تناولت الصحف
العالمية تأثير سياسات صفر
كوفيد المتبعة في
الصين على الصعيد المحلي وعلى
الاقتصاد العالمي.
وقالت صحيفة
"
فاينانشيال تايمز" البريطانية، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إن السياسات المُتبعة في الصين قد أضرت باقتصاد البلاد
والمستثمرين على حد السواء، بينما أدى التحول الصارم من جانب الاحتياطي الفيدرالي
الأمريكي بشأن السياسة النقدية إلى الإضرار بسوق الأسهم في جميع أنحاء العالم،
وتراجعت تدفقات رأس المال إلى الخارج، وانخفضت قيمة كل عملة تقريبًا باستثناء تلك
المرتبطة بالدولار.
وذكرت الصحيفة
أنه تم إصدار إعلانين مهمين لمعالجة مشاكل الصين تمثل الأول في الرفع التدريجي
لسياسات "صفر كوفيد"، والثاني في إجراءات بنك الشعب الصيني الـ16
المتعلقة بدعم قطاع العقارات. جعل ذلك الجميع يؤمنون بإمكانية الخروج من الأزمة
التي نتجت عن فيروس
كورونا. ولكن في الواقع تستمر سياسات "صفر كوفيد"
بلا هوادة في عزل العديد من المدن التي
تساهم بحوالي 20 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين، رغم وجود انتعاش في
أسعار المساكن الذي من شأنه أن يجعل تعافي قطاع العقارات مستدامًا.
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت
الصحيفة إلى أن الاحتجاجات المندلعة في الصين كرد فعل على تراجع الأسواق والتي
ركزت إلى حد ما على سياسات كوفيد حتى الآن تدق جرس الإنذار اللازم للصين للمضي
قدما في رفع القيود للتعامل مع الفيروس لأنها تقوّض الأسواق وتخيف المستثمرين
وتجمّد الاقتصاد تدريجيًا. وفي ظل غياب حملة تطعيم كبيرة وعزم الحكومة على تبني
سياسات عدم انتشار فيروس كورونا المستجد، من المحتم أن تتوسع الاحتجاجات مخاطرة
برد فعل قاسٍ من الحكومة.
من شأن هذا
الأمر أن يؤدي إلى تفاقم عجز الاقتصاد الصيني، حيث ستكون هناك عواقب سلبية واضحة
على الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، فإن المحفزات المالية والنقدية مقيدة بدرجة أكبر
بكثير مما كانت عليه في سنة 2008، حيث تشهد الحكومات المحلية انهيارًا في مبيعات
الأراضي وزيادة هائلة في الإنفاق المرتبط بكوفيد، والتي تقدر بنحو 1.5 نقطة من
الناتج المحلي الإجمالي. وإذا ما أدت الاحتجاجات إلى نظام أكثر صرامة، فمن المحتمل
أن يؤدي الافتقار إلى المستثمرين الأجانب إلى مزيد من الضوابط الصارمة على رأس
المال. وقد تدفع الولايات المتحدة من جهتها المزيد من الإجراءات للحد من نقل
التكنولوجيا إلى الصين.
الصين.. محرك للنمو العالمي
وحول نفس
الموضوع، نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرًا تحت عنوان
"الاضطرابات الصينية الحالية تقلب التوقعات الاقتصادية العالمية" بينت
فيه أن الاحتجاجات المتزايدة في أكبر دولة صناعية في العالم تُضيف عنصرًا جديدا من
عدم اليقين والاضطراب في الاقتصاد العالمي في الوقت الذي تكافح فيه الدول بالفعل
لإدارة تداعيات حرب أوكرانيا، وأزمة الطاقة والتضخم.
وحسب الصحيفة،
لطالما عملت الصين كمحرك حيوي للنمو العالمي، وأي اضطراب في البلاد من شأنه أن
يؤثر بصفة مباشرة على بلدان أخرى. ويحذر المحللون من أن المزيد من الاضطرابات يمكن
أن يبطئ إنتاج وتوزيع الدوائر المتكاملة وأجزاء الآلات والأجهزة المنزلية، وهو ما
من شأنه أن يشجع الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا على الانسحاب من الصين
وتنويع سلاسل التوريد الخاصة بهم.
اظهار أخبار متعلقة
في الأثناء،
يشعر الملايين من المواطنين الصينيين بالغضب من الإغلاق المشدد منذ أشهر حيث يسعى
الحزب الشيوعي للتغلب على انتشار فيروس كوفيد-19، بعد ثلاثة أعوام من ظهوره. ومن
غير الواضح ما إذا كانت المظاهرات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد سيتم إخمادها
بسرعة أو أنها ستتجه نحو مقاومة حكم الزعيم شي جين بينغ. ولكن الضرر الاقتصادي
الأكبر الذي يركز عليه الجميع إلى حد
الآن، ينبع من الإغلاق ومن سياسات "صفر كوفيد".
ورغم نفي جون
كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي، تأثير هذه السياسات على
سلسلة التوريد يبدو أن المخاوف بشأن التأثير الاقتصادي لانتشار الاضطرابات في
الصين مسؤولة جزئيًا عن تراجع الأسواق العالمية. فقد أغلق مؤشر إس أند بي 500
منخفضًا بنسبة 1.5 بالمائة، بينما ارتفع الدولار الذي غالبا ما كان ملاذا في
الأوقات المضطربة، تزامنا مع انخفاض أسعار النفط.
وأفادت
الصحيفة بأن الحجم الهائل لاقتصاد الصين ومواردها يجعلها لاعبًا مهمًا في التجارة
العالمية. وبالتالي، فإن عدم اليقين سيكون له تأثير هائل على بقية العالم نظرًا
لأنها تتفوق على جميع الدول باعتبارها أكبر مستورد للبترول، ولا يوجد بديل لما
تقدمه من حيث الحجم والقدرات.
وأكدت الصحيفة
أن التأخيرات والنقص المرتبطين بالوباء قد دفعا العديد من الصناعات إلى إعادة
تقييم مرونة سلاسل التوريد الخاصة بها والنظر في مصادر إضافية للمواد الخام
والعمال، ومنها شركة آبل التي حولت جزءا صغيرا من إنتاجها إلى دول أخرى مثل فيتنام
أو الهند.
مع ذلك، وحتى
لو أراد رجال الأعمال والقادة السياسيون أن يكونوا أقل اعتمادًا على الصين، فإن
هذا الأمر لا يمكن تطبيقه على الواقع لأن حجم الصين الذي لا يوجد له مثيل يمثل
إغراء للشركات الأمريكية والأوروبية مثل تيسلا وجون دير وفولكس فاغن وغيرها من
الشركات التي لا تسعى إلى تصنيع المنتجات بسرعة وبتكلفة منخفضة فحسب، بل لبيعها
بأعداد كبيرة.
وقالت الصحيفة
إنه رغم ترابط الاقتصاد العالمي، فإن إحدى الطرق التي قد يساعد بها تباطؤ الصين
الدول الأخرى تتمثل في الحفاظ على أسعار الطاقة منخفضةً. ويقول خبراء الطاقة إن
ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كوفيد والشكوك المتزايدة حول تخفيف الصين للقيود في
المدن الكبرى تعد سببا رئيسيا لانخفاض أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية.
ومع أن الطلب
الصيني يعد أكبر عامل منفرد في تزايد الطلب العالمي على النفط، إلا أنه ومع تراجع
الاقتصاد الصيني في ظل الإغلاق، أبحر عدد قليل من ناقلات النفط إلى الموانئ
الصينية في الأسابيع الأخيرة، مما أجبر كبار منتجي النفط في الشرق الأوسط وروسيا على
خفض أسعارهم.
اظهار أخبار متعلقة
فيما يتعلق
باضطرابات سلسلة التوريد، فقد تم تأطير كل شيء يتعلق بنقص الإمدادات، خاصة القطاعات التي تعتمد على التعامل المباشر مثل
البيع بالتجزئة والضيافة والترفيه والتي
من المرجح أنها ستتلقى الضربة الأكبر.
خسائر متوالية
في سياق متصل،
نشرت صحيفة "
الإيكونوميست" البريطانية تقريرا تحت عنوان "إنهاء
سياسات صفر كوفيد يطلق العنان للفوضى"، قالت فيه إن عمليات الإغلاق والقيود
المُشددة على حركة السكان قد أدت إلى تقويض ثقة المستهلك والنمو الاقتصادي، حيث
خسرت أكبر ثلاث شركات طيران في الصين 74 مليار يوان مجتمعة في الأشهر التسعة
الأولى من سنة 2022، وانخفضت حركة مترو الأنفاق في أكبر عشر مدن في الصين بنسبة 32
بالمائة على أساس سنوي، وتراجعت عائدات شباك التذاكر - وهي مقياس لاستعداد الناس
للخروج والتجول - بنسبة 42 بالمائة فقط من دور السينما الصينية.
وأشارت
الصحيفة إلى أنه قد تم تطبيق عمليات الإغلاق الآن في المدن التي تمثل حوالي ربع
الناتج المحلي الإجمالي للصين، متجاوزة الذروة السابقة التي بلغت حوالي الخمس في
منتصف نيسان/ أبريل. ومع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى مستويات غير
مسبوقة، يحاول صناع القرار تعزيز الاقتصاد، حيث أعلن البنك المركزي عن خفض نسب
الاحتياطي المطلوبة للمقرضين، وكانت هناك محاولة لزرع ثقة جديدة في سوق العقارات
في الصين، وسعت تدابير التخفيف التي تم الإعلان عنها إلى مساعدة المطورين
المتعثرين في الوصول إلى الائتمان. ولكن عمليات الإغلاق المستمرة ستمنع مشتري
المساكن المحتملين من الشراء، حيث تبدو آفاق الاقتصاد قاتمةً على نحو متزايد.
وحتى في الوقت
الذي تعلمت فيه أماكن أخرى التعايش مع الفيروس في سنة 2022، فإن سياسة الصين
لمكافحة فيروس كورونا، بدءا من إغلاق شنغهاي مركز الأعمال الرئيسي في البلاد، بدت
غير منظمة وقمعية تماما. يخضع المواطنون لاختبارات لا نهاية لها، وتم تضييق الخناق
على الشركات والمناطق السكنية دون سابق إنذار، وأصبح السفر بين المدن والمحافظات
مرهقا، نظرا للقيود الخاصة التي تفرضها كل حكومة محلية.
وأضافت
الصحيفة أنه إثر إصدار الحكومة المركزية لـ "20 إجراء" بهدف تخفيف
القيود المختلفة لفيروس كورونا، مثل تقليل الحجر الصحي للمسافرين الوافدين من سبعة
إلى خمسة أيام، تلقت أسواق الأسهم هذه الإجراءات كإشارة إلى أن الصين تخطط للتخلص
التدريجي من فيروس كورونا، ولكن القيادة الصينية لم تكن تنوي إرسال مثل هذه
الإشارة.. ومع ارتفاع عدد الحالات في العديد من المدن، عاد المسؤولون المحليون إلى
عمليات الإغلاق التعسفي الواسعة النطاق.
ومع تصاعد
الضغط على العديد من الجبهات، قلة من المحللين يعتقدون أن الصين تستعد لإعادة فتح
وشيكة، في حين يرى الكثيرون فترة من الارتباك والأخطاء السياسية المؤلمة في القريب
العاجل. وفي ظل هذه الظروف، تبدو النظرة
المستقبلية للاقتصاد قاتمة إذ من المرجح أن يستمر إغلاق الشركات والمناطق السكنية
وحتى الأحياء بأكملها، ومن المحتمل أن تستمر العديد من المشكلات الحالية التي تواجه
شركات الطيران ودور السينما، وستطول الشركات الأخرى متعددة الجنسيات.
وأضافت
الصحيفة أن هذه الفترة يمكن أن تشمل تباطؤا واسع النطاق في النشاط التجاري، ويمكن
أن تتوقف المصانع مؤقتا. وقد يؤدي الارتباك وعدم الاتساق في السياسات بين
المقاطعات والمدن إلى إرباك سلاسل التوريد لأسابيع، ومن المحتمل أن يعتمد بعض
المسؤولين المحليين على عمليات الإغلاق الخفية للحد من الانتشار. ومن جهتهم، يقول
المحللون إنه حتى إذا ما قررت الصين إنهاء سياسات "صفر كوفيد" على
الفور، فمن المحتمل ألا تظهر الآثار الاقتصادية الإيجابية إلى غاية سنة 2024.
وستكون الفترة الانتقالية فترة اضطراب وعدم استقرار يكون فيها النمو منخفضًا.
اختبار صبر الصينيين
في شأن ذي
صلة، نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية تقريرا تحت عنوان "لماذا
لا يزال كوفيد يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للصين والاقتصاد العالمي؟"، تطرقت
فيه إلى المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي نتيجة سياسات كوفيد في الصين.
فبعد ثلاثة أعوام من انتشار الفيروس لأول مرة، أعادت الاحتجاجات في العديد من
المدن الصينية ضد سياسات حكومة بكين الصارمة للحد من انتشار فيروس كوفيد إثارة
المخاوف في الأسواق المالية بشأن التكاليف الاقتصادية للجائحة، حيث تراجعت أسعار
النفط العالمية مرة أخرى، في حين تعرض اليوان الصيني وأسواق الأسهم في جميع أنحاء
آسيا لضربة قوية.
ومع الاستخدام
المستمر لضوابط صارمة لاحتواء تفشي المرض، يبدو أنه يتم اختبار صبر سكان الصين
البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. فعلى الرغم من أن بكين قد سبق أن أعلنت عن "20
إجراء" في وقت سابق من هذا الشهر لتخفيف نهجها الخاص بسياسة "صفر
كوفيد"، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءات فعلية على أرض الواقع.
وأكدت الصحيفة
أنه بغض النظر عما تقوم به السلطات فإن التوقعات الاقتصادية للصين تعد خطيرة
نظرا لأن التمسك بسياسة "صفر كوفيد" يتطلب عمليات إغلاق محلية صارمة في
مناطق تولد حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للصين. كما أن الإزالة السريعة
للقيود من شأنها أن تؤدي إلى المخاطرة بنظام الرعاية الصحية الصيني، وهو ما قد
يؤدي بدوره إلى إغلاق وطني صارم له تأثير اقتصادي مماثل لما حدث في أوائل سنة
2020.
وباعتبارها
واحدة من أكبر مشتري الموارد الطبيعية لتشغيل قطاعها الصناعي، فإن احتمالات انخفاض
الطلب في الصين - نتيجة الإغلاق أو الاضطرابات السياسية المستمرة - يمكن أن تثقل
كاهل ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تراجع أسعار السلع
العالمية.
وفقا للصحيفة،
لطالما لعبت الصين دورا محوريا بشكل متزايد في سلاسل التوريد العالمية، مما يعني
أن عمليات الإغلاق التي تؤثر على القاعدة الصناعية الواسعة في البلاد سيكون لها
عواقب دولية كبيرة. وهو ما كان واضحا جراء صدمة التضخم التي امتدت عبر الدول
الغربية، حيث عانت المصانع من تأخيرات شديدة في عمليات التسليم من آسيا، ونقص
المكونات الرئيسية، وتكاليف الشحن الباهظة.
وفي حين أن
احتمال حدوث ركود طويل الأمد في المملكة المتحدة وأماكن أخرى سيحد من الطلب على
السلع والخدمات - مما يساعد على تخفيف الضغوط التضخمية - فإن فرصة حدوث عمليات
إغلاق جديدة قاسية في الصين وقضايا سلسلة التوريد المتجددة قد تدفع في الاتجاه
المعاكس. وقد راهن كبار المستثمرين العالميين مؤخرا على أن تضخم الاقتصاد المتقدم
يقترب من الذروة، وهو ما قد يمكّن البنوك المركزية من التراجع عن الإجراءات
الصارمة المتخذة لرفع أسعار الفائدة. وبالتالي، يذكرنا ما يحدث في الصين بحقيقة أن
فيروس كوفيد-19 لا يزال يمثل مشكلة حقيقية كبيرة لثاني أكبر اقتصاد في العالم.