اقتصاد دولي

تضارب بين سعيّد وحكومته بشأن قرض صندوق النقد.. ما مصير اقتصاد تونس؟

قال سعيّد إنه يرفض الإملاءات التي تأتي من الخارج وتتسبب في المزيد من الفقر- جيتي
قال سعيّد إنه يرفض الإملاءات التي تأتي من الخارج وتتسبب في المزيد من الفقر- جيتي
تواصل الحكومة التونسية سعيها للتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض، رغم انتقاد الرئيس قيس سعيّد لما اعتبرها "إملاءات الصندوق"، ما يثير الشكوك بشأن دعمه لحزمة صندوق النقد الدولي التي تحاول الدولة التي تعاني من ضائقة مالية تأمينها.

وتسعى تونس إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي  بقيمة 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، حيث توصلت الحكومة إلى اتفاق أولي على مستوى الخبراء، قبل أن تتعطل المفاوضات بين الجانبين.

 وفي وقت سابق، أجّل صندوق النقد اجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج القرض التونسي، الذي كان مقررا في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي بحسب وكالة رويترز، بعد إعلان اتفاق بينهما في وقت سابق.

وجاء هذا القرار من أجل منح السلطات التونسية مزيدا من الوقت للانتهاء من إصلاحاتها، حيث تعتزم تونس إعادة تقديم ملف برنامج الإصلاح مرة أخرى عند استئناف اجتماعات صندوق النقد في آذار/ مارس 2023، دون أن يحدث ذلك.

ويعوّل قانون الموازنة العامة على القرض الذي تسعى الحكومة التونسية للحصول عليه من قبل صندوق النقد الدولي، رغم تعثر المفاوضات بسبب برنامج الإصلاحات الاقتصادية.

وبحسب قانون موازنة 2023، فإن الحكومة التونسية تعمل على تعبئة موارد اقتراض بقيمة 24.1 مليار دينار (7.71 مليار دولار) متأتية بنسبة 66.2 بالمئة من الاقتراض الخارجي دون تقديم أي توضيحات عن مصدر هذه القروض.

موقف سعيّد
ويشترط صندوق النقد الدولي على تونس إمضاء سعيّد على برنامج الإصلاحات الذي تقدمت به حكومة نجلاء بودن، في الوقت الذي يرفض فيه رئيس البلاد ذلك متمسكا بالتعويل على الاقتصاد المحلي من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية.

وفي 6 أبريل/ نيسان الجاري، قال الرئيس التونسي إنه يرفض النصائح الخارجية بشأن الاقتصاد التي قد تتسبب في مزيد من الفقر، بحسب قوله.

وقال سعيّد للصحفيين الخميس في إفادة بثتها وسائل الإعلام المحلية: "في ما يتعلق بصندوق النقد الدولي، نحن نرفض الإملاءات التي تأتي من الخارج وتتسبب في المزيد من الفقر"، مضيفا أن "البديل هو أننا يجب أن نعتمد على أنفسنا".

وتساءل الرئيس التونسي عن الكيفية التي يمكن بها إلغاء الدعم الحكومي دون تأجيج الاضطرابات، قائلاً إن "السلم الاجتماعي ليس لعبة".

واستشهد سعيّد في حديثه بالاحتجاجات الدامية التي شهدتها تونس عام 1983، عندما رفض التونسيون قطع الدعم بعد أن رفعت الحكومة سعر الخبز آنذاك، وقال: "يريدون منا الاستماع إلى حديثهم. لن نصغي إلى أحد إلا الله وصوت الناس".

وجدد سعيّد موقفه خلال إشرافه على مجلس الأمن القومي، ليل الأربعاء الخميس، حيث حض الرئيس التونسي على ضرورة تنشيط قطاع إنتاج الفوسفات معتبرا أن من شأن ذلك تمكين اقتصاد بلاده من التعافي من دون اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية.

وقال سعيّد إن تنشيط إنتاج الفوسفات في منطقة "الحوض المنجمي" في محافظة قفصة (وسط البلاد الغربي) "يمكن أن يمثل جزءا كبيرا من ميزانية الدولة حتى لا نقترض من الخارج وتتعافى الدولة التونسية والاقتصاد".

واعتبر الرئيس التونسي أن تراجع عجلة الإنتاج في هذا القطاع الحيوي "وضع غير مقبول خاصة أن نوعية الفوسفات من أفضل ما يوجد في العالم ويجب إيجاد حلّ سريع"، فيما تواجه تونس تعطل إنتاج الفوسفات منذ 2011، بعد أن بلغ إنتاجها 8.2 مليون طن عام 2010.

اظهار أخبار متعلقة


جهود الحكومة
في المقابل، وعلى عكس موقف الرئيس سعيّد، فقد كثفت الحكومة التونسية من تحركاتها على مدار الأسابيع الماضية من أجل التوصل لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.

وفي السياق، عقد وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيّد، لقاءات مع عدد من مسؤولي مؤسسات مالية دولية وإقليمية وهيئات تنشيط في المجالات التنموية والاستثمارية، وأكد حرص الحكومة على المضي قدما في تنفيذ برامجها الإصلاحية تدريجيا.

واستهل وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي لقاءاته مع نائب رئيس البنك الأوروبي للاستثمار ريكاردو مورينيو فيليكس، ومدير الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لدى صندوق النقد الدولي جهاد عزور، ونائب رئيس المؤسسة المالية الدولية (IFC) سيرجيو بيمينتا، ونائب رئيس البنك العالمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا فريد بالحاج، ووزير الاقتصاد والمالية الإيطالي جيانكارلو جيورجيتي.

وقال بيان صادر عن وزارة الاقتصاد التونسية إن اللقاءات كانت مناسبة، استعرض خلالها الوزير أولويات العمل التنموي في المرحلة القادمة والمجالات الحيوية التي سيتم التركيز عليها، في إطار الرؤية الاستراتيجية لتونس في 2035 والمخطط التنموي 2023- 2025.

وقاد الوزير سمير سعيّد الوفد التونسي الذي زار منتصف الشهر الجاري واشنطن من أجل المشاركة في اجتماعات الربيع التي عقدها صندوق النقد الدولي، رغم عدم إدراج تونس على جدول أعمال الاجتماعات.

وأكد الوزير التونسي في لقائه مع عدد من المسؤولين في صندوق النقد والبنك الدولي حرص الحكومة التونسية على المضي قدما فى تنفيذ برامجها الإصلاحية مع الحفاظ على استقرار الأوضاع الاجتماعية.

 وشدد على أهمية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أقرب الآجال حتى ينطلق العمل مع باقي الشركاء في تنفيذ برامج التعاون التي تم تدارسها.

اظهار أخبار متعلقة


رفع الدعم
وفي تعليق، أعرب الخبير وأستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي، عن موافقته لموقف الرئيس سعيّد بشأن الدعم قائلا إن "الوضع الاجتماعي الحالي لا يسمح برفع الدعم نظرا لارتفاع نسبة التضخم، ورفع الدعم من شأنه أن يرفع من وتيرة التضخم ما قد يهدد السلم الاجتماعي".

وأضاف في تصريح لـ"عربي21"، أن "موازنة الدولة بُنيت على فرضية أن معدل سعر برميل النفط يكون في حدود الـ89 دولارا، وكل دولار ينخفض تحت هذه الفرضية يُربح موازنة الدولة 141 مليار دينار (حوالي 46.53 مليار دولار)".

وتابع: "بناء على هذا الفارق، فإننا سنتحصل على المبلغ نفسه الذي تم اقتراحه في ورقة الإصلاحات الاقتصادية، لذلك فإن على الوفد التونسي أن يقنع صندوق النقد الدولي بإلغاء رفع الدعم أو بتأجيله".

واستدرك الخبير الاقتصادي حديثه بالقول إن "رئيس الجمهورية عندما يدلي بتصريحات، عليه أن يقدم رسائل طمأنة.. هو يقول إنه لديه برنامج بديل، لكنه لم يعلن عن الخطوط الكبرى لهذا البرنامج".

وكشف الشكندالي أن "تصريحات سعيّد بشأن رفض الإملاءات أقلقت صندوق النقد الدولي، خاصة أن الحديث عن الإملاءات في إطار المفاوضات مع صندوق لا معنى له، بل ذهبت الحكومة التونسية إلى أكثر مما يشترطه صندوق النقد الدولي".

اظهار أخبار متعلقة


ازدواجية الخطاب الرسمي
وأوضح أن "صندوق النقد اشترط إصلاح منظومة الدعم من خلال رفعه وتوجيهه إلى مستحقيه، لكن الحكومة ذهبت في رفع الدعم دون توجيهه بحسب قانون الموازنة 2023 الذي لم يحدد مستحقي الدعم أو قيمة ذلك، علما بأن سعيّد هو من أمضى على قانون الموازنة الذي تضمن رفع الدعم". 

وعن تأثير تصريحات سعيّد على مصير قرض تونس، فقد اعتبر الخبير الاقتصادي أن "صندوق النقد الدولي ردّ على ذلك بطريقة احترافية من خلال خفض توقعاته لنسبة النمو في عام 2023 لتونس من 1.6 بالمئة إلى 1.3 بالمئة، أي أنه غير متفائل بالمفاوضات مع تونس".

كما أنه شدد على أن التضارب في التصريحات بين سعيّد والوزراء ليس بالأمر الجديد، مشيرا إلى أن هذه النقطة تثير كذلك قلق صندوق النقد الدولي.

وأضاف: "رئيس الجمهورية كان دائما يتكلم عن برنامجه المتمثل في الشركات الأهلية وتمويلها عن طريق الصلح الجزائي، فيما تتكلم الحكومة عن الإصلاحات الاقتصادية التي وقع الاتفاق عليها على مستوى الخبراء".

وزاد: "سعيّد أمضى على قانون الموازنة الذي تضمن الإصلاحات وأنهى الجدل بشأن التضارب، لكن يبدو أن هناك إشكالا على مستوى الخطاب الرسمي، حيث توجد ازدواجية على الرغم من توقيع الرئيس على القانون".

واعتبر الخبير الاقتصادي أن الأرضية التي يطلبها صندوق النقد الدولي لا تتوفر حاليا، حيث لا يمكن لتونس حاليا تعبئة الموارد الخارجية طبقا لبرنامج الصندوق.

وأضاف أنه "حتى في صورة توفير الموارد، فإن الأمر لن يكون سهلا في ظل عدم الاتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل الرافض لرفع الدعم والتفويت في بعض المؤسسات العمومية، ما قد يُحدث اضطرابات وإضرابات واحتقانا اجتماعيا".
التعليقات (0)