اقتصاد دولي

معركة "سقف الدين" بالكونغرس الأمريكي تحتدم.. إلى أين ستنتهي؟

أكد مسؤول في البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي سيلتقيان الأربعاء- جيتي
أكد مسؤول في البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي سيلتقيان الأربعاء- جيتي
ما زالت الأزمة داخل الكونغرس الأمريكي حول الميزانية تراوح مكانها، حيث يعطل الجمهوريون تمويل المؤسسات الفدرالية وذلك لرفضهم زيادة سقف الدين الذي يطالب به البيت الأبيض.

ويطالب الجمهوريون بربط رفع سقف الدين بتخفيض الإنفاق، بالمقابل قال البيت الأبيض إنه لن يقدم أي تنازلات أو يتفاوض بشأن رفع سقف الديون.

وتتكرر تقريبا كل عام الأزمة بين الحزبين حول الميزانية وسقف الدين، لكن في بعض الأحيان تطول المعركة السياسية بين الحزبين حول سقف الدين، وهذا ما حدث عام 2011، حيث عاشت الولايات المتحدة أزمة مطولة آنذاك، ما أدى لخفض التصنيف الائتماني للبلاد، وبالتالي أُجبرت على خفض الإنفاق الداخلي وكذلك خفض الإنفاق العسكري.

لكن وفقا لشبكة "سي إن إن" فقد أكد مسؤول في البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي سيلتقيان الأربعاء، وهو أول اجتماع بينهما، ونقلت عن متحدث قوله، إن الرئيس سيذكر رئيس مجلس النواب بـ"التزامه الدستوري بمنع التخلف عن السداد على المستوى الوطني، كما فعل كل زعيم آخر في مجلسي النواب والشيوخ في تاريخ الولايات المتحدة، وكما تعهد القادة ماكونيل وشومر وجيفريز بالقيام بذلك".

صراع قديم متجدد

ومع تزايد المخاوف من عجز واشنطن عن سداد الدين، في ظل الأزمة السياسية بين الحزبين، يبقى السؤال إلى أين قد تتجه هذه الأزمة؟

ستيفن سميث أستاذ العلوم السياسية في جامعة واشنطن الأمريكية في سانت لويس، ميسوري، يرى أن "عدة قضايا مرتبطة ارتباطا وثيقا وإشكاليا، ستؤدي إلى الصراع بين الطرفين، أولاً، يجب معالجة رفع الحد الأقصى لمقدار الأموال التي يمكن للحكومة الفيدرالية اقتراضها بحلول شهر حزيران/ يونيو، ثانيًا، يجب معالجة تمويل الهيئات الحكومية بحلول تشرين أول/ أكتوبر. لكن يتركز الاهتمام الحالي على سقف الدين".

وتابع سميث خلال حديثه لـ"عربي21": "يبدو أن الجمهوريين في مجلس النواب ملتزمون بفرض تخفيضات كبيرة في الإنفاق كشرط لتمرير التشريعات اللازمة للسماح للحكومة بمواصلة الاقتراض وتمويل أنشطة الحكومة الفيدرالية، كذلك يبدو أنهم اتفقوا فيما بينهم في مجلس النواب على أنه ينبغي عليهم اعتماد ميزانية تقلص العجز إلى الصفر في غضون عشر سنوات وتجعل الزيادات الضريبية مستحيلة".

وأضاف: "بالمقابل، يشير الديمقراطيون بشكل صحيح إلى أن الجمهوريين لم يقترحوا أي خطة محددة بعد، ويصرون على أن رفع حد الدين للسماح للحكومة بالاقتراض يجب أن يتم دون المساومة على الإنفاق".

وأوضح سميث أن "الديمقراطيين من وجهة نظرهم، يرون أن قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها دون التقصير في سداد الديون أمر ضروري للحفاظ على الثقة في السندات الحكومية وتجنب حدوث كارثة اقتصادية، ونتيجة لذلك، لم توافق إدارة بايدن والقادة الديمقراطيون في الكونغرس على الحديث عن حل وسط، فهم يعتقدون أن الجمهور العام يقف بصفهم".

وحول مصير الخلاف والحلول المقترحة، قال: "هناك حلول وسط تم اقتراحها، بما في ذلك إنشاء لجان خاصة لمعالجة الإنفاق طويل الأجل في البرامج الاجتماعية الرئيسية، ولم يلمح قادة الحزبين إلى أن الحلول الوسط ستكون مقبولة، بشكل عام إن بقاء الوضع كما هو عليه في حزيران/ يونيو يعني بالطبع الفشل في زيادة حد الدين والمخاطرة بعواقب اقتصادية خطيرة".

ويرى سميث أن "الجمهوريين منقسمون إلى حد ما حول استمرار التمويل لأوكرانيا، ومع ذلك، فإن القادة الجمهوريين حريصون على الحفاظ على دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا أو حتى توسيع هذا الدعم، كما يدعم معظم الديمقراطيين إدارة بايدن، لذلك من المرجح أن يستمر دور الولايات المتحدة هناك".

وحول أثر المعركة السياسية الجارية حاليا بين الحزبين على انتخابات 2024 قال سميث: "من المؤكد أن السيطرة على الكونغرس بعد انتخابات 2024 موضع شك، حاليا يتمتع الجمهوريون في مجلس النواب بأغلبية صغيرة جدًا ويمكن أن يفقدوا بسهولة السيطرة على مجلس النواب إذا تم إلقاء اللوم عليهم بسبب الجمود وعواقبه والسياسات المتطرفة خلال العامين المقبلين".

وأضاف: "بالمقابل سيجد الديمقراطيون في مجلس الشيوخ صعوبة في الاحتفاظ بأغلبية ضئيلة حتى في أفضل الظروف، وبالطبع، سيظهر المرشحون الجمهوريون للرئاسة خلال الأشهر القليلة المقبلة، ونتيجة لذلك، سيأخذ كل شخص في واشنطن الانتخابات في الحسبان عند وضع استراتيجياتهم التشريعية – حتى نهاية هذا العام، والرهان الجيد هو أن الصراع الحزبي سوف يسفر عن إنجازات تشريعية قليلة تتجاوز التشويش في الجهود المبذولة لسن تشريع السياسة المالية الواجب تمريره".

من جهته أكد روبرت شابيرو، أستاذ الحكومة والشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا الأمريكية، أن "كل هذا الخلاف جزء من الصراع الحزبي المتزايد والذي ظهر بعد 1970 وانطلق أكثر في 1990 ثم مع انتخاب أوباما ثم ترامب".

وتابع شابيرو خلال حديثه لـ"عربي21": "أيضا أضاف كوفيد-19 بعدًا جديدًا للصراع، في حين أن الحرب الروسية الأوكرانية كان عليها اتفاق بين الحزبين، تُظهر أزمة الميزانية الآن ارتفاع مستوى الصراع، حيث انخرط الطرفان في (لعبة الدجاجة)، وليس من الواضح من الذي سيستسلم".

وخلص إلى القول: "لكن الصراع الحزبي وصل الآن إلى النقطة التي يعارض فيها الجمهوريون أي شيء يحاول  الديمقراطيون فعله، وحتى عندما يتضرر الناخبون الجمهوريون أيضًا من أي إغلاق حكومي يحدث".

استغلال سياسي

وتعد أزمة سقف الدين الخلاف الرئيس بين الحزبين، حيث يطالب البيت الأبيض برفع حد هذا السقف، بالمقابل يريد الجمهوريون عدم رفعه، ويسعون للربط بين هذا الرفع إذا تم وبين خفض الإنفاق المحلي.

وكانت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، أكدت أن الديون الأمريكية التي بلغت نحو 31.4 تريليون دولار، تجاوزت السقف الذي حدده الكونغرس، وحذرت من أن يؤدي التخلف عن سداد هذه الديون "لركود في أمريكا وقد يتسبب بحدوث أزمة مالية عالمية".

ووفقا لموقع وزارة الخزانة الأمريكية فإنه وصل الدين الأمريكي حتى 26 كانون الثاني/ يناير، إلى 31.45 تريليون دولار، يبلغ مجموع الدين غير الحكومي منه 6.86 تريليون دولار، أما مجموع الدين "العام"، فيبلغ 24.59 تريليون دولار.

ولا تقتصر الديون الأمريكية على الداخل، بل هناك دول دائنة للولايات المتحدة، وعلى رأسها اليابان والتي لها دين على واشنطن يبلغ ، 1.08 تريليون دولار، وتليها الصين بإجمالي دين يصل إلى 870 مليار دولار.

Image1_1202331115645976113714.jpg

وقال الخبير الاقتصادي الروسي، ألكسندر نازاروف: "يجب إعادة تمويل نصف الدين في السنوات الثلاث المقبلة، أي الاقتراض مرة أخرى بسعر فائدة مرتفع للغاية".

وأوضح نازاروف في منشور له على قناته في "تليغرام": "ذلك سيؤدي إلى زيادة كبيرة في مدفوعات الفائدة، وستنفجر ميزانية الدولة، وسيتعين عليها إما إعلان التخلف عن السداد، أو خفض سعر الفائدة مرة أخرى إلى الصفر وطباعة النقود الورقية، حيث لن يحتاج أحد إلى السندات الأمريكية ذات العوائد السلبية، فقط الاحتياطي الفيدرالي سيشتريها".

وخلص بالقول: "لذلك، فإن استئناف التيسير الكمي وارتفاع جديد في التضخم أمر حتمي في العام أو العامين المقبلين، أعتقد حتى قبل نهاية هذا العام".

الباحث في الشؤون الأمريكية والشرق أوسطية، جو معكرون، قال، إنه "في العادة يستغل الحزب المعارض فرصة إقرار الميزانية أو الحاجة لتفويض تشريعي لرفع سقف الدين العام لفرض أجندته حول أولويات الإنفاق الفيدرالي".

وتابع: "وتصر القيادة الجمهورية على ضرورة التوصل المسبق مع البيت الأبيض لاتفاقات مالية، بحيث يطالبون بتخفيض الإنفاق على البرامج المحلية، لا سيما الاجتماعية منها، التي يعتبرها الديمقراطيون أولوية".

ويرى معكرون في حديث لـ"عربي21"، أن "ملامح المعركة الرئاسية بدأت تلوح في الأفق بحيث يتمسك كل طرف بخطابه وأولوياته، بانتظار أن يتنازل طرف في اللحظات الأخيرة أو يتم التوصل إلى حل وسطي قبل الموعد النهائي لرفع سقف الدين بحيث يراهن الديمقراطيون على الحصول على دعم 6 أصوات من الجمهوريين المعتدلين لتمرير مخرج تشريعي لهذه المسألة".

وأكد أن "رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي يتعرض لضغوط من النواب على اليمين اللذين يرفضون بالمطلق فكرة الاستمرار برفع سقف الدين الفيدرالي، وبالتالي التفاوض مع البيت الأبيض قد يرتد سلبا عليه، والبيت الأبيض يريد أن يعطي انطباعا بأنه تراجع عن فكرة رفض وضع أي شروط مسبقة على رفع دوري لسقف الدين العام، لكن في النهاية لا مفر غير التفاوض بين الطرفين لتفادي أي انعكاسات اقتصادية".

وحول تأثير عجز الولايات المتحدة عن سداد الدين، أوضح معكرون أن "أي تخلف عن السداد سيؤدي إلى تأخير المدفوعات الحكومية لمتلقي الضمان الاجتماعي، وإلى تراجع التصنيف الائتماني للولايات المتحدة وارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي إلى ارتفاع تلقائي محتمل في أسعار السلع وفي نسبة التضخم، كما أن هناك تقييمات أكثر دراماتيكية تتحدث عن خسارة أكبر في الثروة وفرص العمل قد تضاهي الأزمة المالية عام 2008، وبالتالي فإنه إذا حصل ذلك سيتراشق الديمقراطيون والجمهوريون حول من يتحمل مسؤولية تبعات قرار التخلف عن سداد الديون".

Image1_1202331115839827450875.jpg

من ناحيته قال أستاذ الاقتصاد بكلية أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين إنه "في حال أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عجزها عن سداد الدين، سوف يؤدي ذلك إلى حدوث ارتباك في السوق العالمية، لأن واشنطن عندها لن تستطيع الإيفاء بالتزاماتها".

وتابع شاهين خلال حديثه لـ"عربي21": "الدين حاليا وصل إلى 31 تريليون دولار، وهذا تقريبا مساوِ للناتج الأمريكي، ولكن الأزمة سياسية حيث هناك مناكفات سياسية بين الحزبين، وأيضا تزايد المديونية الداخلية يشكل أزمة كبيرة".

وأكد أنه "لو تخلفت أمريكا عن السداد سيفقد الدولار مصداقيته لدى كثير من الدول، وهو أعلى عملة في العالم من ناحية الاحتياطيات، وهذا سيؤدي لدمار دول كثيرة، كذلك سينهار سعر الدولار لأن الكل سيحاول التخلص منه، والحكومة لا تستطيع رفع سقف الدين إلا بالعودة للكونغرس وإصدار قانون بذلك".

واستدرك بالقول: "ولكن أمريكا لن تعجز عن السداد فهي بالنهاية ستطبع الدولار، ولكن هذا الأمر سيؤذيها داخليا، بالمقابل سيؤدي ذلك لصلابة الموقف المالي الخارجي لواشنطن، حيث لو عجزت عن السداد فستنهار قيمة الدولار، وهو من أحد مصادر السيادة الأمريكية في العالم أجمع".
التعليقات (0)