الأزمة الراهنة فى السودان الشقيق للأسف ليست مجرد أزمة عابرة، تنتهى نهاية سريعة كما يحلم أنصار كل فريق.
عدد كبير من المتابعين فى العالم العربي يتعاملون مع كثير من الأحداث باعتبارها مباريات كؤوس لا بد أن تنتهى بفوز فريق، وهزيمة آخر، بل والبعض يتزيد ويتشدد ويتعامل مع
الأزمات باعتبارها مباريات ملاكمة، ويتمنى أن تنتهى بالضربة القاضية وليست حتى بالنقاط.
هذا النوع من الناس ينسى ويتناسى أن غالبية هذه الأزمات المشابهة لم تنته بالسرعة التي يتمنونها وبعضها مستمر منذ عقود طويلة، وأغلب الظن أن بعضها سوف يظل مستمرا لوقت لا يعلمه إلا الله، طالما أن الأسباب الموضوعية التي أدت وقادت إليها، ما تزال مستمرة.
خطورة هذا النوع من التفكير أنه شديد السطحية، ولا يريد أن يعرف أو يدرك الحقائق والوقائع والبيئة والظروف التي قادت إلى اشتعال أزمة معينة. هو تفكير يريد أن تنتهي الازمة بالصورة التي يتمناها، ومثلما يفعل طفل صغير مع لعبة، يريدها بكل السبل وإذا لم ينجح فليس أمامه إلا الصراخ!!
هؤلاء المستعجلون لو تأملوا وتدبروا وقرؤوا ودرسوا العديد من الأزمات المشتعلة منذ فترة طويلة في منطقتنا، لتريثوا كثيرا وتوقفوا عن الانفعال والشد العصبي!
حينما أقرأ تعليقات لهذا النوع من المتابعين العرب لبعض أزماتهم، أتأكد من أن هذا مرض عربي بامتياز.
نوعية التعليقات تتحدث عن ليس فقط الانتصار على الخصم، بل وضرورة سحقه من الوجود تماما. وهذا هو عين العقل الأحادي الذي لا يرى أحدا آخر بجواره.
في حين أن الأزمات الإنسانية الكبرى صحيح أن بها فائزا ومهزوما، ولكن ليس بها إطلاقا الضربة القاضية؛ لأنها لو كانت موجودة لاختفت العديد من شعوب العالم من الوجود تماما، حينما انهزمت أمام دول وأمم أخرى. لكن الواقع يقول إنها انهزمت، لكن معظمها تمكن من الوقوف على قدميه مرة أخرى وانتصرت لاحقا.
نعود لموضوعنا مرة أخرى، ونشير إلى أن بعض الأزمات التي كان بعضنا يعتقد بضرورة حسمها فورا، لم تحسم وما تزال مستمرة.
حينما بدأ الصراع بين الفرقاء في ليبيا بعد إسقاط القذافي مباشرة، خصوصا بين الشرق والغرب. كان كل فريق يقول إنه سوف ينتصر خلال أيام قليلة. وكما هو معلوم ما يزال الوضع يراوح مكانه حتى هذه اللحظة.
والغرب غرب والشرق شرق، ولم يلتقيا حتى الآن، ولم يتمكن أي طرف من الأطراف المتصارعة من حسم الأمور لصالحه عسكريا أو سياسيا.
نتذكر أيضا أن تنظيم داعش الإرهابي تمكن من السيطرة على أكثر من نصف مساحة العراق. وكنا نتمنى أن يتم دحره فورا، لكنه ظل مسيطرا لأكثر من عامين، بل وما يزال قادرا على شن هجمات انتحارية بين الحين والآخر.
نفس الأمر في سوريا ولكن بصورة أسوأ؛ فالتنظيمات الإرهابية سيطرت على مساحات واسعة من سوريا، ورغم الضربات الموجعة التي تعرضت لها، إلا أنها ماتزال تسيطر على مناطق في شمال غرب البلاد خصوصا ريف إدلب بدعم من تركيا، كما يسيطر الأكراد على مناطق في دير الزور شرقا. الأزمة السورية بدأت منذ آذار/مارس ٢٠١١ وماتزال ذيولها مستمرة حتى الآن.
الأزمة اليمنية بدأت أيضا عام ٢٠١٥ حينما انقلب الحوثيون على الشرعية وسيطروا على صنعاء ومدن كثيرة في الشمال، وكان البعض يعتقد أن الأزمة سوف تنتهي خلال أيام على أقصى تقدير، لكن نعرف أنها ما تزال مستمرة حتى الآن، وإن كنا نأمل أن تبدأ في الانفراج بعد المصالحة السعودية الإيرانية الأخيرة.
غني عن البيان أن هناك أزمة اسمها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان منذ عام ١٩٦٧، كما نتذكر أن حركة حماس تمردت على الشرعية الفلسطينية وسيطرت على قطاع غزة بالكامل منذ عام ٢٠٠٧، وكل يوم كانت السلطة الفلسطينية تقول إنها سوف تستعيد الشرعية، لكنها لم تفعل والسبب أن هناك مشاكل جوهرية كامنة في المشهد الفلسطيني، خصوصا الاحتلال الذي يشجع الانقسام ويغذيه.
خلاصة القول؛ إن معظم الأزمات السياسية والإنسانية والاجتماعية لا تعرف الحلول العاجلة، لكنها متوقفة على تشابكات كثيرة تجعلها مرشحة للاستمرار ما لم يتم القضاء على مسبباتها الأساسية.
(الشروق المصرية)