قضايا وآراء

الرئيس الباكي.. والطاغية الضاحك!

أميرة أبو الفتوح
الأناضول
الأناضول
لا شك أن كل من لديه ضمير أو ذرة إنسانية في عالمنا الإسلامي، قد عاش الأسبوع الماضي في حزن شديد وألم عميق وحسرة كبيرة، وهو يشاهد تلك المشاهد المأسوية التي خلفها الزلزال الرهيب الذي حدث في جنوب تركيا وشمال سوريا، والذي سقط فيه عشرات الآلاف من الضحايا ودُمرت مدن وقرى بكاملها في البلدين.

الزلازل لا تعرف حدود سايكس- بيكو، لقد اختلط الدم التركي بالدم السوري في المباني المنهارة، وتحت الأنقاض تشابكت الأيدي السورية مع الأيدي التركية، والتقت الأرواح قبل أن تصعد إلى بارئها. وقف التركي والسوري جنباً إلى جنب يحاولان إنقاذ المصابين بكل شجاعة وجسارة يبحثان عن إخوانهما وأحبائهما تحت الركام، وسط موجة الثلج التي تعم المنطقة في عتمة الليل، علهما يستطيعان إنقاذهم.

لم يفكر أحد سواء التركي أو السوري وهو يحمل طفلاً أنقذه هل هذا الطفل تركي أم سوري! ويحسب للمسؤولين الأتراك أنهم جمعوا في اتصالاتهم الدولية التضامن والمواساة بين سوريا وتركيا ولم يختصوا تركيا فقط. ولا دهشة ولا غرابة في ذلك فنحن أمة واحدة رغم أنف كل مَن فرقونا وأثاروا النزعات العرقية والإثنية والنعرات الطائفية بيننا، نحن خير أمة أخرجت للناس، جاء الزلزال ليثبت للعالم أن الإسلام يوحدنا مهما اختلفنا ويقربنا مهما بعدت بيننا المسافات. تنفطر قلوبنا حزناً وألماً ونحن عن بعد نرى فرق الإنقاذ تُخرج الموتى من تحت الركام، الذين كانوا قبل ذلك بدقائق نائمين آمنين حالمين في فراشهم الدافئ، كنا نودعهم بالدموع وندعو الله تعالى أن يرحمهم وينزلهم منزلة الشهداء وأن يُنجي مَن لا يزال تحت الأنقاض..
أجزم أن الزلزال كشف عن بقايا إنسانيتنا التي شوهت ملامحها ومزقتها الصراعات السياسية والمشاحنات وسخافات الدنيا الزائلة، وأظهرت الخير في شعوب أمتنا، فلقد كانت الشعوب العربية الأسرع من حكوماتها كالعادة في مثل تلك الكوارث التي تلم بالأمة، فقد أظهرت تعاطفاً كبيراً مع المنكوبين في كل من سوريا وتركيا وانطلقت الدعوات من المساجد، وأدى الناس صلاة الغائب تعبيراً عن مفهوم الجسد الواحد كالبنيان المرصوص

أستطيع أن أجزم أن الزلزال كشف عن بقايا إنسانيتنا التي شوهت ملامحها ومزقتها الصراعات السياسية والمشاحنات وسخافات الدنيا الزائلة، وأظهرت الخير في شعوب أمتنا، فلقد كانت الشعوب العربية الأسرع من حكوماتها كالعادة في مثل تلك الكوارث التي تلم بالأمة، فقد أظهرت تعاطفاً كبيراً مع المنكوبين في كل من سوريا وتركيا وانطلقت الدعوات من المساجد، وأدى الناس صلاة الغائب تعبيراً عن مفهوم الجسد الواحد كالبنيان المرصوص، ودعا الخطباء والأئمة من فوق منابرهم إلى إنقاذ المنكوبين، وانطلقت حملات التبرع بين الجماهير في معظم الدول العربية دعما لضحايا الزلزال..

في لمح البصر تبخر كل شيء، وضاع كل شيء، وكأنها صورة مصغرة من يوم القيامة، الكل يرتجف ويجري، لا أسر موجودة ولا بيوت ولا أموال، حتى تلك الحقيبة التي وجدوا بداخلها ما يزيد عن المليون دولار، أين هي من صاحبها أو أين صاحبها منها؟ لقد احتفظ بها في بيته لتظل في أمان تحت نظره، فقد قضى عمره كله يشقي ويتعب في جمعها وربما دخل في صراعات وخصومات من أجلها، وفي النهاية تركها ورحل.. كم هي الحياة موحشة نتصارع ونعادي بعضنا البعض ونتباهى بقوتنا وسلطتنا، وفي لحظة، تكسرنا هزات أرضية وتظهر ضعفنا أمام الطبيعة وضآلة حجمنا كبشر أمام هزة للأرض التي نمشي عليها بقوة وزهو، فإذا بها تقلبنا على عاقبينا خاسرين..

اكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بمئات القصص الإنسانية من تحت الأنقاض، والتي لا تملك أمامها إلا أن تقول سبحان الله الذي يُخرج الحي من الميت ويُخرج الميت من الحي، مثل حادثة الأم التي فاجأها مخاض الولادة تحت الردم وسلمت وليدها لفرق الإنقاذ التي وصلت إليها، ثم أسلمت الروح إلى بارئها، وتركت وليدها لحياة تنتظره علمها عند الله وحده..

ورضيع آخر استطاعت فرق الإنقاذ ان تنتشله من بين الركام بعد 120 ساعة، وخرج ضاحكاً مستبشراً وكأنه لم يكن بين الأحجار ساعات طويلة دون طعام أو ماء أو حتى ضوء شمس..

ربما هذان الرضيعان الناجيان فيهما من مغز ومفارقات ما قد يوحي بتغيرات جديدة في أحوال المنطقة، ففي كل محنة منحة ربانية، فقد يكون الخير كامناً في الشر الذي يصيبنا ونحن لا ندري..
سفاح سوريا وزوجته فقد ذهبا إلى حلب بعد أربعة أيام من حصول الزلزال، وبعد أن أطمأنا على انتهاء ارتدادات الزلزال، لالتقاط بعض الصور التذكارية، وهما يضحكان أمام الكاميرا وكأنهما يحييان مناسبة سعيدة، وكيف لا يكون سعيداً بهذا الزلزال الذي أعاد له الحياة مرة أخرى وفك عنه حصاره وأخرجه من عزلته

لقد ذهب الرئيس "رجب طيب أردوغان"، مع زوجته في اليوم التالي مباشرة إلى مدينة "قهرمان مرعش"، ليطمئن شعبه على سير العمل في مواجهة الكارثة، وتجول في شوارعها وقد بدا الحزن واضحاً على قسمات وجهه، والتقى بأفراد الأسر المنكوبة وبكى معهم ووعدهم بأنه سيعيد بناء ما هُدم خلال عام، وأنه سيوفر لهم سكناً كريماً وسيصرف لهم مبالغ مالية تعينهم خلال هذه الفترة، وأعلن الحداد سبعة أيام على الضحايا، والطوارئ ثلاثة أشهر لإزالة الأنقاض وإعادة الحياة إلى المدن المنكوبة..

أما سفاح سوريا وزوجته فقد ذهبا إلى حلب بعد أربعة أيام من حصول الزلزال، وبعد أن أطمأنا على انتهاء ارتدادات الزلزال، لالتقاط بعض الصور التذكارية، وهما يضحكان أمام الكاميرا وكأنهما يحييان مناسبة سعيدة، وكيف لا يكون سعيداً بهذا الزلزال الذي أعاد له الحياة مرة أخرى وفك عنه حصاره وأخرجه من عزلته، بعدما انهالت عليه الاتصالات الهاتفية من الزعماء العرب والأجانب تعزيه في مصاب سوريا الأليم، السعيد له!!

وجد الانتهازيون من أصدقاء السفاح بشار في كارثة الزلزال فرصة ذهبية لاقتناصها واستغلالها والاستفادة منها بتوظيفها سياسياً لصالح النظام الفاشي، فتعالت الأصوات مطالبة بفك الحصار عن سوريا، الذي يعني بالنسبة إليه وقف العقوبات التي طالته وكبار المسؤولين بسبب قائمة الاتهامات بالقصف بالأسلحة الكيماوية للمدنيين وبارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، كما يعني إمكانية دخول المساعدات الإنسانية من بلدان العالم، واستخدامها كوسيلة جديدة للنهب أو للتمييز في درجات وأهمية المستحقين، وهو ما كان موضوع شكوى وتذمر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الموالية..
وجد الانتهازيون من أصدقاء السفاح بشار في كارثة الزلزال فرصة ذهبية لاقتناصها واستغلالها والاستفادة منها بتوظيفها سياسياً لصالح النظام الفاشي

في حقيقة الأمر أن السفاح بشار ورجاله المجرمين يخضعون لـ"قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، أما الحصار الحقيقي فهو ضد المناطق من الشمال الغربي السوري المعارضة للنظام وتعرف بالمناطق المحررة، وهي المناطق التي دمرها نظام السفاح واستهدف سكانها بالبراميل المتفجرة وآلياته العسكرية مدعوما بحلفائه الإقليميين والدوليين منذ عام 2011، فكان ذلك أشد قوة وإيذاءً وتدميراً وأكثر قتلى من هذا الزلزال الرهيب. والحصار قائم منذ أكثر من عشر سنوات على تلك المناطق يسكنها أكثر من أربعة ملايين مواطن سوري، نصفهم تقريباً من النازحين والهاربين من قمع وبطش النظام في مناطق أخرى في سوريا.

ولقد تفاوتت وتضاربت المواقف السياسية الإقليمية والدولية من هذا النظام، وهل تقدم له الدعم رغم جرائمه أم يعتبر هذا نوعاً من التطبيع معه، فضاع سكان تلك المناطق المحررة في هذا الجدل العقيم أو المفتعل، لأنه كان من الممكن بسهولة أن تصل إليها المساعدات مباشرة من خلال منظمات الإغاثة الدولية ومن خلال المعابر الخمسة المفتوحة بين شمال غرب سوريا وتركيا، ويزعمون كذباً أنها مغلقة بينما هي مفتوحة فقط لاستقبال مئات الجثث للسوريين من تركيا!! ولذلك للأسف لم تصلهم فرق الإنقاذ والمساعدات الشحيحة إلا بعد أيام من حدوث الزلزال، لقد خذلهم العالم أجمع وعلى رأسه الأمم المتحدة التي تلكأت في وصول المساعدات إليهم بحجج سخيفة!!

لقد كان هذا مثار جدل أخلاقي وإنساني في المقام الأول، لكن بعض الدول العربية الصديقة للسفاح بشار، حسمت موقفها سريعاً وقامت بتقديم الدعم مباشرة له، رغم نشر العديد من التقارير التي تفيد تعامله باستخفاف مع كارثة الزلزال، بل والتجارة بالمساعدات التي وصلت إليه عبر مؤسساته والمحسوبين عليه، في الوقت الذي عانت المناطق المتضررة من صعوبة وصول الإمدادات والتي وصلت متأخرة جداً ومحدودة وغير كافية لمواجهة حجم الضرر الكبير بشرياً ومادياً!!

وأخيراً، فإن المطالبة برفع الحصار عن نظام السفاح بشار، إنما تعني بوضوح إعطائه فسحة من الوقت ومزيداً من الحرية ليطلق يديه ويكمل تصفية المعارضين السوريين، ليضحك أكثر ولتظهر الصورة أحلى للرئيس الضاحك!

twitter.com/amiraaboelfetou
التعليقات (2)
محمود النجار
الأربعاء، 15-02-2023 07:02 م
أشكر الأخت الزميلة والصديقة الرائعة أميرة أبو الفتوح على هذا المقال الرائع الذي ينبض عاطفة صادقة وموقفا منصفا.. إنه من أروع ما قرأت عن الزلزال الذي أصاب جنوب تركيا وشمال سوريا.. مقالتك هذه أجمل ما قرأت لك، ابتداء من العنوان المعبر وانتهاء بآخر حرف فيه.. تقديري لك واحترامي بلا حدود وابقي بخير أيتها القديرة
بديوي بديوي
الأربعاء، 15-02-2023 02:20 م
كغادتك دائما تزرعين الامل في وسط الاحباط والظلام توحدين الصفوف وتكلقين صيحة البقاء واالنصر فالهزيمة فير موجودة بثقافتك بل النصر مهما كانت الصعاب ورغم ان المقال لا يخفي الوجع بين الكلمات الا ان الامل مع مل كلمة وعنوانه التضامن بين الشعوب الذي يتجاوز الحدود ويستقر في ضمير الشعوب التي تنتمي لامة واحدة ومصير واحد نشكر لك بكل عرفات هذه الثقة بهذه الامة التي اهلكتها المصائب والغدر والتأمر على وجودها نشكرك وانت تعطين ابناء اللمة المزيد من الصمود لبناء حاضر امتهم ومستقبلها وجزيت خيرا وانت ترصين الصفوف وترفعين الهمم والف تحية لحضرتك ولنضالك العنيد الذي لا يعرف اليأس او التراجع