قضايا وآراء

تحديات لبنانية على أبواب التسويات المرتقبة

صهيب جوهر
يعيش لبنان فراغا رئاسيا منذ انتهاء ولاية ميشال عون- جيتي
يعيش لبنان فراغا رئاسيا منذ انتهاء ولاية ميشال عون- جيتي
ثمة من يعتقد لبنانياً أنّ اللقاء الرباعي المزمع انعقاده في باريس لممثلين عن الخارجية والاستخبارات في كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وقطر والمخصص لمناقشة ملف الرئاسة اللبنانية، قد لا يصل إلى أي نتيجة متوقعة في المرحلة القريبة أقله، طالما أن الرياض غير جادة حتى اللحظة في عودتها إلى الساحة اللبنانية أولاً، كذلك عدم التعويل لدى حزب الله على مخرجات هذا الاجتماع، انطلاقاً من الفشل الذريع والمستمر للمبادرات الفرنسية في لبنان.

بالمقابل كان حديث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن مسارات إيجابية من الممكن أن تقود إحداها إلى انتخاب الرئيس في وقت قريب، وعلى الرغم من تهربه من الإعلان عن أي تفاصيل واضحة حيال تلك المسارات، إلا أن ميقاتي ينتظر مزيداً من الإشارات الإضافية التي يمكن أن تؤدي إلى تثبيت ما سمعه في زياراته الخارجية مؤخراً، في إطار تلمسه المستمر لتطورات متوقعة قد تتحقق بشكل قريب.
إن أطرافا إقليمية فاعلة تعيد ربط ما نتج عن القمم التي استضافتها الرياض للرئيس الصيني، وما قد يكون قد خرج من "قمة بغداد 2" التي عُقدت على ضفاف البحر الميت في الأردن بمشارك فرنسا ودول الجوار العراقي، والتي لم تنضح بما يكفي من المعلومات عما جرى نقاشه حول الملف اللبناني

والأكيد أن لدى ميقاتي معلومات لم تصل إلى أي شخصية أو طرف آخر، وهناك أطراف تقرأ ما أشار له الرجل في إطلالته الأخيرة، حيث أن الأطراف المنغمسة في الاتصالات الدولية والإقليمية القائمة حول الرئاسة اللبنانية لم تستشرف هذه السيناريوهات الإيجابية.

لذا، فإن العديد من الأوساط السياسية المحلية والدبلوماسية تقرأ ما أشار إليه الرجل العائد من كواليس اجتماعاته في القمة الصينية- العربية في الرياض ولقاءاته المتعددة، وأهمها مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كذلك زيارته للدوحة خلال افتتاح كأس العالم، ولربما استشف معلومات جديدة، وكان يريد قراءة التحولات الجارية مع تطورات تجري في مكان آخر.

وعليه، فإن أطرافا إقليمية فاعلة تعيد ربط ما نتج عن القمم التي استضافتها الرياض للرئيس الصيني، وما قد يكون قد خرج من "قمة بغداد 2" التي عُقدت على ضفاف البحر الميت في الأردن بمشارك فرنسا ودول الجوار العراقي، والتي لم تنضح بما يكفي من المعلومات عما جرى نقاشه حول الملف اللبناني، وخاصة أن المؤتمر شهد محادثات سعودية- إيرانية برعاية فرنسية وقطرية.

فالأزمة اللبنانية بالنسبة إلى بعض الدول والمحاور المنضوية فيها، تخضع لمقاربات مختلفة نتيجة الأولوية التي تعطيها معظم القوى الفاعلة عبر فصلها بين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية والأمنية من جهة، والفراغ الرئاسي والاستعصاء السياسي من جهة أخرى.
الأزمة اللبنانية بالنسبة إلى بعض الدول والمحاور المنضوية فيها، تخضع لمقاربات مختلفة نتيجة الأولوية التي تعطيها معظم القوى الفاعلة عبر فصلها بين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية والأمنية من جهة، والفراغ الرئاسي والاستعصاء السياسي من جهة أخرى

ووسط تلك الأجواء العاصفة كان لافتاً رفع رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور روبرت مينينديز، وهو عضو فاعل وبارز في إدارة الحزب الديمقراطي، ومعه زميله السيناتور الجمهوري جيمس ريتش، توصية مشتركة عاجلة إلى وزيري الخارجية والخزانة الأمريكيين منتصف الشهر الجاري.

وهذه الرسالة تحمل مطالبات لإدارة بايدن بالقيام بالخطوات العاجلة والحاسمة لإنقاذ لبنان من الفساد والأزمات التي تخنقه. وشددت التوصية على ضرورة استخدام سيف العقوبات الرادعة والتي طاولت مسؤولين لبنانيين عدة على رأسهم جبران باسيل، في إطار محاربة الفساد والحد من قدرة الأطراف على التعطيل وتأخير الإصلاح. وهذه الرسالة تدلل على توافق وتفاهم بين الحزبين في نظرتهما المشتركة للملف اللبناني، معطوفة على مطالبات باستصدار عقوبات مشتركة أمريكية- أوروبية، تكون حازمة وقوية.

وعدا عن هذه الملفات الحامية التي وضعت لبنان على خط الاتصالات الدولية، فإنّه ومنذ أن انتهى الزخم الذي أحاط ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، تراجع الاهتمام المباشر بما يجري لبنانياً باستثناء ما جرى مع اليونيفيل. وعليه فإن نتائج الترسيم المباشرة قد يكون انتهى قطافها أمريكياً وأوروبياً من البوابة الإسرائيلية، في انتظار أن يقدّم لبنان صورة واضحة عن مكاسب الغرب مما يمكن اكتشافه من ثروته البحرية، وقدرته على تقديم ما يمكن اعتباره مصدراً لزيادة مصادر الطاقة التي يحتاجها العالم من المنطقة في ظل الصراع المحموم مع موسكو حول مصادر الطاقة.

ووسط كل تلك المناوشات اللبنانية، لا يمكن فصل ما يجري لبنانياً عن تطورات ما يجري في المنطقة وتحديداً في إيران التي تتصاعد فيها حدة التظاهرات والتحركات الشعبية، لذا فإن ظروف إيران تلزمها بالذهاب الى الاتفاق الإقليمي أولاً والنووي ثانياً بأسرع وقت ممكن، قبيل الولوج الدولي في ملفات أخرى على وقع التوتر الجاري بين الصين وتايوان.

وهذا ما سيسمح لها بتحرير أرصدتها المالية المجمّدة، وهو ما سيساعدها في إعادة استيعاب شارعها المضطرب منذ نحو أربعة أشهر، ما يدفعها إلى التفرغ لمعالجة الأزمة في عمقها الداخلي المشتعل والتي تتهم إيران دولا فاعلة في تأجيجها.

وهناك إشارات متقدمة ربطاً بهذا المجال، حيث إن الاشارة الإيرانية الأولى جاءت بالسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية برئاسة نائب مديرها العام، بزيارة طهران، بعد انقطاع دام لأشهر عدة. وهذا ما عزّز الانطباع بوجود رأي راجح داخل القيادة الإيرانية يميل الى إنجاز الاتفاق.

بالتوازي، أتى اللقاء بين رئيس لجنة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مع وزير الخارجية الإيرانية في على هامش أعمال مؤتمر عمان؛ كتطور إيجابي يميل نحو الاتفاق.
مشاركة إيران في المؤتمر على مستوى وزير خارجيتها، جاء لتأمين حصول هذا الاجتماع واجتماعات أخرى. وانتهى الاجتماع بإعلان عبد اللهيان أن اجتماع الأردن شكل فرصة لتحريك المحادثات المتعثرة حول الاتفاق النووي

وغالب الظن أنّ مشاركة إيران في المؤتمر على مستوى وزير خارجيتها، جاء لتأمين حصول هذا الاجتماع واجتماعات أخرى. وانتهى الاجتماع بإعلان عبد اللهيان أن اجتماع الأردن شكل فرصة لتحريك المحادثات المتعثرة حول الاتفاق النووي.

وبالعودة لاجتماع الرئيسين الأمريكي والفرنسي مطلع الشهر الحالي، فكان يبدو أنهما كانا قد اتفقا خلال القمة في البيت الأبيض على وضع خطة للعودة إلى تحريك الاتفاق النووي وإنجاز توقيعه خلال أشهر قليلة يكون الربيع القادم حدها الأقصى على أبعد تقدير، وفي مسار موازٍ للعمل على وقف إطلاق النار في أوكرانيا.

وبناء على هذه التطورات، تقرأ القوى السياسية اللبنانية الخطوات الفرنسية والقطرية في لبنان على الرغم من عدم تطابقهما في العديد من المقاربات، وعلى الرغم من التوتر الفرنسي مع طهران، على خلفية الموقف من التظاهرات والتعامل بالقبضة الحديدية الإيرانية مع الاحتجاجات، إلا أن ذلك لا يعني قطع كل الحبال مع الإدارة الإيرانية. كذلك فإن الخطوط الفرنسية لها ما يقابلها في تقاربها مع دول الخليج لأهداف اقتصادية، سواء كانت تتعلق بمجالات الطاقة أو التقنيات العسكرية. هذا كله بالتأكيد يلبي مصالح فرنسية ومصالح واشنطن، إلا أنه لا يمكن أن يتطابق مع كلام ماكرون حول تغيير الطبقة السياسية في لبنان، وكيفية إنجاز الإصلاحات المطلوبة.
التعليقات (0)