صحافة دولية

إيكونوميست: التنافس بين الولايات المتحدة والصين دخل مرحلة خطيرة

في ظل إيمان كل طرف برؤيته فإن من السذاجة الاعتقاد بأن الدبلوماسية ستؤدي للسلام- إيكونوميست
في ظل إيمان كل طرف برؤيته فإن من السذاجة الاعتقاد بأن الدبلوماسية ستؤدي للسلام- إيكونوميست
نشرت مجلة "إيكونوميست" افتتاحية حذرت فيها من التنافس الأمريكي الصيني الذي قالت إنه يزداد خطورة، وما يراه المسؤولون الصينيون من تنمر أمريكي يسهم في توتر العلاقة.

وتقول إنه كان الأمل أن تفضي إعادة فتح الصين بعد سنوات من الإغلاق بسبب كوفيد-19 وعودة الاتصالات بين السياسيين والدبلوماسيين ورجال الأعمال، إلى تخفيف التوتر بين الصين والولايات المتحدة، وأن يؤدي ذلك إلى سلسلة من المآدب والقمم والأحاديث الصغيرة.

إلا أن المزاج في الصين اليوم يظهر أن العلاقات مع واشنطن أصبحت تتسم بالمرارة والعدوانية أكثر من أي وقت مضى.

ففي أروقة السلطة للحزب الشيوعي الصيني يقوم المسؤولون بشجب ما يرونه التنمر الأمريكي، ويقولون إن نية الولايات المتحدة هي ضرب الصين حتى الموت.

وعبر عدد من مدراء الشركات المتعددة الجنسيات في مؤتمر عقد في داياويوتاي بالصين عن مخاوفهم من التنافر العميق بين بكين وواشنطن وأثره على تجارتهم. ولكن الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع هو أنه في أحسن الحالات ستكون هناك عقود من الفصل وفك الارتباط وهذا هو أسوأ من الحرب.

وكل طرف يتبع منطقه الذي لا يفهمه الآخر. فقد تبنت أمريكا سياسة الاحتواء مع أنها تتجنب استخدام المصطلح. وترى في الصين المستبدة دولة تحولت من حكم الحزب الواحد إلى حكم الرجل الواحد.

ومن المتوقع أن يبقى شي جينبينغ في السلطة لسنوات وهو معاد للغرب الذي يعتقد أنه في حالة انحطاط. ويتبنى في داخل الصين سياسة قمعية تتحدى القيم الليبرالية، فقد كسر وعوده بضبط النفس وهو يستعرض السلطة للخارج، من هونغ كونغ إلى جبال الهملايا. وأكد لقاؤه مع الرئيس فلاديمير بوتين أن هدفه هو بناء نظام دولي بديل وصديق للمستبدين.

وبمواجهة هذا، تقوم الولايات المتحدة بتسريع عمليات الاحتواء العسكري للصين في آسيا، حيث قامت بإحياء تحالفات قديمة وبناء أخرى جديدة، مثل أوكوس، وهو التحالف الأسترالي-البريطاني-الأمريكي.

وفي مجال التجارة والتكنولوجيا تفرض واشنطن حصارا على أشباه الموصلات وبقية البضائع. والهدف هو إبطاء عمليات الاختراع الصينية والتأكد من أن الغرب قادر على الحفاظ على تفوقه التكنولوجي.

بالنسبة للقيادة الصينية فهذا عمل يفسر بأنه محاولة لشل بلادهم. فأمريكا في عيونهم لن ترضى بأن تكون دولة أخرى أقوى منها، مهما كانت شيوعية أم ديمقراطية. ولن تتسامح أمريكا مع الصين إلا في حالة إذعانها وكونها "قطة سمينة وليس نمرا".

اظهار أخبار متعلقة


أما المحاولات الأمريكية العسكرية وتحالفاتها في آسيا فهي من أجل إشعار الصين بأنها محاصرة في مجال التأثير الطبيعي لها. وتم تجاهل الخطوط الحمر التي اتفق عليها البلدان في سبعينيات القرن الماضي مثل تايوان، وداس عليها ساسة أمريكيون متغطرسون ومتهورون.

ويرى قادة الصين أن زيادة الحشد العسكري هي الخيار المفضل.

وفي المجال التجاري، يرى قادة الصين أن المعاملة التي يلقاها بلدهم غير عادلة، فلماذا يجب حرمانها من التكنولوجيا الحيوية لها؟

وشعر قادة الصين بالرعب من الطريقة التي هاجم فيها قادة الكونغرس "تيك توك"، وهي شركة تابعة لشركة صينية، هذا الشهر.

وفي ضوء تمكن كل طرف وإيمانه برؤيته فإن من السذاجة الاعتقاد بأن الدبلوماسية أو مزيدا منها ستؤدي إلى السلام.

وترى المجلة أن لقاء جو بايدن وشي في جزيرة بالي في إندونيسيا خفف من التوتر، إلا أن حس المواجهة عاد وأكد نفسه من جديد.

وأظهرت قضية منطاد التجسس الذي يطلق عليه الصينيون بسخرية "المنطاد الشقي" الطريقة التي يجب على كل من الزعيمين الظهور بها بمظهر القوي أمام شعبه.

وتريد أمريكا من الصين أن تتبنى حمايات مثل خطوط ساخنة وبروتوكولات متعلقة بالسلاح النووي، إلا أن الصين تعتبر نفسها الطرف الأضعف. ولماذا عليك ربط نفسك بقواعد فرضها الطرف المتنمر؟ ولا يوجد هناك ما يشي بتراجع المواقف العدوانية، وستظهر انتخابات 2024 أن الهجوم وتعنيف الصين سيتحولان إلى مبارزة بين الحزبين. ويواجه شي اقتصادا بطيئا وربط نفسه في الداخل برؤية تقوم على إحياء الاقتصاد.

وأمام هذا الطرف المعادي، فإن على أمريكا والمجتمعات المفتوحة الأخرى أن تلتزم بثلاثة مبادئ، الأول هو تحديد عملية الفصل الاقتصادي والتي يرى صندوق النقد الدولي أنها قد تؤدي إلى تراجع 0.2% من الناتج المحلي العام إلى نسبة مقلقة وهي 7%. وتساعد التجارة في المواد غير الحساسة على بناء اتصالات مع الشركات ما يقلل من حدة الانقسام الجيوسياسي.

ويجب تخصيص العقوبات للمجالات الحساسة والتي تعتبر الصين طرفا محتكرا لها، وهذا ينسحب على غالبية التجارة الصينية الأمريكية. ويجب تجنب أي مواجهة تجارية تعيد أصداء الحرب الباردة، مثل الهجوم على "تيك توك" المتهم بنشر التضليل الصيني، وبدلا من إغلاقها أو إجبارها على الإغلاق فإنه يجب التحصن منها، بيعها أو تعديلها.

المبدأ الثاني هو تخفيف فرص اندلاع الحرب. ويواجه الطرفان "معضلة أمنية" تدفع كل منهما لتقوية موقعه، حتى لو أدى هذا لإشعار الطرف الآخر بأنه مهدد. ومن حق الغرب البحث عن طرق لحماية مصالحه من التهديد الصيني وإلا لكان البديل هو انهيار النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في آسيا. ولكن البحث عن هيمنة أو استفزاز في مناطق ساخنة مثل تايوان بحيث تخرج الأمور عن السيطرة أمر لا معنى له. ويجب على أمريكا أن تردع الصين من الهجوم على تايوان بدون استفزازها للقيام بهذا العمل. وهذا يحتاج إلى حكمة وانضباط من الجيل السياسي في واشنطن وبكين الذي وعلى خلاف قادة أمريكا والاتحاد السوفييتي في الخمسينيات من القرن الماضي فإنه لم يشهد فظائع الحرب العالمية الثانية.

اظهار أخبار متعلقة


أما المبدأ الأخير فهو أن على أمريكا وحلفائها تجنب أي تصرف يجعلها مثل المستبدين الذين تحاول ضبط تصرفاتهم. وفي هذه المنافسة بين الليبراليين والمستبدين، فإن الاقتصاديات الكبرى لها ميزة، أنها قادرة دائما على الإبداع وبناء الثروة والحصول على الشرعية في الداخل والخارج. ولو التزمت أمريكا بقيم الانفتاح ومعاملة الجميع على قدم المساواة وحكم القانون فإنها ستجد سهولة لكي تحافظ على ولاء كل حلفائها.

وعلى أمريكا التأكيد أن خلافاتها ليست مع الشعب الصيني بل مع الحكومة الصينية التي تمثل تهديدا على السلام والأمن العالميين. فالمعركة في القرن الحادي والعشرين ليست عن الأسلحة والرقائق بل على الكفاح من أجل القيم أيضا.
التعليقات (0)