كشفت كواليس زيارة الرئيس
المصري عبد الفتاح
السيسي، الخاطفة إلى
السعودية ولقاء
محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود في
مدينة جدة، عمق الأزمة
الاقتصادية، واستمرار تمسك دول الخليج بموقفها من انتهاء
زمن "الشيكات على بياض".
وكان السيسي قام بزيارة غير معلنة إلى
السعودية، الأسبوع الماضي، وذكر المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن الجانبين أكدا
الحرص المتبادل على تعزيز التعاون المشترك في جميع المجالات، بالإضافة إلى مواصلة
التنسيق والتشاور تجاه التطورات والقضايا الإقليمية والدولية.
ولم يتطرق بيان الرئاسة إلى أي حديث عن
ضخ استثمارات سعودية جديدة في مصر، ورغم مرور نحو أسبوع على الزيارة فإنها لم تسفر عن أي تعهدات تقدمها الرياض بدعم خزائن القاهرة الخاوية. لكن صحيفة "وول ستريت
جورنال" كشفت عن فشل السيسي في الحصول على أي وعود تقدم من أجل إنقاذ مصر من محنتها غير المسبوقة.
اظهار أخبار متعلقة
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن مسؤولين
مصريين وخليجيين كشفوا أن السعودية ودولا خليجية أخطروا مصر، في سياق التحذير، بأن
أي خطط إنقاذ مالي ستعتمد على خفض القاهرة لقيمة العملة، وتعيين مسؤولين جدد
لإدارة الاقتصاد.
ونقلت الصحيفة عن مصادر قالت إنها
مطلعة، خليجية ومصرية قولها، إن دول الخليج "تريد عوائد أفضل لأموالها، وخفض
قيمة الجنيه يأتي على رأس قائمة اشتراطات دول الخليج، ما قد يجعل الاستثمارات أكثر
ربحية".
وإلى جانب خفض قيمة الجنيه، كشفت
الصحيفة، أن الخليج طلب تقليص مشاركة الجيش المصري في الاقتصاد، لصالح دور أكبر
للقطاع الخاص، "وهي خطوة من شأنها السماح للشركات الخليجية بالاستحواذ على
حصص في قطاعات النمو المصرية".
وما زاد الضغوط على مصر أن المفاوضات
بين القاهرة وصناديق الثروة السيادية والشركات في الخليج، بشأن أصول حكومية مصرية
مختلفة، توقفت، ولم تؤت ثمارها، بسبب اعتقاد الخليج أن قيمة الجنيه لا تزال مبالغا فيها، وجرى اتفاق بين الخليج وصندوق النقد الدولي على أن مصر بحاجة إلى كبح جماح
الإنفاق المالي، وتقليص دور الجيش في الاقتصاد.
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة
أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، أن "الزيارة فشلت بالفعل في إحداث أي اختراق
للموقف السعودي الرافض بصفة خاصة والموقف الخليجي بصفة عامة؛ لعدة أسباب، على رأسها
ما أثير من وجود تسريبات للسيسي تنال من القادة الخليجيين في ظل وجود صراع سعودي
إماراتي للاستحواذ على الشركات المصرية بأقل ثمن، ومهمة الأخيرة هو سقوط أصول مصر
في يدها".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "هناك تخوفات لدى دول الخليج من استغلال السلطات المصرية لأموالها وإساءة
التصرف فيها كما حدث طوال العقد الأخير، خاصة وأنها استمرأت الاعتماد عليهم في كل
أزمة وتقديم المساعدات والمعونات دون مقابل، إلى جانب تخوفها من خروجها خالية
الوفاض بعد كل هذه المساعدات الكبيرة، لذلك قرروا أن يتفقوا في موقفهم من رفض منح
النظام الحالي شيكات على بياض".
واعتبر شاهين أن "موقف السعودية
والإمارات والكويت هو رسالة للسيسي أن رفع الغطاء المالي عنه سوف يؤدي إلى سقوط
نظامه، كما أن الموقف الخليجي يضغط بقوة على صورة الجيش المهيمن على مقدرات البلاد
وإظهاره بصورة المسؤول عن الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار وتردي أحوال ليس ملايين
المصريين بل كل الشعب المصري".
ورأى أن "مطالب دول الخليج برفع
الجيش يده عن الاقتصاد سوف يسمح لها بأن يحل محلها وامتلاك ما يريد من أصول ثمن
تلك المساعدات، كما أن مطالبها بخفض الجنيه يصب في صالح حصولها على المزيد من الأصول
بأسعار زهيدة تعوض ما تم دفعه؛ وبالتالي فإما أن يرضخ السيسي لمطالبهم، أو يستحث
الجيش على إخراج أمواله، أو استعادة الأموال التي تم تهريبها للخارج".
اظهار أخبار متعلقة
تعثر البيع وتأخر الدعم
وتواجه مصر جدولا مزدحما بالديون،
يتعين سداد ديون خارجية بنحو 9 مليارات دولار تستحق السداد في عام 2023 الذي ينتهي
في تموز/ يوليو المقبل، وتشير الأرقام إلى أن مصر تحتاج إلى 41 مليار دولار لتغطية
مدفوعات الديون وعجز الحساب الجاري حتى نهاية العام.
وكان المجلس التنفيذي لصندوق النقد
الدولي قد وافق منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، على عقد اتفاق مدته 46 شهرا مع
مصر في إطار "تسهيل الصندوق الممدد" بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي
تقريبا، كما يشمل حزمة شاملة من السياسات الهادفة إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي
الكلي، واستعادة الاحتياطيات الوقائية، وتمهيد الطريق نحو تحقيق نمو شامل بقيادة
القطاع الخاص.
وتوقع الصندوق أن تفضي الإصلاحات
الهيكلية في تقليص بصمة الدولة وضمان المنافسة العادلة بين القطاعين العام والخاص،
وتعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص، وتعزيز الحوكمة والشفافية. ومن شأن "تسهيل
الصندوق الممدد" سد جزء من الفجوة التمويلية، والتشجيع على إتاحة المزيد من
التمويل في صورة استثمارات لصالح مصر من شركائها الدوليين والإقليميين لسد الفجوة
المتبقية، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وكان السيسي وافق في 29 كانون الأول/
ديسمبر الماضي، على وثيقة سياسة ملكية الدولة، المعروفة إعلاميا بـ"وثيقة بيع
أصول الدولة"، وتضع الوثيقة خارطة طريق للحد من دور الدولة -بما فيها القوات
المسلحة- في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص،
وتوفير 40 مليار دولار على مدى السنوات الـ4 المقبلة.
اظهار أخبار متعلقة
لماذا عاد السيسي بخفي حنين؟
يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور علاء
السيد، إن "النظام المصري الآن حائر، نتيجة تريث الصناديق السيادية الخليجية
في ضخ الدولارات مقابل الاستحواذ على أصول الدول المصرية التي تخطط الحكومة
المصرية للتفريط فيها بأبخس الأثمان للضغط على الحكومة لخفض قيمة الجنيه المصري،
وتحرير سعر صرفه بشكل كامل".
وبشأن مكاسب دول الخليج من خفض الجنيه، فقد أوضح لـ"عربي21" أنه "مع تثبيت تقييم الأصول والشركات الرابحة على
أساس الجنيه المصري، فسوف يحقق أعلى ربحية آنية فورية من عمليات الاستيلاء عليها مع
تفاقم الديون الخارجية لأرقام قياسية وصعوبة تدبير أقساطها وخدمة الدين في ظل
تراجع إيرادات السياحة والصادرات وتحويلات المصريين بالخارج".
وبحسب الخبير الاقتصادي فإن "النظام المصري أصبح أقرب إلى حالة الانهيار تحت أعين دول الخليج ولكنها هي التي تحدد
متى تمنع أو تؤجل هذا الانهيار، لذلك فقد عاد السيسي بخفي حنين. والنظام ليس أمامه ثمة
طريق لتدبير العملة الأجنبية سوى الرضوخ لشروط الحصول على هذا النقد الأجنبي
لاستمرار دولاب العمل الحكومي والاستقرار النسبي للأمن الغذائي للمواطنين".