قضايا وآراء

واقعة خطيرة تختصر حكاية الأمن في العراق!

جاسم الشمري
جيتي
جيتي
تستند الدول القوية بموجب الدراسات والتخطيطات العلميّة الدقيقة على أعمدة ثابتة للحفاظ على كيانها، ويعتبر الأمن والقضاء والتعليم أهمّ تلك الأعمدة!

وهذه الأركان الأساسيّة تحفظ أمن الوطن والناس وتجعلهم يشعرون بالعدالة المانعة للظلم، فيما يسعى التعليم لبناء عقول المواطنين وحاضرهم ومستقبلهم، وأيّ خلل في واحدة منها سيؤدّي، قطعا، إلى الانهيار التدريجيّ للدولة!

وحينما نحاول المفاضلة بين هذه الأسس المتلاحمة يمكن تقديم الأمن على القضاء والانتهاء بالتعليم، وهذا يعني أنّ الأمن هو الركن الركين لاستمرار الحياة في كلّ بقعة في العالم.

وأثبتت التجارب أنّه حيثما وُجد الخلل في ركن الأمن، دون السعي لمعالجته، تبدأ مرحلة تآكل الدولة وضياعها.

لاحظنا أنّ الحالة العراقيّة منذ العام 2003 تعاني من إشكاليّات أمنيّة خطيرة، وأنّ القوى الشريرة، وغالبيّتها متّهمة بجرائم قتل وسلب وتهجير، تَسرح وتَمرح في أرجاء البلاد

وقد لاحظنا أنّ الحالة العراقيّة منذ العام 2003 تعاني من إشكاليّات أمنيّة خطيرة، وأنّ القوى الشريرة، وغالبيّتها متّهمة بجرائم قتل وسلب وتهجير، تَسرح وتَمرح في أرجاء البلاد.

وحدّثني صديق وزميل سابق في الدراسة الإعدادية في بغداد؛ أنّ العصابات المنفلتة قتلت عمّه (صديقنا) الضابط برتبة رائد في الجيش العراقيّ السابق، وهم يعرفون الأشخاص الذين نفّذوا الجريمة أمام أعينهم، وقدّموا شكوى أصوليّة بحقّ المجرمين ولكنّ القَتَلة، وبعد عدّة أيّام، عادوا إلى منازلهم وكأنّ شيئا لم يكن!

ويُكمل مأساتهم بالقول: وتخيّل نحن نراهم أمام أعيننا منذ سنوات بين حين وآخر وفي ذات الحيّ السكنيّ، ولا ندري مَنْ يأخذ حقنا منهم بعد أن تمكنوا من الضغط على القضاء بأدواتهم الخاصّة لتبرئتهم من هذه التهمة الثابتة بشهادة العديد من شهود العيان!

وهنالك اليوم المئات، ولا أريد أن أبالغ وأقول الآلاف، من المجرمين الطلقاء بل والمتنفّذين الذين يأمرون وينهون ويُطاعون في رغباتهم السليمة والسقيمة، وغالبيّة القوى الأمنيّة الرسميّة تتهرّب من مواجهتهم!

ومنذ سنوات، مع مجيء أيّ حكومة جديدة، والناس يسمعون بالسعي لتثبيت الأمن، وملاحقة الخارجين عن القانون، ولكنّنا لم نرَ تحرّكات جدّيّة في هذا الباب المُرعب للوطن والمواطنين!

وقبل أيّام، وتحديدا في 9 حزيران/ يونيو 2023، قتلت القوّات الأمنيّة في ميسان (390 كم جنوبيّ بغداد) مجموعة إرهابيّة مسلّحة بزعامة "سيد جعفر الياسري"، وقتلت معه شقيقه وابنه وهم من أبرز المطلوبين للقضاء.

ورغم تلقّي الياسري معلومات متأخّرة عن استهدافه في فجر الجمعة إلا أنّه فشل في محاولة الهروب، وقُتل بعد اشتباكات مسلّحة.

والياسري كما يقال: قاتل مأجور ورئيس لعصابة دمويّة خطيرة، ومتّهم بقتل ضابط وشرطي، وهدّد الشرطة وقتل الكثير من المدنيّين كونه من القتلة المأجورين!

وقد عثرت القوّات الأمنيّة في منزله على أسلحة ثقيلة ومتوسّطة وأعتدة متنوّعة، ولا ندري هل هو منزل لمواطن أم ثكنة عسكريّة؟

والغريب أنّ بعض المواطنين، ومن بينهم أبناء عشيرة الياسري شاركوا بمراسم تشييع "الشهيد" ورفيقيه، كما وصفته بعض المنشورات!

ولا ندري هل الياسري مجرم أم مناضل؟

فإن كان مجرما فلماذا هذا التشييع المهيب؟

وإن كان مناضلا لماذا قتلته القوّات الأمنيّة؟

وفي تطوّر خطير أفاد مصدر أمنيّ، الأحد الماضي، أنّ ابن شقيق الياسري فتح نيران سلاحه على مجموعة أشخاص في حيّ القاهرة وسط ميسان، وأسفر عن مقتل نجل شيخ عشيرة آل زيرج وإصابة ثلاثة آخرين بجروح بليغة!

وحتّى ساعة كتابة المقال تتوارد الأخبار المؤكّدة لحالة الفلتان الأمنيّ في ميسان، وأنّ عشيرة آل زيرج أعلنت النفير العامّ بقضاء الميمونة في ميسان، دون مقدرة حكوميّة على بسط الأمن هناك!

وهكذا يبدو أنّنا أمام عصابات عنقوديّة التنظيم، وعميقة الجذور، وردود فعل شعبيّة، غير رسميّة، كبيرة لمواجهتها!

إنّ استتباب الأمن يعني ترسيخ هيبة الدولة، وهيبة الدولة تحتاج إلى يقظة ومعرفة حقيقية بالمخاطر الداخليّة والخارجيّة، وأن تكون السلطات التنفيذيّة متيقّظة وواعية وجاهزة لبسط الأمن والنظام في أبعد قرية ومدينة في البلاد وللوقوف في وجه مَن يُريد نشر الفوضى والخراب في الوطن!

والحيرة هنا تملأ الفكر حول كم مِن أمثال الياسري، وغالبيّتهم متّهمون بالقتل والتهجير وابتزاز الناس والمخدّرات، يسرحون ويمرحون ببغداد وبقيّة المدن؟

أظنّ أنّ الكلمة الفصل هنا للقضاء ولقيادات العمليّات التي يفترض بها حصر السلاح بيد الدولة، وسحب الأسلحة غير المرخّصة من عموم الأفراد وبالذات في المناطق النائية غير المسيطر عليها فعليّا، ومنها الأهوار وغيرها.

الضعف الرسميّ والتردّي وغياب الحزم في المعالجات الآنية والقانونيّة شجع المئات على الوقوف في خانة القوى العابثة بأمن الوطن والناس!

وقد لاحظنا أنّ الدول الضعيفة تفشل داخليّا قبل أن تفشل خارجيّا، ومن هنا تأتي أهمّيّة الحفاظ على الأمن الداخليّ، لأنّ الأمن سيبني دولة فاعلة، وهذا سيؤسّس لأمن إقليميّ مُستدام وبالمحصّلة الحفاظ على هيبة الدولة الداخليّة والخارجيّة!

إنّ استتباب الأمن يعني ترسيخ هيبة الدولة، وهيبة الدولة تحتاج إلى يقظة ومعرفة حقيقية بالمخاطر الداخليّة والخارجيّة، وأن تكون السلطات التنفيذيّة متيقّظة وواعية وجاهزة لبسط الأمن والنظام في أبعد قرية ومدينة في البلاد وللوقوف في وجه مَن يُريد نشر الفوضى والخراب في الوطن!

وبناءً على ما تقدّم فإنّ الدولة القويّة بمجموع أجهزتها الساهرة على أمن الوطن وراحة الناس تستقطب المدح والمساندة، والدولة الضعيفة تستوجب الذم والمعارضة!

والدولة السليمة هي الدولة التي لا تخاف من العصابات الخارجة عن القانون، والتي تقف مع الوطن والناس ضدّ القتلة والمجرمين وتجّار المخدّرات وقطّاع الطرق!

ينبغي حقيقة الحفاظ على هيبة العراق!

twitter.com/dr_jasemj67
التعليقات (0)