قضايا وآراء

كيف نتعامل مع موجة أيتام الزلزال الجديدة؟

هاني بشر
الخوذ البيض
الخوذ البيض
تذكرنا الكوارث الطبيعية بأننا بشر من تراب متساوون، فحين تحل الكارثة لا تفرق بين أبيض وأسود أو بين جنسية وأخرى.. السوري والتركي والمصري والجزائري والسعودي ضحايا تحت الركام سواء وإن اختلفت النسبة والأعداد، لهذا فإنه من النقاط القليلة المحمودة في نظام التعاون الدولي هي النفرة للمساعدات وقت الكوارث. لكن حجم كارثة زلزال تركيا وسوريا كبير وخسائره فادحة، وهناك فئات أكثر هشاشة هم هؤلاء الأطفال الذين فقدوا ذويهم تحت الأنقاض مشكلين موجة جديدة من آلاف الوجوه البريئة تبحث عن معيل ومربي، هذه الموجة قد يكون للتعاون الدولي دور فيها وهناك عدة ملاحظات على هذا الأمر.

لم تكن دولة بحجم تركيا مهيأة لزلزال بهذا الحجم فتداعت لها المساعدات الدولية من كل حدب وصوب. ولا شك في أن البلاد ستستطيع أن تستوعب بعض تداعيات موجة الأيتام الأتراك الجديدة وربما أيتام اللاجئين السوريين، لكن ماذا عن الأيتام السوريين على الضفة الأخرى من الحدود السورية؟ ثمة ناقوس خطر ينبغي دقه وسط ضجيج أعمال الإغاثة وصيحات البكاء والألم والتضامن؛ لأن الأمر يتجاوز مخاطر نقص الرعاية إلى التربية ويمتد أيضا لمسألة الأمان الشخصي.

قبل عدة سنوات قمت بتحقيق صحفي يستقصي مصير الأطفال السوريين الذين وصلوا من دون ذويهم إلى بريطانيا ووجدت عدة مفاجآت؛ أهمها أن نظام كفالة الأيتام لا يمكّن الأسر العربية والمسلمة من كفالة الأطفال السوريين لأن النظام يعتمد على جدول أيتام متعددي الجنسيات والأديان في المناطق المحلية، وعلى الراغب في الكفالة أن يتقيد بمن هو على رأس الجدول. وقد حاولت رموز من الجاليتين العربية والسورية شرح الأمر للسلطات بأن اختيار الأطفال السوريين سيشجع كثير من الأسر العربية والمسلمة على تقديم هذه الخدمة أسوة بالوضع في كندا، لكن السلطات رفضت للأسف.

الأمر قد يكون هيّنا إذا وقف عند هذا الحد، رغم المخاطر التربوية والقيمية، لكن للأسف رصدتُ أيضا حينها اختفاء أطفال لاجئين من السجلات الرسمية. ويبدو أن المشكلة تفاقمت خلال السنوات الماضية، ففي شهر كانون الثاني/ يناير الماضي فجّرت صحيفة الغارديان البريطانية قضية اختفاء عشرات الأطفال من طالبي اللجوء بعد اختطافهم من فندق تديره وزارة الداخلية في مدينة برايتون الساحلية جنوب البلاد، وهو ما يفتح الباب على كافة الاحتمالات منها وقوعهم في يد شبكات الاتجار بالبشر.

يعني هذا أولا: أن المساعدات الدولية إذا طرحت في هذا الملف لن تكون حالا كافية لأزمة الأطفال الأيتام جراء الزلزال، فيجب أن تكون هناك جهات إشرافية من تركيا أو المجتمع المدني السوري أو الأمم المتحدة على هذا الملف. وهذا لا يعد تدخلا في شئون الدول الأخرى، ولكن لمجرد ضبط وضمان سلامة هؤلاء الأطفال، وتعميم النموذج الكندي الذي يتيح للأسر العربية والمسلمة كفالة هؤلاء الأيتام. وثانيا: هو أن تأخذ الدول العربية هذه القضية في الحسبان، سواء على صعيد دعم الملاجئ في الشمال السوري ودعم مبادرات المجتمع المدني الرامية لسد العجز في هذا الملف. وثالثا: الضغط على الدول الغربية التي استحدثت قواعد جديدة توسّع من لم شمل العائلات السورية مثل ألمانيا؛ من أجل أن تسمح للأسرة الممتدة بكفالة أطفال سوريين بنفس مزايا ومخصصات كفالة الأيتام في بلادهم.

لقد كان لصحوة الوعي بالصحة النفسية خلال السنوات الماضية أثر محمود لمسنا وجوده في الجهود الإغاثية الحالية التي وضعت الصحة النفسية للكبار والصغار الناجين من الزلزال ضمن أولوياتها. وقد آن الأوان أن يكون شأن الأطفال الأيتام أولوية أخرى لا تقل أهمية مستفيدين من خبرة أكثر من عشر سنوات من اللجوء السوري في أصقاع الأرض.

twitter.com/HanyBeshr
التعليقات (0)

خبر عاجل