هناك مواسم لا تخلو من الهجوم على العلامة المرحوم الشيخ محمد متولي
الشعراوي، أصبحت مناسبات ثابتة في مواعيد، وثابتة في ملابسات وظروف تستخدمها
السلطة العسكرية في
مصر، عند الاستدعاء، ليس عليها سوى أن تشير لأدواتها المسماة
زورا بالإعلاميين، فيقومون بالنهش في الرجل وقد انتقل إلى رحاب مولاه.
وليست المشكلة في نقد الشعراوي، فقد انتقده علماء زمانه، وانتقدهم،
وناقشوه وناقشهم، وخالفوه وخالفهم، ولكنه كان في إطار البحث العلمي النزيه،
والخلاف الفكري المفيد للعلم وللأمة، لأنه كان في إطار المخالفة العلمية من أهل
العلم، وليس من جهلاء بقدر العلم، وبقدر العلماء أنفسهم.
ومنذ أيام خرجت
حملة، أو موسم من مواسم الهجوم على الشعراوي، وقاده
هذه المرة إبراهيم عيسى ومحمد الباز، ولا ندري ما المناسبة، لكن الشعب في غالبه
فهم أن المقصود بها إلهاء الناس عن انهيار الجنيه المصري أمام الدولار، وحالة
الغلاء الفاحش التي أصابت مصر، والفقر المدقع الذي أصاب أهله، بشكل غير مسبوق، جعل
الجميع يشكو من سوء الحال.
وكانت هناك مسرحية ستقام عن الشعراوي، فقامت بإلغائها وزيرة الثقافة
المصرية، أيضا بهجوم منها على الشعراوي في ذكر أسباب الإلغاء، ولو سألناها أو سألنا
المهاجمين: كم كتابا قرأوا للشعراوي؟ ستكون الإجابة كاشفة عن مستوى الضحالة فيمن
يتناولون عالما بقامة وقدر الشعراوي، وقد كانوا يتندرون بمن حاولوا قتل الأديب
الراحل نجيب محفوظ رحمه الله، أنهم لم يقرأوا رواياته، والحال في الحقيقة واحد،
ينطبق عليهم نفس الوصف الذي ينطبق على من حاولوا قتل محفوظ، أنهم يستوون في الجهل
قبل السعي للفعل، ولا فرق بين القتل الحقيقي والمعنوي، بل إن الأخير أشد لمن يتأمل
جيدا فيهما.
وكعادة الشعراوي رحمه الله في كثير من معاركه، ممن خاضها ضده من
يكرهونه لما يقدم، انتصر حيا في معظم معاركه، وكذلك انتصر في قبره على هؤلاء
الشانئين، فمنذ أسبوع أقيم معرض القاهرة الدولي للكتاب، وبعد أيام قليلة فوجئ
الجميع بأن أعلى نسبة مبيعات في الكتب كانت من نصيب الشعراوي، سواء ما كتبه
الشعراوي، أو ما كتب عنه.
رغم أن الشعراوي ميت منذ ربع قرن تقريبا، ولم يكتب كتبا، بل إن الكتب
المكتوبة والتي تحمل اسمه، هي مواد مرئية أو سمعية، ألقاها وقام بتفريغها وصياغتها
محررون، وقد كان أول من بدأ بذلك المرحوم الكاتب الصحفي الكبير أحمد زين، ولم يكتب
الشعراوي ـ غالبا ـ سوى كتاب: (الأدلة المادية على وجود الله)، وبقية كتبه لم يكتب
فيها حرفا، بل هي كما ذكرت.
ومعروف أن لغة الكتابة تختلف تماما عن لغة الإلقاء، إلا أن كتب
الشعراوي رغم هذا الأمر، تسمع صوته وأنت تقرأ ما كتب، وتستشعر حركاته بين الحروف
والكلمات، ورغم اختلاف مقام الكلام عن مقام الكتابة، حتى كان يقال عن الشعراوي وهو
حي: الشعراوي يسمع ولا يقرأ، ومع ذلك توزع كتبه بعد وفاته بكل هذا الكم من
الأعداد، ومن أجيال ربما لم تكن ولدت عندما كان حيا، فهي انتصار جديد يتحقق للرجل.
لقد لازمت البركة الشعراوي رحمه الله حيا وميتا، ولازمه القبول ومحبة الناس حيا وميتا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهكذا نجد دوما كل من يرتبط بكتاب الله تعالى، تفسيرا وعملا، وعطاء، أنه يظل مذكورا بين الناس، محبوبا بينهم، وبخاصة لو كانت مواقفه لا تخالف ما حمل من كتاب الله تعالى، فرحم الله الشعراوي ورضي عنه، ونفع الأمة بعلمه.
لقد حاول خصوم الشعراوي الانتقاص من قدره، أو الانتصار عليه في معركة
وهمية وهو ميت، فمنعوا مسرحية، وفي الغالب لم ينتصروا في ذلك، لأن المسرحية لن
تكون لصالحه في ظل وزيرة ثقافة وإعلام بهذا الموقف منه ومن غيره، فبمنطق المكسب
والخسارة، لقد ربح هذه أيضا رحمه الله.
كما أن انتصار الشعراوي في هذه المعركة بمقاييس أخرى هو نصر مؤزر، إذ
إن شانئيه يملكون إعلاما المفروض أنه يشاهد بالملايين، وغير مكلف للمشاهد، فليس
على الشخص سوى أن يضغط على الريموت ليجلب القناة ليشاهد من يهاجم الشعراوي، بينما
معرض الكتاب يحتاج ممن يذهب إليه أن يكون معه المال في ظل ظرف اقتصادي صعب وشديد،
ويحتاج أن ينتقل الشخص إلى مكانه، وهو أيضا مكلف لجماهير المصريين حاليا، بينما من
هاجموا الشعراوي أيضا لهم كتب في المعرض ومدعومة من السلطة المصرية، لم تجد من
يشتري منها نسخا تغطي عشر ثمن التكلفة، ومع ذلك انتصر الشعراوي في قبره في هذه
المعركة، بأن نال هذا الكم من الإقبال على كتبه، أو ما كتبوه المنصفون عنه.
منذ الأيام الأولى لمعرض الكتاب، يذهب القراء لموقع الأزهر فيه،
وأماكن أخرى، فتفاجأ بأن نسخ الكتب المتعلقة بالشعراوي قد نفدت، وهي كتب لا تدعمها
السلطة كما نرى، بل هي من أوقاف المسلمين كالأزهر، أو كتب تباع بغرض الربح المادي
كدار أخبار اليوم وغيرها، بينما نرى كتبا لشانئيه كإبراهيم عيسى ومحمد الباز، وهي
كما ذكرت مدعومة من السلطة، بائرة، لا تجد لها رواجا.
لقد لازمت البركة الشعراوي رحمه الله حيا وميتا، ولازمه القبول ومحبة
الناس حيا وميتا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهكذا نجد دوما كل من يرتبط بكتاب
الله تعالى، تفسيرا وعملا، وعطاء، أنه يظل مذكورا بين الناس، محبوبا بينهم، وبخاصة
لو كانت مواقفه لا تخالف ما حمل من كتاب الله تعالى، فرحم الله الشعراوي ورضي عنه،
ونفع الأمة بعلمه.
[email protected]