كتاب عربي 21

أنماط المواطن الرديئة في عهد الجمهورية الجديدة.. مفاهيم ملتبسة (51)

سيف الدين عبد الفتاح
عربي21
عربي21
تناولنا مؤخرا رؤية الجمهورية الجديدة المزعومة لمفهوم المواطَنة، وتفضيلها للمواطنة البكماء، وتصنيفها للمواطن بالعدو، وتبنيها للمواطَنة المعسكرة، وصولا إلى اختطاف المواطنة نفسها، الأمر الذي يدفع القارئ الكريم للتساؤل عن نمط المواطن الذي تريده الجمهورية الجديدة؛ فالجمهورية الجديدة لديها تصور متكامل عن المواطنة والمواطن، حتى قبل أن توصم الشاشات المصرية بعبارة وشعار "الجمهورية الجديدة"، وهو أمر بات من الثابت والمستقر نظرا لانتشار هذه الأنماط في كافة القطاعات والمجالات وذيوعها.

ونحن في ذلك نستعرض ما لدينا من نماذج، ونضيف إليها بعض الاقتراحات من المصريين المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي لا تخرج عما لدينا من نماذج، مما يؤكد الفكرة التي نطرحها. فهذا الاتساق والشيوع يثبت صحتها، وقد جاء كل ذلك بمناسبة افتضاح قصة جديدة لواحدة من نماذج أنماط الجمهورية الجديدة وهي "غادة والي"، وكان لافتاً محاولة الجمهورية الجديدة الدفاع عنها وحمايتها والسماح لها باستخدام كل ما يلزم للدفاع عن نفسها وتبرئة ساحتها.

هؤلاء الذين ساروا في ركب النظام وصاروا من زبانيته ولا يخرجون عن نص السلطة والطاغية، بل علينا أن نقارن بين حالة المواطن العام، وبين حالة هؤلاء الذين ينظر البعض لهم على أنهم استثناء، وأقول إنهم النموذج المرغوب فيه

قد يقول البعض إننا في تخيّرنا لمثل هذه الأنماط والنماذج أننا نتعسف، فما هي إلا نماذج فردية، وحالات استثنائية، وهنا فإنني أؤكد من خلال تلك الأنماط أنني لم أقم بالحصر الشامل لتلك النماذج، بل آثرتُ أن أشير إلى بعض النماذج الزاعقة والفاضحة التي صارت تمثل سمات هذا النظام مع إطلالتها علينا كل حين بتصريح أو مقال أو حدث.

فمن أول يوم تبنّى هذا النظام معاني الغدر والاحتيال، وكذلك الكذب والافتراء، انظر إلى حال المواطن العام ما هو؟ إنه مواطن تحت التهديد، وكما أشرنا إلى تلك الأوصاف السلبية للمواطن والمواطنة فإننا نؤكد على أن هؤلاء الذين ساروا في ركب النظام وصاروا من زبانيته ولا يخرجون عن نص السلطة والطاغية، بل علينا أن نقارن بين حالة المواطن العام، وبين حالة هؤلاء الذين ينظر البعض لهم على أنهم استثناء، وأقول إنهم النموذج المرغوب فيه، والذي لا يُقبل سواه، وجب علينا أن نرى ماذا حصّل هؤلاء من أموال ومنافع، وماذا هو حال هؤلاء الذين عارضوا النظام ولو بشق كلمة؛ ولعل كل ذلك يتعلق بأمثلة جوهرية، نشير إلى بعض منها بالإجمال بما يسمح به المقام.

من هنا فإن "غادة والي" لم تكن أول نموذج في أنماط الجمهورية الجديدة ولن تكون الأخيرة، فكما سبقت الإشارة فإن الجمهورية تُنتج هذه الأنماط حتى من قبل أن تتبلور بشكلها الراهن، فقد سبقها الكشف عن رائد هذه الأنماط، وهو صاحب اختراع "الكفتة العلاجية" "إبراهيم عبد العاطي" الذي منحته القوات المسلحة المصرية رتبة لواء، وقد احتفت بجهازه احتفاء كبيراً.

ويمكن الإشارة إلى تعامل الجمهورية الجديدة مع الرجل واختراعه، فقد سارعت القوات المسلحة بإلباس الرجل لباس اللواء لينتمي إليها. ولاحقا عندما تم اكتشاف أن الجهاز مجرد "فنكوش" وأنه بحسب بعض الإعلاميين "أكبر نصباية في التاريخ"، كان تصريح قادة القوات المسلحة حينها "احترموا البدلة اللي لابسها". ولم يتغير موقف القوات المسلحة منه، حتى أن عبد العاطي صرح في حوار صحفي بتاريخ 28 كانون الثاني/ يناير 2017م: "ولا أنسى يوم ذهبت باستقالتي للقوات المسلحة، عندما وصلت مبنى الأمانة العامة والتقيت قيادة رفيعة من جهة سيادية قال لي بالنص: أنا مش جاي أسلم عليك يا دكتور.. أنا جاي علشان أقرأ معاك الفاتحة كلنا فداء مصر".

إضافة إلى "عبد العاطي- كفتة " و"غادة والي- عصفورة حورس"، لدينا الكثيرون في كافة المجالات، بل إن بعض المجالات من مثل الإعلام والفن لا يمكن أن نحدد شخصا بعينه، لأن معظم مَن في هذه المهن أعاد هيكلة نفسه إنسانياً واجتماًعيا ونفسياً ومهنياً وسياسياً ليكون من أنماط هذه الجمهورية، إذا أراد أن يحظى برعايتها والعمل في خدمتها. ومن ثم نجد أن هؤلاء الذين انتقدوا بالقول (في برامجهم) وبالفعل (في مظاهرات حاشدة) لا يستطيعون أن يعبّروا عن رأيهم في الوقت الحالي، خاصة وأنهم تماهوا مع الجمهورية الجديدة وأنماطها، وصدّقوا أنفسهم بأنه لا فرق بينهم وبين مصر الدولة والنظام، إضافة إلى أنهم يعلمون أكثر من غيرهم عاقبة الأمور، وأن مصيرهم سيكون في السجون، أو على أقل تقدير ستسقط أسماؤهم من كشوف "السبوبة"؛ شركات الإنتاج أو المشاركة في البرامج الحوارية مدفوعة الأجر، وغيرها من "السبوبة النظامية"، التي يتم من خلالها صناعة هذه الأنماط وتطويرها وحمايتها.

هناك أيضا نموذج "الكائن العسكري"، ذلك الباحث أو المثقف الذي وجد نفسه ملائما للحقبة العسكرية، وتفجرت مواهبه، ووجد ضالته في الارتماء في أحضان المؤسسة العسكرية وخدمتها على الصورة التي ترضيها، وتماهى معها إلى الدرجة التي بات تمثيله لها لا يحتاج منه أن يعود إليها، وإنما يفعل كل ما يفعله دون أن يُملى عليه أو يُكتب له في ظل ما أثبته من مواهب

وهناك أيضا نموذج "الكائن العسكري"، ذلك الباحث أو المثقف الذي وجد نفسه ملائما للحقبة العسكرية، وتفجرت مواهبه، ووجد ضالته في الارتماء في أحضان المؤسسة العسكرية وخدمتها على الصورة التي ترضيها، وتماهى معها إلى الدرجة التي بات تمثيله لها لا يحتاج منه أن يعود إليها، وإنما يفعل كل ما يفعله دون أن يُملى عليه أو يُكتب له في ظل ما أثبته من مواهب تجلّت في رئاسته لنقابة الصحفيين لأكثر من دورة، وكذلك رئاسة الهيئة العامة للاستعلامات ودوره في تبييض وجه النظام؛ وأخيرا عرابا لـ"الخوار الوطني".

أيضا في المجال الرياضي هناك مرتضى منصور بشتائمه المعروفة وسلوكياته الشاذة وتطاوله بلا حدود، وهو أيقونة الجمهورية الجديدة، ومن أكثر نماذجها تعبيراً عن المستوى الذي وصلت إليه في التدهور السلوكي والأدبي. ولعل متابعة تطورات إدارته لناديه يكشف إلى أي مدى تحمي الدولة أنماطها وتدافع عنهم وتمكنهم من مقدرات البلاد إلى أقصى مدى.

وفي المجال الأكاديمي هناك معتز بالله عبد الفتاح الذي تنكّر لكل ما كان يعرفه في العلوم السياسية، وبات رائدا من رواد العلوم السيسية متعهداً بتطويع العلم والأكاديميا لخدمة النظام وتحقيق رغباته وأوهامه، وكذلك في المجال الديني -وإن كنا لن نستطيع أن نختار نموذجاً واحداً من أنماط الجمهورية الجديدة في هذا الحقل- في ظل وجود عدد كبير منهم، مثل علي جمعة وخالد الجندي ومختار جمعة، إلا أن أسامة السيد بات متربعاً على قمة هذا المجال، خاصة في ظل قربه الشديد من رئيس هذه المنظومة. ولعل الصورة التي نشرها على صفحاته الرسمة على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً وهو محمول على الأعناق خلال زيارة له خارج مصر، والجماهير تمسح على قدمه وحذائه، تؤكد لنا عن رؤية هؤلاء لأنفسهم وللآخرين.

أما عن نمط الجمهورية الجديدة في المسؤولين السياسيين فيأتي في مقدمتهم "كامل الوزير"، ذلك الذي انتقل إلى وزارة النقل من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وبما له من نمط خاص به في إدارته للهيئة سابقاً وللوزارة حالياً، وتفاعله مع الشأن العام بصورة معبّرة عن نمط المسؤولين المناسبين للجمهورية الجديدة، ذلك الذي يصنع صورة وهالة باعتباره منجزاً، وقادراً على إدارة الأمور وتحقيق المطلوب منه، في حين أن الأمر على غير ذلك، وأنه مستمر في منصبه لأنه يجيد إرضاء صاحب الجمهورية المزعومة، ولا يخالف له أمراً، بغض النظر عن الضرر أو التكلفة التي تقع على عاتق المواطن المصري الذي لا يتورع عن الإساءة إليه واستفزازه، حماية لصاحب العزبة وتطييباً لخاطر "الرئيس بيزعل من الناس اللي مش فاهمة، لكن داخلياً عنده يقين ومقتنع إن اللي في مصلحة بلده هيعمله.. ملوش دعوة الناس هتقول إيه، آه بيسمعه عشان لو حاجة مغلوطة يرد عليها ويبصر الناس ويوضح لهم في كلامه، لكن هو بشر بيتأثر وبياخد على خاطره شوية لما يلاقي الناس بتردد شائعات وكلام مغلوط وغير مفهوم".. هكذا يحرص الوزير على القيام بدوره على أكمل صورة، في المقابل يراه رئيس النظام باعتباره النموذج الذي يتمنى أن يكون جميع المسؤولين على شاكلته.

ذلك يعني ضمن ما يعني أننا أمام المواطن المنافق الذي يتصدر في أجهزة الإعلام، وأمام الأكاديمي الخادم الذي يوظف من بعض علمه ما يدعم الاستبداد، وأمام المواطن البلطجي الذي يقود دولة البلطجية فيكافأ على ذلك، وهو محل عفو السلطة حتى إذا خرج على القانون الذي وضعته تلك السلطة، وكذلك فإنه المواطن القاتل الذي يتفلت من فعلته

إن ذلك يعني ضمن ما يعني أننا أمام المواطن المنافق الذي يتصدر في أجهزة الإعلام، وأمام الأكاديمي الخادم الذي يوظف من بعض علمه ما يدعم الاستبداد، وأمام المواطن البلطجي الذي يقود دولة البلطجية فيكافأ على ذلك، وهو محل عفو السلطة حتى إذا خرج على القانون الذي وضعته تلك السلطة، وكذلك فإنه المواطن القاتل الذي يتفلت من فعلته، مثل طلعت مصطفى، لأنه يشارك النظام في مشاريعه واستثماراته.

هكذا سيطول بنا الأمر، وسيرد على ذهن القاصي والداني نماذج أخرى من هنا وهناك، وهي نماذج كثيرة قابلة للأسف الشديد وفق سلوك ذلك النظام للاقتداء والاحتذاء؛ إلى الدرجة التي سنجد مثلا أن مقالة واحدة كُتبت على يد كاتبين أحدهما رئيس تحرير، والآخر خبير وأكاديمي معروف نشأ في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، مقال طبق الأصل يعبّر عن حالة المواطنة في طلب النظام لتلك النماذج والأنماط لتخرج على شاكلة واحدة (لا ينفي اعتذار الصحيفة في اليوم التالي الواقعة ودلالتها الخطيرة).. "مواطن طبق الأصل" شاكلة النظام نصباً واحتيالاً، وغدرا وافتراء.

twitter.com/Saif_abdelfatah
التعليقات (0)