قضايا وآراء

كيف واءمت تركيا بين علمانية الدولة وتاريخها الإسلامي؟

بحري العرفاوي
تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا تحتاج دراسة علمية متجردة من عاطفة المحبة أو الكراهية ومتحررة من الخلفية الدينية أو اللائكية.. (الأناضول)
تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا تحتاج دراسة علمية متجردة من عاطفة المحبة أو الكراهية ومتحررة من الخلفية الدينية أو اللائكية.. (الأناضول)
زرت إسطنبول في مناسبات علمية وثقافية أكثر من مرة، وفي زيارتي الأخيرة كانت رغبتي كبيرة في الذهاب إلى مسجد آيا صوفيا، فقد سمعت عنه أول مرة حين تم تحويله في يوليو 2020 من متحف إلى مسجد حين وقّع الرئيس التركي رجب أردوغان على قرار المحكمة الإدارية العليا بإعادة آية صوفيا إلى مسجد.

نقرأ في صفحة أحبار تركيا اليوم هذه المعلومات: "تم تشييد هذا الصرح المعماري المهيب في عام 537، في عهد الدولة البيزنطية، وتم بناؤه بتصميم مذهل ليصبح كنيسة أرثوذوكسية فريدة، ثم تحول آيا صوفيا اسطنبول إلى مسجد عند فتح القسطنطينية في عام 1453 على يد السلطان العثماني محمد الفاتح... كانت بمثابة كنيسة للمسيحيين لمدة 1000 عام و500 عام كمسجد للمسلمين وهذا يعني أن آيا صوفيا في إسطنبول كانت دار عبادة للمسيحيين والمؤمنين المسلمين منذ حوالي 1500 عام وقد كرمت الديانتين بمجدها".

وكان قد تم في عام 1934،  إصدار مرسوم حكومي بأمر من مصطفى كمال أتاتورك رئيس الجمهورية التركية ومؤسسها، بتحويل مسجد آيا صوفيا في تركيا إلى متحفٍ فنيٍّ مفتوح للإنسانية جمعاء، وظل متحفاً لمدة تصل إلى 86 عاما، وقد تم إدراجه في مقدمة لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو”، وأصبح  واحداً من أهم الوجهات السياحية في العالم.

مسجد آية صوفيا كنت أظنه معزولا في ميدان سلطان أحمد من مدينة الفاتح، فإذا هو واقع ضمن سلسلة مساجد وفي مساحة واسعة جدا، سلسلة مساجد تتوسطها ساحة جميلة من الحدائق والأشجار وشلالات المياه، ومطاعم ظليلة ونظيفة جدا، حشود من الزوار من جنسيات مختلفة، يُمنع على السياح دخول المساجد وقت الصلاة.

لقد استطاع حزب العدالة والتنمية بقيادة زعيمه رجب طيب أردوغان وفي زمن قياسي الدخول بتركيا إلى زمن الحداثة الحقيقية في أبعادها العلمية والاقتصادية والسياسية والجمالية، ومن زار مدنا أوروبية لا يجد أنها أكثر جمالا ونظافة وتمدنا مما يلحظه في مدن تركية وخاصة مدنها السياحية الكبرى المعروفة.
هذه الساحة رغم ما يطغى عليها من نشاط سياحي اعتبرها "منطقة روحية" يجد فيها الزائر الراحة النفسية ومتعة المناظر والهدوء التام وجمال كل شيء، يجد الزائر كما لو أنه في مكان مُقتَطع من عالم الكمالات والجمال والحب والرحمة.

طابورٌ طويل من آلاف السياح يقفون تحت حرارة الشمس ينتظرون الإذن لهم بدخول مسجد آية صوفيا (لم يكن ممكنا أن أنتظر طويلا، التقطت صورا من الخارج وغادرت على أمل عودة قريبة بحول الله).

تركيا تسمى بلد المساجد لكثرة مساجدها التاريخية والحديثة، وحسب موقع "موضوع" وبتاريخ آخر تحديث 10 أغسطس 2022، كتبت ضحى جفال بحثا حول المساجد في العالم، دققته رنا عتيق، نقرأ فيه: "بلغ عدد المساجد في تركيا 82.693 مسجدًا، وتوجد معظم هذه المساجد في إسطنبول حيث بلغ عددها 3113 مسجدًا، ومن أبرز هذه المساجد: مسجد السلطان أحمد التاريخي، ومسجد السليمانية."

وأنت تتجول بإسطنبول، تلحظ كثافة المساجد في كل مدنها وأحيائها، وحين تتأمل حركة الشارع والمظهر العام لا تجد فرقا بين كونك في "دولة مسلمة" تاريخيا أو كونك في دولة أوروبية.

كيف حافظ حزب العدالة والتنمية على المقومات العلمانية للدولة التركية المسلمة؟ كيف استطاع جعل "الإسلاميين" مُكوّنا من مكونات المشهد التركي العلماني، فلا الدولة فقدت مقوماتها العلمانية ولا الإسلاميون الأتراك عجزوا عن الانسجام مع علمانية الدولة؟.

لقد استطاع حزب العدالة والتنمية بقيادة زعيمه رجب طيب أردوغان وفي زمن قياسي الدخول بتركيا إلى زمن الحداثة الحقيقية في أبعادها العلمية والاقتصادية والسياسية والجمالية، ومن زار مدنا أوروبية لا يجد أنها أكثر جمالا ونظافة وتمدنا مما يلحظه في مدن تركية وخاصة مدنها السياحية الكبرى المعروفة.

تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا تحتاج دراسة علمية متجردة من عاطفة المحبة أو الكراهية ومتحررة من الخلفية الدينية أو اللائكية، دراسة تجارب الآخرين مهمة جدا في تعارف الشعوب وتثاقفها وتعاونها.
التعليقات (1)
علي خلايلة
الإثنين، 31-07-2023 09:25 م
أي مواءمة و أي خرابيط! لا أجد شيئاً ملموساً ليناقش. عشق التطبيل والرقص يعمي أعين المدمنين عليهما.