تقارير

ترشيحا "عروس الجليل" تتمسك بهويتها العربية

*مشهد عام لبلدة ترشيحا
*مشهد عام لبلدة ترشيحا
كان من خطط الصهيونية أن يبقى سكان ترشيحا مهجرين، قبل أن يقوم الأهالي بالعودة إليها بالتدريج حتى إنه لم ينقض عام على النكبة والمجزرة حتى عاد إليها عدد ممن هجروا.

لكن العودة كانت منقوصة، إذ فقدت ترشيحا امتدادها اللبناني والعربي، وحولها الاحتلال إلى حارة في بلدة "معلوت" اليهودية المجاورة في تسعينيات القرن العشرين، ويخشى الأهالي من أن تتعرض إلى طمس هويتها العربية .

تقع ترشيحا أو "عروس الجليل" كما يفضل سكانها تسميتها في رقعة مستوية من الأرض فوق مرتفع يعلو بالتدريج نحو الغرب، وكانت شبكة من الطرق الفرعية تربطها برأس الناقورة وببعض القرى الحدودية في لبنان.

أراضي القرية جبلية تتخللها أودية عديدة لذلك كان سكانها يتزودون بالمياه للاستعمال المنزلي من عدة ينابيع وبرك وآبار، وكان يستخدم للرعي وفي زراعة الحبوب والزيتون.

وتقع ترشيحا على مسافة 27 كم إلى الشمال الشرقي من مدينة عكا، وتربطها طرق معبدة بكل من عكا ونهاريا ومعليا والرامة وحرفيش وسعسع والجش وسحماتا والكابري.

وكان يقام بها سوق أسبوعي يحضره أهالي قرى شمال فلسطين وجنوب لبنان، كما كان التجار يأتون من الأردن لبيع الدواب والجمال والحبوب والأقمشة وغيرها.

وتختلف الروايات حول اسم ترشيحا، وتتحدث الرواية الأولى عن أن الاسم الأصلي هو "طرشيحا"، ويتألف من جزئين: "طور" بمعنى الجبل، و"شيحا" نسبة لنبات الشيح الموجود بكثرة فيها، أي أن الاسم تحوير لـ "جبل الشيح". ولكن ثمة رواية تاريخية أخرى، يتناقلها أهالي القرية، وتقول بأن الاسم يعود إلى كلمتي "طار شيحا"، ويقصد بها القائد في جيش صلاح الدين الأيوبي، شيحا جمال الدين، والذي، بحسب ما تقول الرواية، إنه حينما قتل، طار رأسه وهبط حيث تقوم ترشيحا اليوم، فقال الناس "طار شيحا".

إحدى الروايات، وهي الأقل تداولا، تذكر أن شاعرا ظمآنا مر يوما  بترشيحا، فطلب الماء من فتاة في القرية، وحينما روي قال: "رشحتني الفتاة بمائها ترشيحا".

ساهمت ترشيحا بالنضال الوطني الفلسطيني، فقد وقعت مواجهات مع الإنجليز عام 1936 اشتبك فيها نحو 60 ثائرا عربيا مع جنود الانتداب البريطاني على فلسطين على طريق ترشيحا-نهاريا، وعلى إثرها قتل 29 ثائرا وجرح 4، وقتل من الجند 3 وجرح 4.

وفي حرب عام 1948 دمرت معظم ترشيحا بقنابل من الطائرات والمدفعية الصهيونية، وتم الاستيلاء عليها.

وبعد الانتهاء من "عملية حيرام" اندفعت العصابات الإرهابية الصهيونية نحو عدد من القرى قرب الحدود اللبنانية وطردت سكانها، وكانت ترشيحا من أوائل القرى التي سقطت وطرد سكانها إلى لبنان حيث يتوزعون في مخيمات لبنان.


                                              من عملية حيرام الإرهابية عام 1948

كان في ترشيحا عام 1922 نحو 1,880 نسمة، وازداد عددهم في عام 1931 إلى 2,522 نسمة،  وفي عام 1945 قدر عددهم بنحو 4,460 نسمة. ولكن عددهم تقلص إلى 639 نسمة في عام 1949 نتيجة لهجرة غالبية السكان إثر العدوان الصهيوني عام 1948، وفي عام 1949 كان فيها 639 نسمة، وفي عام 1961 بلغوا 1,150 نسمة.

وبحسب المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي لعام 2015، فإنه يعيش في معالوت ترشيحا نحو 21,227 نسمة منهم 68 بالمئة يهود والباقي من العرب.

وأنشأت مستعمرة إيفن مناحم عام 1960 قرب موقع القرية، كما تقع مستعمرة كفار روزنفائد التي أنشئت عام 1967‎، ‏ومستعمرة شتولا التي أسست عام 1969 على أراضي القرية، وقد احتل عدد من المهاجرين اليهود منازل القرية التي أطلقوا عليها اسم موشاف شومرا.

وتأسست مستعمرة معالوت في عام 1957 بجوار قرية ترشيحا العربية لتضم مهاجرين يهودا من رومانيا وإيران ولبنان والمغرب. وفي عام 1963 تم دمجها إداريا مع ترشيحا العربية تحت إدارة مجلس محلي واحد سمي معالوت ترشيحا، وفي 1995 أصبحت معالوت ترشيحا مدينة رسميا.


                                                    مبنى بلدية معالوت ترشيحا..

وتقوم قرية ترشيحا على موقع أثري يضم مدافن مقطوعة في الصخر وصهاريج للمياه، وبالقرب منها عدة خرائب، وفي عام 1931 أجرت دائرة الآثار الفلسطينية تنقيبات أثرية في القبور المقطوعة في الصخر، وتعود إلى القرن الرابع الميلادي، وقد عثر فيها على خواتم وأقراط وأختام مسطحة وتمائم.

وفي عام 1875، زار عالم الآثار فيكتور غويرين، فلسطين، وكتب عن مسجد ترشيحا أن بناءه تم بأمر من الحاكم عبد الله باشا، حاكم عكا في ذلك الوقت. وفي عام 1993، أشار أندرو بيترسون إلى أن المسجد خلال تفقده له "بني على الطراز العثماني الكلاسيكي مع أربعة عناصر رئيسية وهي: الفناء، والممر، وقبة قاعة الصلاة، والمئذنة".

وقد عثر فيها على بقايا معبد كنعاني يعود إلى ما قبل 3500 عام.

ومن أهم معالم معالوت ترشيحا بحيرة مونفورت، وهي بحيرة اصطناعية تقع إلى الشرق من المدينة، حيث تعتبر ذات جذب سياحي محلي، وكانت تعرف سابقا باسم خزان هوسن.


                                            بحيرة مونفورت، وفي الخلفية تظهر معالوت..

ودأب الفلسطينيون في ترشيحا على إحياء ذكرى سقوط القرية، عبر مسيرة المشاعل الصامتة في طرقات البلدة القديمة، ويتوقفون على عدد من البيوت التي نجت من القصف الذي طال القرية عام النكبة مع رفع لافتات كتب عليها أسماء عائلات القرية حول دوار الزيتون وسط البلدة.

المصادر

 ـ صابر حليمة، "ذكرى احتلال ترشيحا..السفاح لا يمكن أن يتحول إلى داعية سلام يوما"، بوابة اللاجئين الفلسطينيين، 30/10/2019.
ـ ترشيحا.. "حكاية قرية فلسطينية عاد إليها أهلها عقب النكبة"، تلفزيون العربي، 23/5/2023.
ـ زهير دوله، "ترشيحا.. عروس الجليل حاضرة في قلوب مهجريها"، الإمارات اليوم، 27/8/2015.
ـ مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، بيروت، 1974.
ـ عيسى السفري، فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية، 1930.
 ـ راضي حماد، قرية ترشيحا عروس الجليل، شبكة سوريا الحدث الإخبارية، 27/3/2023.
التعليقات (0)