قضايا وآراء

تونس التكرار والجمود

الشاذلي بن عمر
1300x600
1300x600
ليس هناك حراك ديناميكي حيوي في تونس يشكل مادة جديدة لمقالاتنا، فالأوضاع في حالة ثبات وركود، والكلام هو الكلام ذاته الذي يكرره قيس سعيد، والمعارضة تلوك ذات الحجج وذات الاعتراضات وذات الاتهامات للمنقلب، ولا جديد يذكر يمكننا أن ننطلق منه في مقال جديد، حتى بتنا نحن أيضا نكرر أنفسنا بأساليب وقوالب جديدة، اللهم إلا فيما يتعلق ببعض الأحداث التي لا يصنعها قيس سعيد مباشرة كالقمة الفرانكفونية الثامنة عشرة، المزمع عقدها يومي 19 و20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بجزيرة جربة جنوب البلاد، التي سأخصص لها مقالتي القادمة.

كل ما يدور اليوم في تونس يتلخص في الغلاء وفقدان المواد الغذائية الأساسية، والمحاكمات الكيدية للمعارضة، والانتخابات البرلمانية والقروض المرتقبة، وعجز الميزانية وتأخر رواتب الموظفين، وحراك المعارضة التي تكرر نفسها؛ مما خلق في البلاد جوا من السأم من الأوضاع القائمة التي يمكن تلخيصها بحاكم أرعن ماض في بناء صروح من القش، وقلاع من الهشيم الذي تذروه الرياح، ومعارضة قوية إعلاميا، وضعيفة إجرائيا؛ فهي من جانب قادرة على تفنيد خطط سعيد ومؤامراته وكشفها للشعب، ومن جانب آخر عاجزة عن وضع برامج وخطط شاملة تستطيع بها إحداث التغير المطلوب، وشعب تائه ومنقسم على نفسه، بعضه يتناحر مع بعضه الآخر، وكل هؤلاء مأزومون بهذا الوضع المزري الذي يحس به الرئيس والمعارضة والشعب، فالكل مأزوم على طريقته، والكل يمسك العصا من المنتصف.
كل ما يدور اليوم في تونس يتلخص في الغلاء وفقدان المواد الغذائية الأساسية، والمحاكمات الكيدية للمعارضة، والانتخابات البرلمانية والقروض المرتقبة، وعجز الميزانية وتأخر رواتب الموظفين، وحراك المعارضة التي تكرر نفسها

أما سيادة الرئيس؛ فعاجز ومهووس بالسلطة، ولا يفكر في أنين الشعب وصراخه، وكل همه أن يعبر من مخططاته الملوثة بأمان؛ فغاية مطمحه أن تجري الانتخابات البرلمانية كما يشتهي، وأن تستتب له الأمور كما يحب، وأن يكون له في الخارج داعمون أقوياء، على رأسهم فرنسا، وفي الداخل مؤيدون أو محايدون. والحياد انحياز صامت، فأحيانا يكون الحياد أسوأ من المعارضة.

وأما المعارضة، فغير قادرة على إحداث تغييرات جوهرية في المشهد القائم، لأسباب عدة منها: القبضة الأمنية والمحاكمات الكيدية، وتشتت رافضي إجراءات سعيد، وعدم وجود نصير قوي للمعارضة في الخارج أو الداخل، باستثناء الكتلة الشعبية الرافضة للانقلاب أو تلك المتضررة بالغلاء الفاحش وفقدان المواد الأساسية، وهذه الكتلة لا تجيد سوى التبرم والشكوى مع أنها تتمنى أن يزول حكم سعيد اليوم قبل غد.

وأما الشعب فشعبان: شعب صامت مرهق ومنهك القوى، يصرخ أحيانا ويصمت أخرى، وأكبر تفكيره كيف يحصل على غذائه ودوائه وأمنه، وشعب منسجم مع المنقلب لا لشيء سوى لمعاداته حركة النهضة، حتى وإن جاع وعري ومرض وأنهكه ضيق الحال.

لكن النقطة الفارقة التي لا يستطيع أحد إنكارها، أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مند الانقلاب في 25 تموز/ يوليو 2021 حتى اليوم في ترد وتدهور مستمر، مسّت السواد الأعظم من الشعب، وما زالت تأكل أكباد أرباب الأسر الذين باتوا عاجزين عن توفير اللقمة السائغة لأبنائهم.
المعارضة غير قادرة على إحداث تغييرات جوهرية في المشهد القائم، لأسباب عدة منها: القبضة الأمنية والمحاكمات الكيدية، وتشتت رافضي إجراءات سعيد، وعدم وجود نصير قوي للمعارضة في الخارج أو الداخل، باستثناء الكتلة الشعبية الرافضة للانقلاب أو تلك المتضررة بالغلاء الفاحش وفقدان المواد الأساسية

وبينما يعاني الشعب الأمرّين، يستمر قيس سعيد بتجاهل الأزمات، ويسوّق نفسه من خلال الاتهامات والافتراءات على المعارضة، وخصوصا جبهة الخلاص الوطني التي استنكرت تصريحات سعيد التي تحرض على المعارضة، وكذلك فعلت نقابة الصحفيين فيما يتعلق بعمليات الترهيب لوسائل الإعلام المستقلة؛ فقد اتهم قيس سعيد المعارضة باستهداف الغابات بالحرائق، وترويج المخدرات والعمالة للخارج، وهو ما عدته الجبهة اتهامات وافتراءات مؤذية ولا أساس لها من الصحة.

كذلك فقد استنكرت مواصلة سعيد الضغط على القضاة بدعوتهم لتطهير البلاد من المعارضة، وانتقدت التدخل في سير بعض القضايا من خلال وزيرة العدل. وفي ذات الإطار طالبت الجبهة النيابة العمومية بفتح تحقيق شفاف فيما أثاره قيس سعيد في خطابه الأخير من اتهامات، لا تمت إلى الواقع بصلة.

وبذات الأسلوب الذي ينتهجه المنقلب المصري؛ فإن قيس سعيد يعُدّ من يوجه النقد لتصريحاته وإجراءاته هادما للدولة، وهو أسلوب كريه وممجوج، لا تستخدمه إلا القيادات العفنة والدكتاتورية المقيتة؛ فالمعارضة في الغالب الأعم أكثر صدقا وحرصا على الوطن من قياداته، لا سيما إذا لم تكن الأيديولوجيا هي المحرك لها.

ويعمل قيس سعيد على ضرب العمل الصحفي وترهيب الصحفيين بمقتضى المرسوم 54، الذي ينص على: "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير، بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان". وهو مرسوم مجحف لا تستخدمه إلا الأنظمة الدكتاتورية التي تخشى الإعلام؛ فهو أكبر عدو لتجاوزاتها وقراراتها البعيدة عن مصالح الشعب، التي تصب جميعا في غايات الرئيس ومصالحه الشخصية، وانفراده بالسلطات، متجاوزا حقوق المواطن، وتلبية متطلباته وحاجاته الأساسية.
بذات الأسلوب الذي ينتهجه المنقلب المصري؛ فإن قيس سعيد يعُدّ من يوجه النقد لتصريحاته وإجراءاته هادما للدولة.. وهو أسلوب كريه وممجوج، لا تستخدمه إلا القيادات العفنة والدكتاتورية المقيتة

وفي الأثناء، تتفجر أزمة النفايات في العاصمة الاقتصادية للبلاد صفاقس، حيث اشتعلت النيران في جبال من النفايات، مما غطى المدينة بسحابة من الدخان برائحته الخانقة، بما يشكل فضيحة كبرى، لاسيما أن الحكومة عاجزة عن حل المشكلة منذ أكثر من عام، وقد خرج مئات المواطنين في تظاهرة صاخبة جراء ما حدث.

وتتفاعل هذه الأيام قضية تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي قال حرفيا: "فرنسا حاسبة للجزائر ألف حساب، لسنا محمية مثل بعض الدول التي تأتيها الأوامر وتطبق وتسكت"، ويغلب الظن أنه كان يقصد تونس، ذلك أن سعيد كان قد صرح قائلا: "نحن كنا تحت الحماية الفرنسية، ولم نكن مستعمرين مثل الجزائر".

والحقيقة، أن تصريح قيس سعيد عن الحماية الفرنسية يظهر مدى خوفه من فرنسا وحرصه على إرضاء ماكرون، على حساب الحقيقة والتاريخ وسمعة الوطن وكرامة الشعب، الذي قارع الاستعمار واستشهد منه الكثير في شتى بقاع الوطن، وخصوصا في مدينة بنزرت شمال البلاد. وتذكرنا تصريحات سعيد باستنجاد أبو عبد الله الحسن بملك إسبانيا شارل الخامس في القرن السادس عشر، الذي احتل تونس ووضعها تحت الحماية الإسبانية.

تونس تحت حكم الدكتاتور ماضية إلى أسوأ حقبة مرت بها عبر تاريخها، فحاكمها أهوج، ومعارضتها عاجزة، وشعبها يقاسي الجوع والحرمان، لكن صدى "إذا الشعب يوما أراد الحياة" يتردد في الأجواء، ولا بد لليل أن ينجلي.
التعليقات (3)
جمال ذيبي
الجمعة، 18-11-2022 06:04 م
الله لا تربحه قيس سعيد قتلنا وشردنا وجوعنا ولعب بينا الكورة، وكل وعوده كذب والله تحيل علينا وركب فوق ظهورنا. حسبنا الله عليه
ابتهال المشرقي
الجمعة، 18-11-2022 01:57 م
إنها أساليب بن علي العفنة تتكرر أما الشعب تقتله السلبية فكيف يسمح بخنق حريته بعد أن افتكها بالدماء الزكية سؤال يخنق كل حر آمن بحق شعبه في الحرية و الكرامة
مروان
الجمعة، 18-11-2022 01:51 م
لقد كشف قيس سعيد عن وجهه منذ اللحظة الأولى، فهو مأخوذ بالسلطة يأتيها نهبا وجنونا وصداما وانفرادا وإهانة للشعب ومواجهة قذرة للشعب وتوبيخا للدائرة المحيطة به. إلا أن سعيه سوف يرى، والله تبارك وتعالى لا يظلم أحدا. والظالم له يوم...