخبار متعلقة
مخاوف مصرية
واستغرب مراقبون وسياسيون مصريون موافقة مدبولي على القرار ورأوا فيه تضاربا بين عمل الوزيرة وعضويتها في المصرف ونيلها راتبا وأرباحا منه، خاصة أن
الإمارات وشركاتها الحكومية والخاصة وصناديقها السيادية من أهم المستثمرين في مصر.
ويتخوف المراقبون من بيع ما لدى أي مسؤول حكومي من خبرات ومعلومات وأسرار عن خطط الدولة، وتوجهاتها وقراراتها المستقبلية للشركات والبنوك والمؤسسات التي يصبحون أعضاء بمجالس إداراتها، خصوصا أن هناك صراعا كبيرا بين الشركات والدول للحصول على قاعدة بيانات المستهلكين، والاستفادة منها في أعمالها.
والأربعاء، أعلنت "قناة العربية"، أن "قراصنة يعرضون بيانات 2 مليون مريض مصري للبيع عبر الإنترنت بعد تسريبها من قاعدة بيانات قوائم الانتظار"، ما يكشف أهمية البيانات الحكومية لأية جهة خاصة مع تشابك مصالحها في السوق المصرية.
لكن المثير هنا في قرار وجود رانيا المشاط ببنك أبوظبي، هو أنها مازالت في منصبها المهم، الذي يخولها في الاطلاع والمشاركة بجميع صفقات الاستحواذ الخارجي على الأصول العامة المصرية، التي كانت آخر طروحاتها أمام المستثمرين، 32 شركة عامة، ما يشكك في دور الوزيرة بتلك الصفقات، بحسب مراقبين.
مناف للشفافية
وحول الموضوع، قال المحامي والسياسي المصري عاطف عواد؛ إن "الأصل العام أنه لا يجوز الجمع بين أي منصب حكومي وعضوية مجلس إدارة إحدى شركات المساهمة".
وأضاف البرلماني السابق، في حديثه لـ"عربي21"، أن "ذلك يأتي وفق حكم المادة (177) من قانون الشركات والبنوك"، موضحا أنها "شركة مساهمة والأصل العام ألا يجوز منح عضوية للوزيرة بمجلس إدارة البنك".
واستدرك: "ولكن القانون المصري استثنى من ذلك حالة الحصول على إذن من قبل رئاسة مجلس الوزراء"، مبينا أنه "في جميع الأحوال، لا يصدر الإذن إلا بعد البحث في عدم وجود ارتباط بين وظيفة المسؤول وعضويته بمجلس الإدارة".
وأكد أن ذلك يأتي "بشرط ألا يتعارض ذلك مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها، وهو الأمر الذي يجعل من قبول الوزيرة لهذا المنصب مناقضا للشفافية المطلوبة وحسن أدائها لعملها، ووجود تضارب مصالح؛ كون البنك تابع لدولة لها الصدارة بين المستثمرين في مصر".
وخلص عواد، للقول: "كان من الأولى ألا يصدر هذا الترخيص للوزيرة"، مشددا على أنه "برغم أن القرار ليس مخالفا للقانون، ولكنه مناف للشفافية لوجود تضارب مصالح".
وتضع العديد من التقارير الدولية القاهرة في موقع متأخر من الشفافية، نظرا إلى حجم الفساد الإداري والحكومي المتفشي، حيث سجلت البلاد بمؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2022، المرتبة 130 من بين 180 دولة.
وذلك بجانب التقارير الصحفية، التي ترصد تربح كبار المسؤولين من مناصبهم، وتدشينهم شركات تقدم خدماتها لرجل الأعمال والمستثمرين، بما لديهم من معلومات وعلاقات، وإطلاعهم على خطط واستراتيجيات الدولة المستقبلية.
إظهار أخبار متعلقة
غير مقبول إداريا
وحول الزاوية القانونية، قال السياسي والمحامي المصري مجدي حمدان موسى، لـ"عربي21"؛ إن "قانون الخدمة المدنية رقم (81 لسنة 2016)، نظم إجراءات وضوابط وشروط نقل وندب الموظفين والعاملين بالجهاز الإداري للدولة، الخاضعين لأحكام هذا القانون".
وذكر أن قانون الخدمة المدنية نص على أنه "يجوز بقرار من السلطة المختصة، ندب الموظف للقيام مؤقتا بعمل وظيفة أخرى من ذات المستوى الوظيفي لوظيفته، أو من المستوى الذي يعلوه مباشرة في ذات الوحدة التي يعمل بها أو في وحدة أخرى، إذا كانت حاجة العمل في الوظيفة الأصلية تسمح بذلك".
وأشار إلى أن "المادة الأولى من القانون تقول: (إذا كانت حاجة العمل في الوظيفة الأصلية تسمح بذلك"، مستنكرا أن يكون لدى أي وزير "وقت يمكنه إدارة عمله الحكومي وإدارة أي عمل آخر خاص"، وتساءل: "ما حاجة العمل التي تسمح بذلك؟ وهل لدى الوزيرة وقت كاف؟" مؤكدا أن "هذا أمر غير مقبول إداريا".
ومن الناحية السياسية، قال موسى: "من المعتاد جدا أنه بعد خروج وزير من الوزارة، يجري تعيينه بعضوية مجلس إدارة بنك أو شركة، بل ويقال؛ إن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي نفسه، عضو بمجلس إدارة المصرف العربي الدولي، ومقره وسط القاهرة".
وعدّ السياسي المصري، إسناد عضوية مجلس إدارة بنك للوزيرة المشاط، بأنه "مؤشر على أن هذه الوزارة أوشكت صلاحيتها على الانتهاء، ويجري قفز أعضائها من المركب، والبحث عن عمل يؤمن الباقي من عمرهم العملي أو الوظيفي".
ولفت إلى أن القفز المحتمل من المركب يأتي مع "أزمات اقتصادية طاحنة"، متوقعا أن "تشهد البلاد في أيلول/ سبتمبر المقبل، أحداثا لم نرها من قبل، خاصة بعد نقص العملة الأجنبية التي فقدت بشهر واحد 2.5 مليار دولار، بينما طالب البنك الدولي القاهرة بألا يتعدى النقص 3 مليارات دولار خلال 3 شهور".
ولفت موسى إلى جانب آخر، قائلا: "ربما يكون وجود المشاط ببنك أبوظبي جزءا من المشهد الحالي"، مستشهدا بسماح القاهرة للمصريين المقيمين بالخارج من سن 19 وحتى 30 تسوية موقفهم التجنيدي، مقابل دفع 5 آلاف دولار ببنك مصر فرع أبوظبي".
وأشار إلى احتمال أن "يكون قرار تعيين المشاط بالبنك الإماراتي مكافأة من أبوظبي على خطوة الدفع، مقابل شهادة الجيش بفرع بنك في العاصمة الإماراتية، حيث يمكن الربط بين الموقفين".
وقال؛ إن "هذا من الأمور المثيرة للتساؤلات"، مضيفا: "أين الجهات الرقابية في الدولة التي ستحاسب على هذا الأمر أو التي لم تنظر إليه مليا؟"، مطالبا بـ"تحويل كل القائمين على تخصيص بنك واحد لتحويل أموال راغبي غلق ملفهم التجنيدي عليه، بما فيهم رئيس الوزراء".
وفي 30 تموز/ يوليو الماضي، أعلنت الحكومة المصرية منح المصريين بالخارج فرصة تسوية موقف التجنيد مقابل تحويل مبلغ 5 آلاف دولار، على أن يسدد المبلغ في حساب بنك مصر (فرع أبو ظبي) في شارع خليفة بالعاصمة الإماراتية.
وفي السنوات الأخيرة، تداولت أنباء عن أدوار وزيرات مصريات سابقات بشركات خاصة مصرية وعربية، بينها وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، ووزيرة الصحة السابقة هالة زايد، وسط مخاوف من استغلال ما لديهم من علاقات برجال الدولة وقاعدة معلومات حكومية.
"داليا خورشيد وشميرا"
في آب/ أغسطس 2022، قررت شركة "شيميرا" الإماراتية ذات الاستثمارات الكبيرة في مصر، تولي وزيرة الاستثمار المصرية السابقة داليا خورشيد التي أقيلت في شباط/ فبراير 2017، وزوجة محافظ البنك المركزي حينها طارق عامر الذي ترك منصبه في آب/ أغسطس الماضي، منصب العضو المنتدب التنفيذي لشركة مصرية استحوذت الشركة الإماراتية على حصة حاكمة منها.
واستحوذت شركة شيميرا للاستثمار في أبوظبي المملوكة للشيخ طحنون بن زايد آل نهيان شقيق رئيس الإمارات، على حصة مسيطرة بشركة بلتون المالية القابضة المصرية تبلغ 55.9 بالمئة، كما أعلنت بلتون، أن داليا خورشيد، ستتولى منصب الرئيس التنفيذي الجديد للشركة.
وأثار القرار حينها مخاوف من دور مريب للوزيرة السابقة زوجة محافظ البنك المركزي وقتها، والرئيس السابق لشركة إيجل كابيتال للاستثمارات المالية التابعة للمخابرات المصرية، ورئيسة مجلس إدارة شركة مسار للاستشارات المالية، لاسيما أن خورشد طرح اسمها قبل سنوات في عمليات سمسرة وتربح مالي ووساطة لشركات بمقابل مالي.
وتقدم النائبان بالبرلمان محمد فؤاد وطلعت خليل الذين في أيار/ مايو 2019 بطلب إحاطة، حول شبهة تورط داليا خورشيد، وطارق عامر، بصفقة تسوية مديونيات مستحقة للبنوك المصرية بقيمة 450 مليون دولار على الشركة المصرية للهيدروكربون"، "EHC ".
وبدلا من التحقيق في تلك الاتهامات، قامت السلطات المصرية بمصادرة جريدة "الأهالي"، بعد نشرها خبرا عن طلب الإحاطة واستغلال داليا خورشيد، منصب زوجها للتربح بممارسة شركتها ضغوطا على البنوك.
هالة زايد وأصيل
وفي أيار/ مايو الماضي، ظهر إعلان عبر الإنترنت لشركة متخصصة في تنمية وإدارة المشاريع الطبية في مصر، يترأس مجلس إدارتها وزيرة الصحة المصرية السابقة الدكتورة هالة زايد (56 عاما)، التي طالت أسرتها قبل 20 شهرا اتهامات بالفساد والتربح، في قضية جرى التكتم على تفاصيلها، وفق مراقبين.
وشارك المتحدث السابق باسم وزارة الصحة في عهد هالة زايد، الدكتور خالد مجاهد، في عضوية مجلس إدارة الشركة التي تحمل اسم "أصيل".
وبقيت هالة زايد، التي ظلت إحدى أكثر المقربين من السيسي، منذ تعيينه لها بمنصب وزيرة الصحة في حزيران/يونيو 2018، بقيت بعيدا عن الأضواء لتظهر بعد خسارة منصبها رسميا بنحو 9 أشهر بمنصب رئيس شركة لإدارة المشروعات الطبية والتراخيص، مهمتها تسهيل الحصول على تراخيص المنشآت الطبية، ما دفع البعض للتكهن حول استفادتها من منصبها السابق في هذا العمل.
إظهار أخبار متعلقة
مصالح الدولة الخليجية
وتتزايد مخاوف المصريين من إسناد منصب كبير في أحد بنوك الإمارات الكبرى لوزيرة مصرية حالية، خصوصا أن مصالح الدولة الخليجية تتوسع في السوق المصري؛ حيث أصبحت تسيطر فيه على قطاعات كبيرة، واستحوذت على الكثير من الشركات العامة والأصول الحكومية.
وخلال السنوات العشر الماضية، تواصل الاستحواذ الإماراتي على
الاقتصاد المصري، حتى صنعت شركات وصناديق أبوظبي ودبي إمبراطورية تغلغلت بقطاعات الصحة المصرية والتعليم والتجارة والمصارف، وغيرها.
وتعمل 5 بنوك إماراتية في مصر، هي "أبوظبي الأول"، و"أبوظبي التجاري"، و"الإمارات دبي الوطني"، و"أبوظبي الإسلامي"، و"بنك المشرق"، لتصبح الجنسية الإماراتية صاحبة العدد الأكبر للبنوك الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري.
وفي 20 كانون الثاني/ يناير 2021، استحوذ بنك "أبوظبي الأول" على كامل حصة بنك "عودة" في مصر، ما جعل البنك الإماراتي أحد أكبر البنوك الأجنبيّة العاملة بمصر من حيث الأصول، بنحو 120 مليار جنيه مصري (8.1 مليار دولار).
وقدم بنك "أبوظبي الأول" 9 شباط/ فبراير 2022، بعرض للاستحواذ على حصة حاكمة بالمجموعة المالية "هيرميس" القابضة، أحد أكبر بنوك الاستثمار الرائدة بالعالم العربي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومنذ تشرين الأول/ نوفمبر 2019، دشنت مصر والإمارات منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار بمجموعة من القطاعات والأصول، يديرها صندوق الثروة السيادي المصري وصندوق أبوظبي السيادي.
وتواصل "موانئ دبي العالمية" استحواذها على مشاريع مهمة بمحور قناة السويس، حيث حصلت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، على أرض بالمنطقة الصناعية بمساحة 35 كيلومترا.
واشترت "القابضة (ADQ)، حصة مجموعة "اللولو العالمية"، لتستحوذ بذلك على سلاسل "الهايبر ماركت"، و"السوبر ماركت" في مصر منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2020.
واشترت الشركة الحكومية الإماراتية (تأسست عام 2018)، كامل حصة شركة "بوش هيلث" في شركة آمون للأدوية المصرية عام 2021.
وفي 14 آذار/ مارس 2021، تقدمت شركة "الدار العقارية" الإماراتية، بعرض استحواذ على حصة أغلبية (51 بالمئة) بشركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار "سوديك"، إحدى كبريات شركات العقارات المصرية.
وفي 7 نيسان/ أبريل 2021، جرى الإعلان عن استحواذ كبرى شركات إنتاج الأغذية والمشروبات بالإمارات "أغذية"، على حصة الأغلبية في شركة الإسماعيلية للاستثمار الزراعي "أطياب" المصرية.
وفي قطاع الصحة، تمتلك الشركات الإماراتية 15 مستشفى، ونحو 100 معمل تحاليل ومركز أشعة، فيما تتحكم في إنتاج الأدوية في سوق تقدر قيمتها بحوالي 45 مليار دولار.
وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، استحوذت مجموعة مستشفيات "كليوباترا" المملوكة لشركة أبراج كابيتال الإماراتية، على مجموعة "ألاميدا " للرعاية الصحية.
وتساهم الشركات الإماراتية في قطاع إنتاج الأدوية المصرية بقدر متزايد باستحواذات على أكبر شركات الأدوية في السوق الكبير، الذي يخدم أكثر من 100 مليون نسمة، وتقدر قيمة الاستثمارات فيه بحوالي 45 مليار دولار.
وفي هذا الإطار، وفي 31 آذار/ مارس 2021، قررت "أبوظبي القابضة" (A D Q) شراء الحصة الكاملة لشركة "بوش هيلث" الكندية، في شركة "آمون للأدوية" إحدى أكبر الشركات المصرية في صناعة وتسويق وتوزيع الأدوية البشرية والبيطرية، بمقابل 740 مليون دولار.
وفي مجال التعليم، شاركت شركة جيمس للتعليم الإماراتية في تأسيس صندوق التعليم المصري عام 2018، مع المجموعة المالية هيرميس بضخ نحو 300 مليون دولار في قطاع التعليم بمصر خلال 5 سنوات.