قضايا وآراء

الرؤية الإسلامية لهوية العالم (2)

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600

مشروع الهوية الإسلامية الربانية للعالم

أفصح الغرب (أمريكا وأوروبا) عن جزء من رؤيته لهوية العالم، واستكمل تاريخه الحديث وأداءه الثقافي والاقتصادي والسياسي والعسكري المستمر عن بقية رؤيته التي حاول إخفاءها. وآن لنا أن نقدم رؤيتنا الإسلامية الربانية المعاصرة لهوية العالم.

بإيجاز سنعرض الرؤية الغربية (أمريكا، أوروبا، الناتو  NAT) والتي يمكن تلخيصها في التالي:

الجزء المعلن:

- تقسيم العالم إلى أسياد وعبيد. السيد هو الرجل الغربي الأبيض القوي.

- إلغاء الأديان والقيم والمبادئ الحاكمة لتفكير وسلوك البشر، لحساب هوية واحدة للعالم قوامها القوة والحرية المطلقة والفرد أساس المجتمع.

- سيطرة الهوية والقوة الأعظم على العالم بكافة أشكال القوة المتنوعة الناعمة والصلبة حتى نهاية العالم.

الجزء غير المعلن:

1- الاستعمار الناعم الخفي للدول والشعوب الضعيفة عبر اختراقها، بمستبدين ومتعاونين محليين واستنزاف مواردها، وتقويض مقدراتها البشرية ومنع أي فرص لتحررها وتنميتها ونهوضها.

2- التخلص من العدد الكبير غير اللازم من سكان العالم والاكتفاء بالمليار الذهبي.

3- ممارسة الحرب الهجينة والمكر، والتلاعب بالشعوب وتجهيلها وتحويلها إلى مجتمعات قطيع، يسهل قيادتها وإداراتها إلى حيث تريد الدولة العظمى، أو تقرر إبادتها والتخلص منها. وهذا ما تؤكده حقائق التاريخ منذ تفكك الهوية الإسلامية وغياب شمسها عن كوكب الأرض بسقوط آخر خلافة إسلامية بسقوط الدولة العثمانية، وبداية حقبة تقسيم العالم الإسلامي والاحتلال العسكري وتطوره إلى الاحتلال الناعم وإدارته عن بعد عن طريق وسطاء وخونة متعاونين معه. وما زالت تؤكده حقائق الواقع الحالي باحتواء الربيع العربي وتقويض فرصة كبيرة لتحرر العالم العربي وانفكاكه من سجن الاستبداد المحلي والعالمي وتحرره، ليحكم نفسه بنفسه ويلج طريق التنمية والنهوض.

واقع جديد وفرص متكررة

مع الرؤية الأنانية المتطرفة الشاذة لهوية العالم، التي يتبناها الغرب والتي تتعارض مع سنن الله تعالى في الكون بديمومة التنوع والتدافع النسبي بين هذا التنوع الضامن لحد مناسب من الحياة للجميع والتميز للعاملين المجتهدين منه، تزداد بشكل مطرد:

- حدة الصراع بين الأقطاب والقوى العالمية، وتشتعل الحروب الهجينة المتنوعة.

- شراسة الصراع على الموارد، واستنزافها في غير موضعها الطبيعي لحساب كل البشر.

- تصنيع وافتعال الأمراض والأوبئة والأزمات المخيفة والمرعبة والفتاكة لقطيع البشر، كما يسمونه.

- اتساع الفجوة بين طبقات البشر وتحولهم إلى طبقتين، ونمو الفقر والجهل والمرض والوفاة، بل والإبادات الجماعية في الطبقة الأضعف من العالم، بما يعنى أن العالم لم يعد بيد أمينة عليه، ويتحتم تغيير هذه القيادة، وهذا النظام العالمي الظالم البائس في مجمله، والذي وضع مجمل سكان العالم في حالة توتر دائم، وأكثر من نصف سكان العالم على حافة الفقر والموت.

الفرصة المزدوجة

في هذا السياق تظهر في الآفاق فرصة مزدوجة لاستعادة هداية وتوازن العالم وتجسير الفجوة بين مجتمعات وطبقات العالم، وهدوء نسبي في حدة الصراع وتحوله إلى تدافع طبيعي بين تنوع بشري تغلب عليه قوة الهوية الإسلامية.

الفرصة الأولى: انشغال القوى الكبرى بصراعها وحروبها المدمرة والتي تأتي على الكثير من مقدراته، وتنتهي بالدمار والخراب والضعف على الجميع، وانتصار بعضه، ومن ثم تفتح فضاء للدول الصغرى لتحقيق المكاسب التحررية والتنموية بقدر استعداد وجاهزية كل منها.

الفرصة الثانية: غضبة الشعوب المتضررة من قوة الضغط ومخاطر الإبادة وبحثها عن ذاتها وهويتها وعودتها إلى دينها، والبحث في المقومات الذاتية للتحرر والنهوض بفعل نمو منسوب الضغط والخوف من الفناء لدى الطبقة الأضعف في العالم، فتعود بفطرتها إلى البحث عن ذاتها وهويتها الخاصة، سر قوتها وسبب بقائها، وتنمو الصحوة الدينية لدى قطاعات كبيرة من الطبقة الأضعف وينمو معها الوعي بالذات والغضب، الذي يدفعها بعد فترة إلى الوحدة والاحتشاد والثورة ضد الطغيان العالمي من قبل الطبقة القوية المرفّهة المبتزة لموارد وثروات العالم.

استثمار الفرص

بيد أن هاتين الفرصتين يتوقف استثمارهما على وجود نخبة دينية وفكرية وخططية وتنفيذية جاهزة تمتلك مشروعا إسلاميا ووطنيا حقيقيا بديلا للتحرر والتنمية والنهوض.

مشروع الهوية الإسلامية للعالم


 

تتكون الهوية الإسلامية الربانية المعاصرة من مكون صلب يتكون من عقيدة التوحيد واللغة العربية، لغة القرآن الكريم الكتاب الخاتم من الله تعالى للناس، ومن القيم القرآنية المنزّلة في القرآن الكريم والتراث الإسلامي العظيم لسبعة قرون متتالية حكم الإسلام فيها العالم بنظام دولي اجتهد في نشر الرحمة والعدل للعالمين، ومن هوية مرنة تتكون من رؤية ورسالة ومهمة المجتمع والأمة الإسلامية ونظام التربية والتعليم، والإعلام والثقافة والإنجازات الحضارية المتحققة والأعراف والتقاليد والفلكلور والتاريخ الإسلامي العظيم.

المدخل

عندما نتحدث عن الهوية الإسلامية الربانية للعالم فإننا نستعيد هوية العالم لفطرتها وأصولها الصحيحة ونموذجها المحمدي الفريد الذي امتد إلى سبعة قرون متتالية تدرّج فيها مؤشر الهوية العالمية بين الصعود والهبوط، ولكنه لم يتجاوز الحد الأدنى من الأمن والسلم والاستقرار العالمي المقبول به.. استعادة الهوية الإسلامية للعالم من النظام الغربي البديل الذي ورث العالم منذ عام 1924م ووضع له نظاما عالميا ظالما محكما مغلقا عليه دون غيره، آن له أن ينفك ويذهب.

في سياق:

1- إيماننا بالله تعالى وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم الرحمة للعالمين والمنقذة والمخلصة للعالم من شرور مجموعة الشياطين التي تدير النظام العالمي في الخفاء والعلن.

2- وعينا بواجبنا الإيماني تجاه رسالتنا الحضارية رحمة للعالمين.

3 - إدراكنا للفرصة التاريخية الثمينة المتاحة حاليا.

وجب علينا المسارعة والتقدم بمشروعنا الإسلامي الأصيل لهوية العالم والذي يترجم نور الله تعالى الرحمة للعالمين ميراث محمد صلى الله عليه وسلم لإنقاذ البشرية، وتقديم رؤيتنا الإسلامية الربانية لهوية العالم كنذارة وبشارة وطمأنة العالم وتحفيزه بمستقبل أفضل مع الإسلام، من خلال الإجابة على أسئلة الهوية الإسلامية للعالم كما يراها الله تعالى خالق ومالك ورب هذا الكون بكل ما فيه من مخلوقات:

س1: ما أهم عشرة سنن حاكمة لهوية العالم في القرآن الكريم؟

س2: ماذا يريد الله تعالى لهوية العالم؟

س3: ما الخصائص المميزة للهوية الإسلامية الربانية للعالم؟

س4: ما المعايير الإسلامية لجودة هوية العالم؟

س5: ما هي مؤشرات قياس سلامة وجودة هوية العالم؟

ج1: أهم إحدى عشرة سنة حاكمة لهوية العالم في القرآن الكريم؟

سنن الله تعالى الحاكمة والمنظمة لهوية العالم كثيرة ومتنوعة في القرآن الكريم:

- "قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" (آل عمران: 137).

- "سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا" (الفتح: 23).

ولكننا نكتفي بأهم عشر سنن إلهية منها فقط:

1- سنة التنوع:

- "وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" (هود: 118).

- "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (هود: 118-119).

2- سنة التدافع:

- "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" (البقرة: 251).

-" ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" (الحج: 40).

3- سنة التغيير والتداول: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد: 11).

4- سنة الاستقامة: "وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (الشورى: 52).

5- سنة البيان الإلهي لتحقيق الهداية: "يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (النساء: 26).

6- سنة الهداية:

- "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس: 99).

- "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكا وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَعْمَىٰ" (طه: 124).

7- قانون السببية:

- "وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبا" (الكهف: 84).

- "أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ" (الكهف: 10).

8- سنة المفاصلة:

- "إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانا" (الأنفال: 29).

- "إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ" (الأنعام: 56).

- "فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ" (يونس: 32).

- "قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ" (الأنعام: 56).

- "يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُو اْاليهود والنصارى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" (المائدة: 51).

- "يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة" (الممتحنة: 1).

9- سنة حفظ الله تعالى للمصدر المرجع الذكر للعالمين: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ" (الحجر: 9).

10- سنة التمكين لأهل الحق: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ".

ج2: ماذا يريد الله تعالى لهوية العالم؟

من خلال فهمنا لسنن وقوانين الله تعالى في هوية الناس والعالم يمكننا استنباط السمات الأساسية للهوية الإسلامية التي يريدها الله تعالى لمجتمعات المؤمنين، والمنظمة لحياة الناس كافة وإن لم يؤمنوا بالله تعالى، حيث تؤكد الآيات مراد الله تبارك وتعالى لهوية العالم بالهداية والاستقامة على عقيدة التوحيد وقيم القرآن الكريم وهدى محمد صلى الله عليه وسلم، بقناعة واختيار ورغبة الناس والمجتمعات وفق القانون الإلهي، "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة: 256)، بما يحقق في ذاته الحرية الكاملة للإنسان في الاختيار وصيرورة سنة التنوع والاختلاف بين الإيمان والكفر والهداية والضلال.

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرق خيارات ومسارات البشر نحو هويات متعددة ومتنوعة، فقد جاء في الحديث أن الرسول ﷺ خط خطا مستقيما، فقال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله، فقال: هذه السبل، وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه، ثم قرأ الآية: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ" (الأنعام: 153).

ونكتفي هنا بثلاث عشرة دلالة لرسم ملامح الهوية الإسلامية الربانية للعالم:

1- أراد الله تعالى لهوية العالم أن تكون إسلامية، ولم يردها هوية إنسانية ولا مادية علمانية أو اشتراكية.. إلخ، بدعوى التنوع البشرى واحترام خيارات وإرادات غير المسلمين.

2- كذلك لم يردها الله تعالى هوية إسلامية كاملة إكراها على الناس، فسنن التنوع وعدم الإكراه على الإيمان والتدافع جارية إلى يوم القيامة، وسنة الاختبار ممحصة لتمييز طبقات المؤمنين:

- "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (تبارك: 2).

- "مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ" (آل عمران: 179)، ويتأكد أنه "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا" (الأحزاب: 23).

3- كذلك لم يردها الله تعالى أكثرية عددية للمؤمنين على الكافرين:

- "وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ" (يوسف: 103).

- "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا" (يونس: 99).

- "فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"؛ بالتميز النوعي لهويتهم الإسلامية التي صنعت منهم نموذجا بشريا عظيم الهدف والغاية والقدرات والقوة والغلبة.

4- حفظ الله تعالى للقرآن الكريم الكتاب المرجع الأصل للهوية الإسلامية الربانية بمن يضمن خلودها، بينما تقوى وتضعف في نفوس المسلمين كمّا وكيفا، مع استمرارية تحققها نوعية كاملة ولو في طائفة صغيرة. حديث "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك".

5- تعاقب تداول الهويات المختلفة على العالم، بتغير موازين القوة، ووفق اجتهاد وجهود الأجيال المتعاقبة.

6- نصر الله وعلو المؤمنين، وغلبة وسيادة الهوية الإسلامية الربانية إنما يتم بأسبابه وبشروطه وبثمنه.

7- الدين والشريعة كلها منفعة ولمنفعة الناس أجمعين، هذا سياق نجده واضحا وجليا في الإرادة الإلهية للهوية الإسلامية للعالم، حيث يعقب كل ذرة انحراف في هوية الناس عن لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ لهو وأنانية وطغيان وفساد وإجرام في المجتمع وانتهاك لحقوق الآخرين غالبا من القوى للضعيف، "فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ" (يونس: 32).

والفساد في الأرض بمعنى خلل عن منهج الله تعالى في إدارة واستثمار البشر والموارد، فينتج عنه ضعف السلوك والأداء والإنجاز وتدنى الناتج المحلي والهبوط العلمي وتدهور الاقتصاد، وخراب على المجتمع يبدأ في الجزء الرخو الضعيف منه، ثم ما يلبث أن يصل لكافة شرائح وطبقات المجتمع بخراب عام على المجتمع والدولة. وهذا هو السر في كشف العلاقة بين انحراف هوية الدول النامية والهوية الإسلامية، وما تعيشه من تخلف وضعف وهوان.

8- وعلى مستوى النظام الدولي وما يعتقد من هوية، فمع كل انحراف عن الهوية الإسلامية الربانية للعالم وبما بلغته البشرية من قوة تهدم نفسها بنفسها بحجودها وكفرها وفسوقها وخروجها عن منهج الله تعالى؛ يجرى تكبر وطغيان وظلم الدول الكبرى، تزداد وتيرة الصراع والحروب والإجرام ويعم الخراب في الأرض، حيث خربوا ودمروا الأرض أكثر مما عمروها، فلا استقرار ولا سلام ولا أمن ولا أمان في الأرض بدون هوية التوحيد والإسلام.

ولو صنعوا ألف عصبة أمم، وأمم متحدة، وصندوق وبنك دولي، ومنظمة لتجارة العالم، فالسر فيمن يدرها بغير منهج وهوية الله تعالى لتحقيق أهداف الطغيان والفساد في الأرض. فقط هوية الإسلام الربانية الهوية الوحيدة الضامنة للعدل والرحمة والأمن والاستقرار العالمي.

9- الله تعالى يريد الرحمة للعالمين، "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107). والرحمة تعنى الأمن والسلام والاستقرار والرفاهية بنعمة الله تعالى ورحمته.

10- الله تعالى يريد للناس الهداية والعلم والتطور والرقى: "بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ الٓر ۚ كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ" (إبراهيم: 1).

11- الله تعالى يريد للمجتمعات المختلفة المتنوعة التعارف والتعاون والتكامل لإدارة مصالحهم المشتركة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13).

12- الله تعالى يريد للبشرية قيما ثابتة راسخة مطلقة تمثل مرجعية عليا واحدة للبشر يهتدون بها ويتحاكمون عليها، وتستقيم حقوقهم وواجباتهم البينة على أساسها بعدل ومساواة: "ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ" (البقرة: 2).

13- الله تعالى يريد للإنسان كل الإنسان حفظ كرامته الإنسانية كقيمة عليا حاكمة وغائية لكل دساتير وقوانين البشر: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ" (الإسراء: 70).

في المقال التالي إن شاء نستكمل الإجابة على بقية أسئلة التعريف بالهوية الإسلامية الربانية القادمة لإنقاذ العالم.

س3: الخصائص المميزة للهوية الإسلامية الربانية للعالم؟

س4: المعايير الإسلامية لجودة هوية العالم؟

س5: مؤشرات قياس سلامة وجودة هوية العالم؟

التعليقات (1)
التصحيح الديني قبل التصحيح السياسي والاقتصادي
الخميس، 03-11-2022 06:55 م
ان الحقيقة الكبرى التي غفل عنها فقهاء الاسلام قديما وحديثا هي ان الاسلام قد دشّن عصر ما بعد الرسالات، أي عصر صلاحية الانسانية للتشريع لنفسها، وبغير ذلك فان البشرية كانت ستبقى دائما بحاجة الى انبياء جدد. لقد انعزلت أمة العرب عن بقية امم الارض المتحضرة لمئات السنين. وكان من نتائج هذا الانعزال، عجزها شبه التام عن انتاج المعرفة. وكانت الثقافة الدينية الموروثة الخاطئة هي السبب الرئيسي في هذا الانعزال، بسبب التناقضات الكثيرة الموجودة كتب الموروث الديني مع ايات التنزيل الحكيم، مما اثر سلبا في تشكل العقل الجمعي العربي. وكان السبب الرئيسي لذلك التناقض هو قيام ائمة المسلمين الاوائل والمعاصرين)، بنقل اسلوب الحياة الدنيوية للنبي وصحابته، على انه جزء من الدين، واعطوا ذلك صفة القداسة والشموليه والعالميه والابديه. فكان من تنيجة ذلك ان اصبحت المحرمات بين ايدينا بالمئات بل بالالاف بدلا عن اقتصارها على الاربعة عشر محرما المذكورة في كتاب الله. فقول الله تعالى في الاية الكريمه (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به شيئا .... 151/الانعام) يؤكد ان المحرمات محصورة في الايات المذكورة. وأن الله تعالى هو صاحب الحق الوحيد في التحريم. فكل اوامر النبي عليه الصلاة والسلام ونواهيه هي اوامر ونواهي تحمل الصفة المدنيه ضمن نطاق حكمه المدني من مقام النبوه، وهدفها تنظيم الحلال فيما يتعلق بمجتمعه المدني ودولته المدنيه في زمانه فقط، ولا تحمل صفة الشموليه ولا العالمية ولا الابدية، باستثناء ما كان منها يتعلق بشعائر الصلاة والزكاة، حيث امرنا الله تعالى بطاعة الرسول فيهما بشكل منفرد (واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). فهل من المقبول بعد ذلك ان يقال ان كل ما قاله واجتهد به العلماء الاوائل والمعاصرون هو من ثوابت الدين؟ وهل كل تفاصيل حياة النبي الدنيوية اليوميه واجتهادات من أتى من بعده من الخلفاء والائمة هي من ثوابت الدين؟ لقد كاد فقهاء الاسلام الاوائل والمعاصرين ان يؤلّهوا رسول الله. وكان من نتائج ذلك أن طغت محورية الحديث النبوي المنقول، على محورية كلام الله تعالى. واصبح ينظر لاحاديث النبي وتشريعاته على انها وحي ثان مواز للتنزيل الحكيم ومطابق له في القدسية، وربما اعلى منه في بعض الاحيان. واستندوا في ذلك على تفسيرهم للاّية الكريمه "وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى". واعتبروا ان تفسيرهم ذلك لهذه الاية هو تفسير نهائي غير قابل للمراجعة ولا للتصحيح، رغم ان هذا التفسير للآّية الكريمة لم يصدر عن النبي، ولم يرد عنه انه قال ان كل ما يقوله هو وحي من الله. ان معظم كتب الموروث الديني ماهي الا صناعه انسانية بحته، بمعنى انها لاتعدو كونها اجتهادات بشرية في حدود ما سمح به السقف المعرفي في العصور الاولى. اما التشريع النبوي الانساني (الصادر من مقام النبوه)، فقد كان ينحصر في تقييد المطلق او اطلاق المقيد ضمن دائرة الحلال الواسعه. فالنبي معصوم عن الخطأ من مقام الرسالة فقط، وليس من مقام النبوة (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك...) – (ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخره...). ولقد أعطى الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام (وللبشرية من بعده) حق الاجتهاد في التشريع الانساني الدنيوي، دون ان يعطي لذلك الاجتهاد صفة القداسة والشمولية والعالمية والابدية. وكانت تلك هي العلة الكبرى وراء كونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين (أي لا نبي بعده). والا، فان البشرية كانت ستكون دائما بحاجة الى انبياء جدد. وباعطائه سبحانه وتعالى للبشرية ذلك الحق فقد قضى بان محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين. لذلك كله، فأن امة العرب والاسلام في حاجة ماسة اليوم الى قراءة جديدة للتنزيل الحكيم كتلك التي قام بها المفكر الكبير د. محمد شحرور، والتي من شأنها احداث ثورة فكرية دينية شاملة، لتتصحيح القناعات المجتمعيه للعقل العربي. نقول ذلك، مع تسليمنا الكامل بأن كل فكر جديد هو خاضع للقبول او الرفض او التصحيح او التخطئة. ولنتذكر دائما بأنه ليس كل رأي او فكر جديد هو دائما قادم من عدو. وعليه، فاني انصح وبشدة، بالاستماع والاطلاع المتعمق على أفكار هذا العبقري الملهم، لأني أرى فيها حقا احياء للأمة من بعد سباتها الطويل.