قضايا وآراء

العشرية السوداء.. "سلام سلاح" (15)

حمزة زوبع
هل تخلى الجيش المصري عن مهمته الأساسية؟- فيسبوك
هل تخلى الجيش المصري عن مهمته الأساسية؟- فيسبوك
( تعني كلمة "سلام سلاح" الأمر العسكري بتنفيذ التحية العسكرية باستخدام السلاح)

خدمت لمدة عام ونصف كطبيب مجند بالقوات المسلحة في الفترة من 1987- 1988، وبعد أيام معدودة من انتقالي إلى الكتيبة العسكرية التي التحقت بها بعد معسكر التدريب الذي استمر لخمسة وأربعين يوما تمت ترقيتي من قبل قائد الكتيبة العميد سيد. ف؛ الذي كان نموذجا للعسكرية المصرية في أبهى صورها من حيث الانضباط والاحترام والنزاهة والسمعة الطيبة، لذا لم يكمل مسيرته العسكرية في الجيش، فعادة ما يتم استبعاد مثل هؤلاء القادة المنضبطين أخلاقيا والملتزمين دينيا بحجة أنهم خطر على الجيش.

على العكس تماما، كان قائد عمليات الكتيبة المقدم ع. أ وهو الرجل الثاني؛ نموذجا للعسكرية المصرية التي نعرفها جميعا وهو رجل يميل حيث تميل الريح، فإذا كانت الريح مع التدين مال معها وأيقظ كل من في الكتيبة لصلاة الفجر، وإن كانت الريح اللواء مع قائد السلاح الذي يهوى أفلام الترفيه والفرفشة وتهمه المظاهر مال معها حتى انثنى وانحنى رغم طوله الفارع، فالمهم هو أن يصل إلى مبتغاه بكل الوسائل والغاية تبرر الوسيلة عنده وعند كثير من أمثاله.

ولقد نصحت اللواء أ.ج قائد السلاح، الذي أراد أن يتحدث معي على انفراد بعيدا عن قادة الكتيبة، وقلت له إن هذا المقدم قائد عمليات الكتيبة رجل يعرف كيف يصل إلى غرضه وأنه طموح حتى بدون وجه حق، فقال لي أعرف، وبالطبع كان يعرف ولكن المثير أنه سمح له بأن يكون قائدا للكتيبة رغم حداثة ترقيته، ولكن اللواء أ.ج رد الجميل للمقدم ع.أ والمتمثل في حسن الاستقبال والهدايا التي قدموها له قبيل تفتيش الكتيبة.

كنت شاهدا على تغيير تفكير وعقلية الضباط والجنود في الجيش الذي أعتبره جيش كامب ديفيد، يعني مرحلة السلام مع الكيان الصهيوني

هكذا كانت تسير الأمور التي عشتها بنفسي وعايشتها عن قرب بصفتي مقربا من الجميع، وكان الكل يسر لي بأسراره وبأحلامه أيضا دون أن يكون لي صفة عسكرية غير كوني طبيبا ومتحدثا لبقا وعلى اطلاع ولو بسيط على ما يجري في مصر وخارجها.

لقد كنت شاهدا على تغيير تفكير وعقلية الضباط والجنود في الجيش الذي أعتبره جيش كامب ديفيد، يعني مرحلة السلام مع الكيان الصهيوني، فالكتيبة التي خدمت بها كانت تابعة لسلاح النقل والمكان الذي اختير لها كان في منطقة الواحات البحرية التي تبعد 365 كيلومترا عن محافظة الجيزة على طريق سجن المحاريق، وهذه المنطقة يتم شحن الفحم منها إلى مصانع فحم الكوك بمدينة حلوان عبر خطوط السكة الحديد المخصصة لهذا الأمر، وما علاقة الجيش إذن؟ الجيش خصص كتيبة قوامها 350 جنديا وضابطا لكي يقوموا بعملية تنظيف خط السكة الحديد مرتين يوميا؛ صباحا بعد الفجر وعصرا قبيل المغرب، حيث أن الرياح الشديدة تردم القضبان وتستحيل معها حركة القطارات فيقوم الجنود بتنظيف الخط الممتد لمئات الكيلومترات يوميا مرتين، وذلك من خلال تعاقد إدارة النقل بالجيش مع شركة فحم الكوك لهذا الغرض بمقابل مادي ضخم جعل الضباط يعتبرون العمل في هذه الكتيبة بمثابة السفر والعمل في الكويت الشقيقة، وكانوا يطلقون عليها كتيبة الكويت ويسعى كثيرون للبحث عن واسطة للعمل حيث الرواتب مضاعفة أضعافا كثيرة والله يضاعف لمن يشاء.

هذا لا ينفي أن تفتيشا عسكريا روتينيا كان يجري كل عام بانتظام وأن تدريبات إطلاق النار كانت تتم، وتفتيش الكتيبة كان يمضي بسلاسة ويسر، فطالما أن الكبير مبسوط كل شيء يهون، في الوقت الذي كانت سيارات الكتيبة بحالة مهترئة والجنود يعانون من سوء الحياة وبرنامج السخرة اليومي مرتين، حتى إنهم يعودون من الشغل في الصحراء لتنظيف خط السكة الحديد وهم هلكى. وكانت اللحوم في برنامج التغذية تأتي يوما واحدا كل أسبوع، وهي لحوم تشبه في قسوتها الحجارة أو أشد قسوة.

ومع ذلك مرت الأيام وجاءت دفعة أخرى ودفعات أجمعت على أن فترة التجنيد العسكري هي فترة إذلال نفسي قبل أن يكون بدنيا، وأن الجنود هم ضحية تحويل استراتيجية الجيش من بناء جيش على أسس عقدية في مواجهة العدو إلى جيش يساهم في المناقصات، ويلتهم جزءا من المشروعات داخل الوطن على حساب اقتصاد المواطن وحساب قوة الجيش وقدرته على مواجهة العدو الذي لم يعد موجودا في أدبيات الجيش المصري؛ لأن العدو أصبح وكما ذكرت ونقلت لكم في المقال السابق هو الداخل، وضع تحتها ألف خط.

يتحدث مؤيدو السيسي عن تماسك الجيش المصري وقوته وأنه لولا قوة تسليحه لجرى له مثلما جرى للجيش في العراق وسوريا والسودان مؤخرا، ونسي هؤلاء ما سنذكرهم به الآن من أن بعض هذه الجيوش كانت قوية ولها ترتيب عالمي بين الجيوش من حيث القوة والقدرة

يتحدث مؤيدو السيسي عن تماسك الجيش المصري وقوته وأنه لولا قوة تسليحه لجرى له مثلما جرى للجيش في العراق وسوريا والسودان مؤخرا، ونسي هؤلاء ما سنذكرهم به الآن من أن بعض هذه الجيوش كانت قوية ولها ترتيب عالمي بين الجيوش من حيث القوة والقدرة.

فهل ينكر أحد أن جيش العراق كان الخامس عالميا يوما ما والأقوى والأكبر في المنطقة، وهو الذي خاض حربا طويلة ضد إيران لثماني سنوات وغزا الكويت ثم واجه جيوش الشرق والغرب في حرب تحرير الكويت 1991، ثم ضُرب وتم تفكيكه بعد ذلك في غزو أمريكا للعراق في 2003، ثم أين هو الآن وقد كان على النحو الذي كان؟ ماذا فعل الجيش القوي لبلد ضعيف ومهترئ يحكمه مستبد بل غاية في الاستبداد؟ هل نفعت القوة والتسليح وما قيل عن السلاح الكيماوي والنووي؟ وهل منع وجود جيش قوي من أن يتفكك العراق وينفصل عنه عمليا (الشمال الكردي) والذي أصبح تحت الحكم المحلي؟

لقد انهار الجيش وتم تفكيكه ليس بسبب سوء التسليح أو عدم التدريب، ولكن بسبب مغامرة القيادة. ولا أنكر هنا المؤامرة الخارجية والتآمر الداخلي على الجيش قبل القيادة السياسية، والنتيجة تحول الجيش إلى جيش فئوي بدرجة ما. ورغم كل تلك الحروب والخسائر والغزو والحرب على ما يسمى بالإرهاب، فإن الجيش العراقي يحتل المركز الرابع في ترتيب أقوى الجيوش العربية في 2022.

ولو ذهبنا إلى سوريا فالجيش السوري كان يعتبر واحدا من أكبر الجيوش العربية (دولة مواجهة) لعقود، وكانت القيادة السورية تفتخر بالجيش العربي السوري الذي لم يفلح في أي اختبار عسكري منذ استيلاء الأسد وعائلته على السلطة، فقد خسرت سوريا الجولان في عام 1967 ولم تستطع تحريرها لا حربا ولا سلما في 1973، وإلى اليوم لم يخض الجيش العربي السوري أي حرب سوى الحرب على شعبه منذ اندلاع الربيع العربي في سوريا وإلى اليوم، وكل ما رأيناه من قوة الجيش هي البراميل المتفجرة وقصف المدنيين والقتل الجماعي والتعذيب الممنهج. ومع ذلك فقد فقدَ هذا الجيش جزءا من أراضيه خلال الحرب على شعبه، بمعنى أنه خسر أرضا في مواجهة الثوار الذين لا يتمتعون بتسليح الجيوش كما الحال في الجيش السوري المدعوم من إيران وروسيا. انظر خريطة الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في سوريا، ثم نطرح السؤال المطلوب وهو: هل منعت قوة الجيش من تفكيك ولو جزئي للتراب السوري؟

ولو ذهبنا إلى السعودية وهي ثاني أكبر قوة عسكرية عربية حاليا ولها ترتيب متقدم عالميا، فسنجد أنها وبهذه القوة الضخمة فشلت في إخضاع الحوثي في اليمن، واضطرت بعد ثماني سنوات من الحرب التي شنها محمد بن سلمان (عاصفة الحزم) حين كان وزيرا للدفاع عام 2015 أن تجلس على مائدة التفاوض مع الحوثي وإيران؛ الداعم الأكبر له ولغيره من القوى المسلحة الشيعية في المنطقة.

ونعود إلى العشرية السوداء منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013 وإلى اليوم، لنرى كيف أن الجيش المصري ظل يخوض ما أسماها بالحرب على الإرهاب في سيناء، وأخيرا وبعد عشر سنوات أعلن انتصاره حين وقف الجنرال فوق تراب صحراء لم نعرف أين هي ومن حوله بضعة جنود وضباط، ليتحدث عن انتصار الجيش في الحرب على الإرهاب، وهي الحرب التي قارنها بنصر أكتوبر 1973، وهي مقارنة ظالمة لنصر أكتوبر ولكن الشيء لزوم الشيء، فالانقلاب يلزمه انتصار وحيث لا يمكن للجنرالات محاربة العدو فلا بد أنهم ينتصرون على الإرهاب.

تخوض الجيوش لتحرير الأرض المحتلة، ولكن أن يتم تجهيز الجيوش ثم نفقد الأرض المحررة أو الموارد التي كانت تحت أيدينا لعقود فهذه هي المعجزة التي حققها الجيش المصري في عشر سنوات! فقد فقدت مصر جزيرتين في المياه الإقليمية لها في البحر الأحمر بدون حرب، فتم تسليمهما مقابل عشرات المليارات التي تم ضخها في الاقتصاد المصري، حتى إن نيويورك تايمز الأمريكية اعتبرت الجزيرتين هدية امتنان من مصر نظير ما قدمته السعودية من دعم للاقتصاد عقب الانقلاب. 

في 15 كانون الثاني/ يناير 2020 افتتح الجنرال السيسي أكبر قاعدة عسكرية على البحر الأحمر (برنيس) في المنطقة الحدودية الجنوبية الممتدة من أسوان على مساحة 15 ألف فدان، وفي شهر نيسان/ أبريل 2023 انفجر الوضع في السودان الشقيق وتم اختطاف جنود وضباط مصريين من قبل قوات الدعم السريع بقيادة حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، وتم تصوير الجنود والضباط وهم يزحفون على بطونهم ويُنعتون بأسوأ الصفات والشتائم ولم تتحرك قوات الأسطول لتنقذ القوة المصرية المتواجدة هناك باتفاق مع دولة السودان، كما قال بيان مصري وآخر سوداني إنها قوات للتدريب، لكن لا أحد يعلم لماذا بقيت كل هذا الوقت على الرغم من أن اتفاقية التدريب العسكري وُقعت في عام 2021؟ ورغم ذلك تم التعامل مع الجنود على أنهم أسرى حرب وتم تسليمهم للصليب الأحمر الدولي، ولم تظهر أي صور لعودة الجنود الأسرى حتى تاريخه ولم تتحرك قوات القاعدة الكبيرة القريبة من الحدود، فمتى يمكن للجيوش أن تتحرك إذا فقدت الأرض لم تتحرك، وإذا اختطف الجنود لم تتحرك وإذا منع عنا ماء النيل لم تتحرك تلك القوات؟

وهنا أستدعي أبياتا من قصيدة الشاعر الكبير أحمد مطر "حكاية عباس":

عباس اليقظ الحساس
قلب أوراق القرطاس
ضرب الأخماس لأسداس
أرسل برقية تهديد!!
فلمن تصقل سيفك يا عباس
لوقت الشدة
اصقل سيفك يا عباس!!

وفي حزيران/ يونيو 2020، أي في نفس عام افتتاح قاعدة "برنيس" قام السيسي وشريكه محمد بن زايد، بافتتاح أكبر قاعدة عسكرية بحرية على الحدود المصرية مع دولة ليبيا الشقيقة (قاعدة محمد نجيب)، ومع ذلك لم تستطع هذه القاعدة ولا غيرها حسم المعارك لصالح حليفهما المشترك خليفة حفتر في معاركه المتكررة والخاسرة ضد الحكومة الليبية الشرعية في طرابلس، المعترف بها دوليا، حين قامت تركيا بدعم الحكومة الشرعية ونجحت في صد الهجوم، وانتهى الأمر بخيبة أمل كبرى اعتبرها البعض في السلطة نصرا عظيما بينما الحقيقة أن الحكومة الشرعية لا تزال في السلطة وفشل انقلاب حفتر المدعوم مصريا وإماراتيا.

تعتبر مصر والسعودية وقطر من أكبر الدول العربية استيرادا للسلاح رغم الفوارق الكبيرة في الناتج القومي وفي الاحتياطي النقدي وفي احتياطيات النفط والغاز، ولكن وحسب التقارير المنشورة عاما بعد عام فإن مصر في المرتبة السادسة عالميا بنسبة 4.5 في المئة من إجمالي مشتريات السلاح في العالم، حسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام للفترة من 2018 و2022، بينما قفزت السعودية إلى المرتبة الثانية عالميا بعد الهند بنسبة 9.6 في المئة أما قطر فقد قفزت إلى المرتبة الثالثة العالمية بنسبة 6.4 في المئة، مع العلم أن مشتريات السعودية تراجعت عن ذي قبل إذ كانت تصل إلى 10 في المئة في 2017.
 
ورغم أن مصر تمتلك رصيدا كبيرا وإرثا هائلا من التصنيع الحربي ولديها وزارة متخصصة و16 مصنعا لإنتاج الذخيرة والسلاح؛ تحول بعضها لإنتاج الأجهزة المنزلية المتنوعة والتي تنافس شركات ومصانع القطاع الخاص، إلا أن مصر لم تدرج ضمن قائمة الدول المصدرة للسلاح، على الرغم من وجود دولتين عربيتين ضمن قائمة الدول المصدرة للسلاح في الأعوام الأخيرة وهما الأردن الشقيق والإمارات الشقيقة أيضا اللذان حجزا موقعهما بين أكبر 25 دولة مصدرة للسلاح في العالم 2022.

شهد الجيش المصري تحولا كبيرا في الاستراتيجية العسكرية كما شرحنا في قصة جمهورية الضباط، ولكن التغول العسكري في المجال الاقتصادي أصبح مثيرا للدهشة وسط كل أجواء التسمم الموجودة من حولنا، ووسط هذا الكم من الصراعات المحيطة بنا، ووسط كل الحرائق المشتعلة في دول الجوار، ورغم المآسي التي مرت ولا تزال تمر بعالمنا، ما يجعلنا ننظر بحسرة وألم على هذا التحول، وهل يصلح أن يستمر أكبر جيوش المنطقة على نفس الحالة الموجودة منذ أربعة عقود أو يزيد؟

لقد شهد الجيش المصري تحولا كبيرا في الاستراتيجية العسكرية كما شرحنا في قصة جمهورية الضباط، ولكن التغول العسكري في المجال الاقتصادي أصبح مثيرا للدهشة وسط كل أجواء التسمم الموجودة من حولنا، ووسط هذا الكم من الصراعات المحيطة بنا، ووسط كل الحرائق المشتعلة في دول الجوار، ورغم المآسي التي مرت ولا تزال تمر بعالمنا، ما يجعلنا ننظر بحسرة وألم على هذا التحول، وهل يصلح أن يستمر أكبر جيوش المنطقة على نفس الحالة الموجودة منذ أربعة عقود أو يزيد؟ كيف يمكن أن يتورط الجيش في الحياة المدنية اقتصاديا وسياسيا بهذه الصورة بينما ليبيا تشتعل، والسودان يحترق، واليمن قد تم تدميره، والعراق للتو يكاد يخرج من محنته، وسوريا تصارع بين البقاء على قيد الحياة أو الموت تحت أقدام آل الأسد، وفلسطين لا يكاد يمر عام دون اشتعال وقصف وعدوان صهيوني على غزة والقطاع؟

يتوغل الجيش المصري حسب خطة الجنرال في كافة القطاعات الحيوية المدنية، فلا تكاد تسمع عن اسم محافظ إلا مسبوقا بكلمة اللواء ولا وزير إلا هكذا الحال، ولا رئيس هيئة حيوية أو قطاع مهم إلا وتجده لواء سابقا أو سابقا. وأنا هنا لا أتحدث عن القطاعات الخدمية التي يمتلكها الجيش فهي مزروعة باللواءات والعمداء، بل أتحدث عن الوزارات والقطاعات المدنية بعيدا عن الجيش والشرطة، حيث تجد أن وزارة النقل وحدها بها ما يزيد عن 60 لواء وعميدا عسكريا يحتلون المناصب العليا، وهكذا في الصحة والتعليم والتجارة، ناهيك عن المحافظات التي يحتل اللواءات فيها منصب السكرتير العام، كما يحتل العمداء (العسكريون) فيها مناصب السكرتير المساعد للمحافظ الذي في الغالب يكون أيضا من قيادات الجيش أو الشرطة أو المخابرات العامة أو الحربية.

لا يكاد يمر يوم إلا وتصدر تقارير من هنا وهناك حول توسع دور الجيش الاقتصادي، ولا يكاد يمر حديث من أحاديث الجنرال إلا ويزعم فيها أن نشاط الجيش الاقتصادي إنما هو تحريك لاقتصاد البلاد، وحين أعلن  صندوق النقد الدولي أنه لا مزيد من القروض قبل أن يخفف الجيش قبضته عن الاقتصاد أعلن الجنرال أنه سيتم طرح بعض المشاريع الكبرى للجيش في البورصة. ولكن يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة، فقيادات الجيش لا ترغب في ذلك، وهي أيضا لا ترغب في خوض حرب لتأمين مستقبل مياه نهر النيل رغم أن وجود سد النهضة يعتبر تهديدا وجوديا، ولا حرب لتحرير الجنود الأسرى؛ وربما لا يرغبون في العودة إلى الوظيفة الأساسية للجيوش وهي الدفاع عن الحدود، بعد أن ذاقوا حلاوة الاستثمار ولو على حساب الشعب الذي يعاني.

مشكلة الوضع الراهن أنه يجعل من الجيش دولة ابتلعت الدولة المصرية ويجعل من السيسي أو أي جنرال يحكم البلاد مكانه بمثابة أمير الجيوش الذي يقودها في حرب مفتوحة ضد الشعب. قد تتعجب من هذا الوصف ولكنها الحقيقة في ظل تحول وظيفة الجيش من حماية الحدود إلى السيطرة على المواطنين وإرهابهم؛ ليس باستخدام القوة الغاشمة فحسب ولكن بالسيطرة على لقمة عيشهم..

قد تحتاج مصر إلى عقود حتى تدرك حقيقة ما جرى في هذه العشرية السوداء.
التعليقات (0)