قضايا وآراء

"لماذا عاقب الله أردوغان بالزلزال"؟!

ممدوح المنير
هل يجري تسييس كارثة الزلزال؟- الأناضول
هل يجري تسييس كارثة الزلزال؟- الأناضول
وجدت صديقي المشاكس، كثير الأسئلة، يلحّ عليّ لنلتقي بعد الزلزال الكبير في تركيا وسوريا، أخذ ينظر إلي بنظرة تجمع بين السخرية والغضب وقليل من الخبث، بعد السلامات والتحيات قال لي: ما رأيك بالزلزال؟ وقبل أن أفتح فمي قال لي: طبعا ستقول ابتلاء ونصبر ونحتسب وكوارث طبيعية وأمثال هذا الكلام الجميل.

قلت له، يبدو عليك أنّك متحفزّ هذه المرة عن سابقتها، قال أجبني ولا تهرب من السؤال، قلت له إذا أعطني فرصة ولا تقاطعني حتى أنتهي.

قلت له" حدوث الزلزال لم يكن سرا في تركيا والجميع يعلم أن هناك زلزالا كبيرا في الطريق، وكل مواطن يمتلك عقارا أو شقة يدفع سنويا تأمينا خاصا بالزلازل حتى تبني له الحكومة بيته إذا ما تهدم أثناء الزلزال.
دعني أزيدك من الشعر بيتا، غالبية الدراسات المتعلقة بالأعوام الألف الماضية لهذه المنطقة ترصد زلزالا كبيرا بدرجة 6 درجات على مقياس ريختر فما فوق كل 15 سنة تقريبا، وسوف أترك لك رابطا لهذه الدراسة (1).

العلم يقول إن الزلازل المتوسطة والكبيرة قدر حتمي في هذه المنطقة، وهل تعرف يا صديقي أن هناك نحو "نصف مليون زلزال يضرب الأرض سنويا، نحو 100 ألف من هذه الزلازل يمكنك أن تشعر بها، ومئة فقط يمكن أن تكون ذات أثر ضار أو مدمر، كما حدث في حالة زلزال تركيا الأخير"

لذلك يا صديقي العلم يقول إن الزلازل المتوسطة والكبيرة قدر حتمي في هذه المنطقة، وهل تعرف يا صديقي أن هناك نحو "نصف مليون زلزال يضرب الأرض سنويا، نحو 100 ألف من هذه الزلازل يمكنك أن تشعر بها، ومئة فقط يمكن أن تكون ذات أثر ضار أو مدمر، كما حدث في حالة زلزال تركيا الأخير"(2).

قاطعني قائلا: ها كما توقعت، تدافع عن الزلزال!!

نظرت له مندهشا، أدافع عن الزلزال!! هل هو من العائلة حتى أدافع عنه؟!

قال لي بنظرة ماكرة: أقصد هل لو كان الزلزال في السويد مثلا كنت ستقول نفس الكلام؟

قلت له أنت تنقلني إلى نقطة أخرى إذا، الآن تتحدث عن التوظيف السياسي للحدث، سأريحك هذه المرة.

بكل تأكيد الكلام العلمي لن يختلف، فالعلم لا يحابي أحدا وسنن الله لا تتغير لفلان أو علان، وقد حدثت الزلازل في عهد الصحابة، ففي عهد عمر بن الخطاب رجفت المدينة أي اهتزت، فقال: "ما رجفت إلا لحدث أحدثتموه، وإن عادت لا أساكنكم فيها"، هذا غير الأوبئة والمجاعات التي كان تأثيرها أسوء من الزلازل.

بل حدث ما هو أسوأ من ذلك في عهد الخليفة العباسي المستعصم بالله، وفي الفترة التي سبقت سقوط الدولة العباسية على يد التتار عندما حدث زلزال وأعقبه انفجار للحمم البركانية في حرة رهط الواقعة جنوب المدينة المنورة، وظلّت تتدفق لمدة ثلاثة أشهر، ويقول المؤرخون إن الحمم توقفت قرب المسجد النبوي وعلى بعد أمتار من قبر النبي صلى الله عليه وسلم (3)، ولم تكن هذه هي الكارثة الوحيدة فحسب!

في نفس التوقيت حدث ليلة الجمعة الموافقة 1 رمضان 654هـ / 28 أيلول/ سبتمبر 1256 حريق هائل بالمسجد النبوي، وأدى إلى انهيار سقف المسجد بالكامل، ودُمرت على إثره محتويات تعود إلى عهد النبوي، وخلفائه الراشدين واحترق سقف الحجرة النبوية (4).

قاطعني صديقي فاغراً فاه وهو يقول: كل هذا حدث في الماضي! قلت له نعم واستمرت الأمة الإسلامية بعدها تضعف حينا وتقوى حينا آخر، كما تقضي سنة الله في خلقه وفي حياة الأمم والشعوب ولولا أن تملّ لعددت لك عشرات الحوادث كهذه.

عادت له نظرته الخبيثة وهو يقول لكنك لم تجب على السؤال.

قلت له: أيّ سؤال؟ قال لي: هل لو كان الزلزال في السويد مثلا كنت ستقول نفس الكلام؟

قلت يبدو أنك لم تفهم مقصدي بعد أو ربما لم أوضح فكرتي جيدا، يا صديقي العزيز ما أريد إيصاله لك أن الزلازل تحدث منذ مئات السنين وتحدث في كل يوم وكل مكان مع اختلاف قوتها وإحساسنا بها، إنّها حقيقة يومية كطلوع الشمس وغروبها، أقول لك نصف مليون سنويا وبالتالي كنت سأقول نفس الكلام إذا حدث الزلزال في السويد.

قال لي لا أصدقك هذه المرة، إذا كان الزلزال في السويد فستقول هذا عقاب من الله وإذا كان في تركيا ستقول كارثة طبيعية وستردد لي ما قلته سابقاً، أليس كذلك؟ قال وهو ينظر إلىّ بنظرة كمن أوقعني بالفخ!

قلت له لا تقلق سأجيب على سؤال بشكل مباشر، ولكني أحببت أن أضع الأمور في سياقها الطبيعي. لا يوجد مسلم سوي يفرح لموت أحد بريء أو لوجود ضحايا تحت الأنقاض أيا كان دينهم، فديننا يعلمنا أن إنقاذ نفس واحدة بريئة أي كان دينها أو لونها كمن أحيا الناس جميعا، وبالتالي إذا حدث زلزال في السويد ستهرع فرق الإنقاذ من العالم العربي والإسلامي كذلك لنجدة المصابين لأن هذا واجب ديني وأخلاقي وإنساني ولا أعتقد أن هناك مسلما سويّا يختلف على ذلك.

لكن في نفس الوقت قد يفرح بعض المسلمين إذا كان من أحرق المصحف الشريف هالكا، فهو لم يترك لهم فرصة كي يتعاطفوا معه.

دعني أسألك أنا سؤالا هذه المرة: هل سمعت بأحد قام بإحراق الإنجيل أو التوراة ردا على هذا المجرم في أي مكان في العالم الإسلامي؟

قال لي: لا، نهائيا، بل وضع الأتراك الزهور أمام الكنائس! ثم نظر لي وقد اكتسب صوته نبرة خاصة متحفزة، هل إذا الزلزال عقوبة من الله لتركيا وأردوغان أم ماذا؟

قلت له أنا مشفق عليك من تفكيرك بهذه الطريقة لكني أعذرك بسبب شراسة الحملة الإعلامية ضد تركيا وأردوغان في الإعلام ومحاولة تحميله المسئولية عن أي شيء وكل شيء، وهو ما ينقلنا إلى الجانب الديني في الموضوع وهو الأهم في رأيي، لأنه الوحيد الذي ينبني عليه عمل. قال لي: لا أفهمك وضح أكثر.

الزلازل والكوارث عموما في الثقافة الإسلامية هي ابتلاء وفتنة وعقوبة كانت في تركيا أم غيرها، ورغم اختلاف الكلمات الثلاث إلا أنها تحمل معنى متقاربا، فالعقوبة نوع من الابتلاء والابتلاء فتنة

قلت الزلازل والكوارث عموما في الثقافة الإسلامية هي ابتلاء وفتنة وعقوبة كانت في تركيا أم غيرها، ورغم اختلاف الكلمات الثلاث إلا أنها تحمل معنى متقاربا، فالعقوبة نوع من الابتلاء والابتلاء فتنة ولكن دعنا لا ندخل في التفصيل اللغوي هنا ونكتفي بالمعنى الذي أريد إيصاله لك.

قلت له: المسلم مطالب في حالة الكوارث بالفرار إلى الله في كل حال وعدم إجهاد نفسه وعقله في التفسير، لأنه في وقت الكارثة تكفي الحكمة العامة الشاملة التي ينطق بها القرآن والسنة النبوية للانشغال بالبحث عن السبب إلى الانشغال بالمسبب، قال لي: لقد عقّدت الموضوع أكثر.

قلت له: حنانيك، يقول الله تعالى: "وما نرسل بالآيات إلا تخويفا" (الإسراء: 59)، وقال أيضا: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير" (الشورى: 30).

وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه لما رجَفَت الأرضُ بالكُوفة قال: "أيها النَّاس: إن ربَّكم يستعتِبُكم فأعتِبُوه؛ (أي: فاقبَلُوا عتبَه)، وتوبوا إليه قبل ألا يُبالِيَ في أي وادٍ هلكتُم".

هذه هي الحكمة العامة من الكوارث يخوّف الله بها عباده حتى يعودوا إليه، ويبتليهم حتى يطهرهم ويزكيهم ويرفع درجاتهم، لذلك عليك أن تكتفي بهذا الفهم ولا تشغل عقلك في التفكير لأنك ستدخل إلى مساحات الإنهاك العقلي من كثرة الحسابات والتداخلات التي في النهاية لن تصل بك إلى الراحة النفسية المنشودة.

وقبل أن تقاطعني بعدم الفهم، سأوضح لك مقصدي، لكل إنسان مدى وزاوية إدراك معينة للأمور تختلف من شخص لآخر بل من لحظة لأخرى، وبالتالي فإدراكك نسبي للأحداث وليس ثابتا يمكن القياس عليه، الزلزال مثلا قد يكون منحة وسبب سعادة للبعض وقد يكون سبب شقاء وتعاسة للآخرين!! قال لي مندهشا: كيف؟!!

الذين نجوا سعداء والذين قضى ذووهم تعساء، المقاولون الذي سيعيدون بناء ما تهدم فيهم من هو في غاية السعادة وبدأ يجهز نفسه للغنيمة الكبيرة إعادة الإعمار، والذي فقد أسرته يقتله الحزن والذي فقد بيته كذلك، وهناك من فقد بيته وهو سعيد!! لأن البيت كان قديما يحتاج إلى تجديد الآن سيُبنى له من جديد بالمجان.

حتى في السياسة هناك من هو فرح بالزلزال لأنه يعتقد أنه سيقضي على مستقبل أردوغان السياسي، وهناك من يعتقد أن حدوث الزلزال في عهد أردوغان نعمة، من زاوية أن الله قدر البلاء وكان اللطف فيه وجود أردوغان على رأس الدولة لأنهم يعلمون أنه سيبذل أقصى طاقته للتخفيف عن الناس وبالتالي استمراره وحزبه في الحكم لمدة أخرى

وهناك من هو سعيد وحزين في ذات الوقت، لأنه نجا ولأن من أسرته من مات، هناك من مات وهو يقيم الليل متقربا إلى الله، وهناك من مات يعاقر الخمر أو النساء في الحرام، فهذا سعيد بحسن الخاتمة وهذا شقيّ بسوئها.

حتى في السياسة هناك من هو فرح بالزلزال لأنه يعتقد أنه سيقضي على مستقبل أردوغان السياسي، وهناك من يعتقد أن حدوث الزلزال في عهد أردوغان نعمة، من زاوية أن الله قدر البلاء وكان اللطف فيه وجود أردوغان على رأس الدولة لأنهم يعلمون أنه سيبذل أقصى طاقته للتخفيف عن الناس وبالتالي استمراره وحزبه في الحكم لمدة أخرى، ويقارن هؤلاء الوضع بما يفعله بشّار الأسد بشعبه المكلوم بالزلزال كذلك؛ فالرجل يستولي على المساعدات لنفسه ونظامه العفن ولا يعمل على إنقاذ الضحايا هناك، فمأساة أهلنا في سوريا أعمق منها في تركيا وإن كان حجمها في تركيا أكبر، ولكن وقعها أشد في سوريا لوجود هذا الظالم.

دعني أرهقك أكثر ما دمت تشاكس، لنتخيل أن أمة من النمل ماتت في الزلزال، كيف ستشعر؟ قال لي لا شيء، قلت له ولكنها أمة تسبح الله ولها نظام وحدثنا عنهم القرآن.

قال لي ماذا تريد أن تقول؟! قلت له إذا رأيت مئات التوابيت للضحايا على شاشة التلفزة ورأيت بعدها طفلة يحاولون إنقاذها تحت الإنقاض وهي تبكي، أي المشاهد ستؤثر عليك أكثر مئات الضحايا أم الطفلة؟ قال: الطفلة طبعا.

قلت له أرأيت حجم التشوش في إدراكك العقلي من لحظة لأخرى ومن مشهد لآخر ومن مكان لغيره، صديقي إنني قادر على إعطائك عشرات زوايا التفكير وحسابات العقل المحدود لكنك لن تتحمل وسأفقدك سريعا.

هل فهمت حجم الإجهاد العقلي حين تحاول تجاوز حكمة الله العامة إلى حكمتك الخاصة في البلاء؟! وأنت تشغل نفسك بكل هذه الاحتمالات وزوايا التفكير ستضيع منك العبرة والعظة والهدف الأسمى وهو الفرار إلى الله.

أخيرا صديقي العزيز أحيلك إلى مقالي السابق تحت عنوان "لماذا هُزمنا.. السر الأعظم؟" على موقع "عربي21"، وفيه أتحدث عن السر الأعظم للقضاء والقدر خاصة للنكبات، صدقني لن تكون مشاغبا بعد قراءته ولن ترهقني بهذه الأسئلة، وستتعلم أهم دروس الحياة الاستسلام لقضاء الله والفرار إليه، وأن ما ظاهره شر قد يكون باطنه خير لا تعلمه، وتذكر خرق السفينة وقتل الغلام على يد الخضر.

وستفهم في النهاية بقلبك وعقلك ووجدانك معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "وإن كان أحدُهم ليفرَحُ بالبلاءِ كما يفرحُ أحدُكم بالرَّخاءِ" (الألباني، صحيح على شرط مسلم).

__________
الهوامش:
1- خالد الخالدي: الزلازل في بلاد الشام من القرن الأول إلى القرن الثالث عشر الميلادي، مجلة الجامعة الإسلامية، غزة، يناير 2005م، ص67.
2- ?Is Earthquake Activity Increasing
3- حريق المسجد النبوي 654 هـ - ويكيبيديا
4- المصدر السابق.

* باحث ومفكر إسلامي
التعليقات (0)