في محاولة
لتقليل الاعتماد على
الدولار الأمريكي كعملة رئيسية للاستيراد، تدرس الحكومة
المصرية
خيار اللجوء إلى عملات الشركاء التجاريين في تجارة السلع الأولية مثل الصين وروسيا
والهند بعد أن زادت فاتورة
الاستيراد إلى نحو 94 مليار دولار.
تتوقف
هذه الخطوة، بحسب محللين اقتصاديين، على العديد من العوامل ليست الاقتصادية فحسب بل
السياسية أيضا، فمن ناحية لا تملك مصر الكثير لتصديره في معاملاتها التجارية وتواجه
عجزا كبيرا في الميزان التجاري، كما أن قرار الاستغناء عن الدولار تتداخل معه حسابات
سياسية معقدة.
وقال
وزير التموين المصري علي المصيلحي، السبت: "نفكر بشكل جدي في محاولة الاستيراد
واعتماد العملة المحلية للدولة (المصدرة) مع العملة المحلية لجمهورية مصر العربية"،
مشيرا إلى أن "هذا الكلام لم ينفذ ولكننا في طريق طويل، قطعنا جزءا كبيرا منه
سواء مع الصين أو الهند أو روسيا. وحتى هذه اللحظة لم يتم تحقيق أي صفقة".
الروبل
والروبية واليوان مقابل الدولار
والدولار
الأمريكي هو العملة المهيمنة منذ عقود على التجارة العالمية، لكن في الآونة الأخيرة
أصبحت هيمنة الدولار موضع تساؤل مع ظهور لاعبين أقوياء على الساحة اقتصاديا وعسكريا،
والعقوبات الغربية التي تقودها واشنطن على تلك الدول أو حلفائها، ما أذكى توجه بعض
الدول إلى الحصول على مدفوعات بعملات أخرى غير الدولار.
مطلع
العام الجاري، أعلن البنك المركزي الروسي البدء في تحديد أسعار الروبل مقابل مجموعة
من العملات الأجنبية من بينها الجنيه المصري، كعملات تبادل تجاري، وطوال الشهور الأربعة
الماضية لم يتوصل الجانبان إلى اتفاق رسمي.
وأعلن وزير التجارة الهندي سونيل بارثوال مطلع شهر نيسان/ أبريل الماضي، أن بلاده تعرض
عملتها الروبية بديلاً في التعاملات التجارية على الدول التي تواجه نقصاً في الدولار
مثل مصر وبنغلاديش وسيرلانكا.
اقرأ أيضا:
" ستاندرد اند بورز " تخفض نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية
مصر
مستورد صاف للسلع
وتعاني
مصر، التي تستورد معظم احتياجاتها من السلع الأولية من الخارج، من أزمة حادة في العملة
الصعبة أدت إلى انخفاض الجنيه بنسبة أكثر من 50% مقابل الدولار، وتواجه أزمة تكدس البضائع
في الموانئ بسبب تلك المشكلة.
تراجع
المخزون الاحتياطي للسلع الأساسية من أعلى مستوى لها قبل الحرب الروسية الأوكرانية،
وأصبح مخزون القمح يكفي للاستهلاك مدة شهرين ونصف الشهر فقط، كما أن احتياطياتها من
الزيوت النباتية والسكر والأرز تكفي نحو 4 أشهر، أما اللحوم فتكفي لنحو شهرين.
وارتفعت
قيمة الواردات المصرية من مختلف دول العالم لتصل إلى 94.5 مليار دولار خلال عام
2022 مقابل 89.2 مليار دولار خلال عام 2021 بزيادة قدرها 5.3 مليار دولار، وبنسبة ارتفاع
قدرها 5.9%، وفق أحدث تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
تأتي
الصين على رأس أكثر الدول المصدرة لمصر بقيمة 14.4 مليار دولار، وروسيا بقيمة 4.1 مليار
دولار، والهند بقيمة 4.1 مليار دولار، وتركيا والبرازيل بقيمة 3.7 مليار دولار، أي
ما مجموعه نحو 30 مليار دولار.
وتتجاوز
السلع الأولية 50% من فاتورة الواردات، يأتي على رأسها المواد البترولية بنحو 7.3 مليار
دولار، ومواد أولية من حديد وصلب بقيمة 5.1 مليار دولار، وبترول خام بقيمة 4.4 مليار
دولار، ولدائن بقيمة 4.3 مليار دولار، ومواد كيماوية وغير كيماوية بقيمة 3.9 مليار
دولار، وقمح بقيمة 4.2 مليار دولار، وذرة بقيمة 3 مليارات دولار، وفول صويا بقيمة
2.7 مليار دولار، وزيوت طعام بقيمة 1.5 مليار دولار، وأدوية بقيمة 3.8 مليار دولار.
كيف
تستفيد مصر من المعاملات بغير الأخضر
عن أسباب
تلك الخطوة التي تدرسها الحكومة المصرية، قال رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية
والاستراتيجية، الدكتور رشاد عبده: "من حيث المبدأ مصر تواجه مشكلة كبيرة في نقص
العملة الصعبة ترتب عليها تكدس البضائع في الموانئ، كما يعاني رجال أعمال ومستوردون
من عدم القدرة على الإفراج عن بضائعهم بالإضافة إلى أن شركات النقل العالمية تحصل منهم
على غرامات تأخير بالدولار، وليس لدى البنك المركزي موارد دولارية لإتاحتها للجميع؛
ولذلك قام بخفض الجنيه أكثر من مرة".
من منطلق
المعطيات السابقة، أوضح لـ"عربي21" أنه "إذا كانت هناك فرصة للتبادل التجاري
مع بعض الدول بالعملات المحلية فستكون فرصة جيدة؛ لأنها ستقلل الاعتماد على الدولار،
لأن مصر سوف تشتري مثلا باليوان الصيني من الصين والصين سوف تشتري بالجنيه المصري،
وبالتالي توفير الدولار لشراء سلع أو مستلزمات أخرى، ومن ناحية أخرى سوف تزيد صادرة
البلاد، لكن ما هي الدول التي يمكن أن تتبادل معها مصر العملات المحلية هم نحو 3 أو
4 دول مثل الصين وروسيا والهند".
لكنه
أشار إلى "ضرورة أن تخضع تلك الخطوة إلى دراسة معمقة لحساب المكاسب والخسائر؛
لأن عملات تلك الدول سيقتصر استخدامها على التجارة البينية بينهم، كما أن تلك الخطوة
محدودة بعدد من الدول كما ذكرنا ليس بينها دول أوروبا ولا أمريكا ولا غالبية دول العالم،
وبالتالي فقد تخفف من أزمة الطلب على الدولار إذا تمت بشكل صحيح ولكنها ليست حلا".
صعوبات في التطبيق
اقرأ أيضا:
لماذا أرجأت مصر برنامج طرح 32 شركة حكومية بالبورصة؟.. "نقاط ضعف"
من جهته،
رأى الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أن "المسألة، كما ذكر وزير التموين، ليست سهلة
ومعقدة لأنها ليست عملية اقتصادية بحتة بل سياسية أيضا، وفي إطار الهيمنة العسكرية
الأمريكية فإن العملة الأمريكية هي المتسيدة والمتصدرة حتى في تجارتنا مع الغرب الذي
لديه عملة (اليورو) المعتمدة عالميا، والمستهلك الأمريكي يملك جميع السلع لأن بلاده
هي المسؤولة عن طباعة ورق النقود، وكل شيء يتم تسعيره كالذهب والنفط بالدولار".
وأضاف
لـ"عربي21": "أمريكا لا تدفع مقابل المنتجات إنما تطبع الأموال، والمسألة
لها ضوابط دولية، على الجانب الآخر مصر لا تملك سلعا تستطيع من خلالها الموازنة بين
التصدير والاستيراد، كما أن هذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها، وسبق وأثارها وزير
التجارة الأسبق عام 2008، ولكنها لم تتم للاعتبارات التي ذكرناها سالفا".
ورهن
الولي مسألة التحول إلى التعامل بالمحلات المحلية بـ"تحقيق استقرار اقتصادي
في البلاد، ولعل أحد المعوقات الرئيسية هو الانخفاض المستمر للعملة المحلية، بالتالي فإن من الصعب أن تجد شريكا تجاريا في الوقت الحالي، ولا بد أن يكون هناك ثقة من قبل الطرف
الثاني في اقتصادك وعملتك المحلية حتى لا يصبح القرار مغامرة".