قضايا وآراء

لماذا لم يشارك عرب الأهواز في احتجاجات إيران الأخيرة؟

عدنان زماني
1300x600
1300x600
يتساءل كثير من المعنيين بالشأن الإيراني عن سبب أو أسباب عدم مشاركة عرب الأهواز في احتجاجات إيران الأخيرة، التي اندلعت على خلفية وفاة/ مقتل شابة في مركز للشرطة في العاصمة طهران. والسؤال مشروع وقمين لكي نبحث له عن إجابات تكشف لنا المخبوء من الحقيقة، أو تقرّبنا من معرفة تلك الأسباب التي دفعت بالأهوازيين إلى الامتناع عن المشاركة في الاحتجاجات الشعبية في إيران.

يقطن عرب الأهواز في إقليم يسمى في إيران "خوزستان"، يقع جنوب غربي إيران بمحاذاة العراق من جهة الجنوب، وعُرف عن الإقليم كثرة الأزمات الناجمة عن السياسات الحكومية ماضيا وحاضرا. وتعد محافظة "خوزستان" ذات الأغلبية العربية أغنى المحافظات الإيرانية على الإطلاق من حيث الموارد الطبيعية من نفط وغاز، بالإضافة إلى كثرة الأنهار والأراضي الصالحة للزراعة، ما يجعلها تحتل أهمية قصوى لدى صانع القرار الإيراني.

وشهدت المحافظة في العقدين الماضيين، تطورات على صيعد العلاقة بين الحكومات الإيرانية والشارع الأهوازي، لا سيما الشريحة الواعية والمثقفة التي ترى أن الحكومات الإيرانية تتعامل بتمييز وتهميش متعمد للأهوازيين العرب، وتحرمهم من ثرواتهم الطبيعية، الأمر الذي جعلهم من أفقر الإيرانيين وأكثرهم حرمانا من الخدمات التعليمية والصحية والرفاهية. كما يعتقد الأهوازيون أن الحكومة تمارس إقصاء واضحا للعرب من تولي المناصب المهمة في المحافظة، وتعيّن بدلا منهم مسؤولين من الأقلية غير العربية المستوطنة في المحافظة، أو تأتي بمسؤولين من محافظات أخرى.
لا بد من الإشارة إلى الخصوصية التي تميّزت بها هذه الاحتجاجات، إذ إنها لم تتحرك بدافع اقتصادي أو سياسي "بشكل مباشر"، وإنما حرّكها الدافع الثقافي والاجتماعي، وطريقة في العيش تريد أن تعيشها الشعوب التي شاركت في الاحتجاجات، من أكراد وترك وفرس

وفي العودة إلى الحديث عن الاحتجاجات الأخيرة، في إيران لا بد من الإشارة إلى الخصوصية التي تميّزت بها هذه الاحتجاجات، إذ إنها لم تتحرك بدافع اقتصادي أو سياسي "بشكل مباشر"، وإنما حرّكها الدافع الثقافي والاجتماعي وطريقة في العيش تريد أن تعيشها الشعوب التي شاركت في الاحتجاجات، من أكراد وترك وفرس. وقد عبرت عن هذا المطلب بعد حادثة مقتل شابة في مركز لشرطة الأخلاق بسبب "الحجاب السيئ"، ليصبح "خلع الحجاب" أيقونة هذه الموجة من الاحتجاجات.

أما على صعيد واقع العرب في إيران، فلا بد من تأكيد هذه الحقيقة، ألا وهي أن الأهوازيين العرب يشعرون بواقع سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي؛ كل ما فيه يقف بالضد من تطلعاتهم ويناقض طموحهم نحو بناء مستقبل مزدهر ومشرق. وهذا الاستياء المتراكم والشعور بالظلم المستمر، تجلى في موجات من الاحتجاجات الشعبية خلال العقدين الماضيين. وبالرغم من مواجهة هذه الاحتجاجات للقوة الأمنية الباطشة، إلا أنها لم تفت من عضد الشارع الأهوازي، وظل الأهوازيون متأهبين لكل حراك اجتماعي يندد بالواقع السياسي في البلاد.

أسباب امتناع عرب الأهواز عن المشاركة في الاحتجاجات الشعبية في إيران

إذا كان الأهوازيون مستائين من الأوضاع في إيران، إذن ما الذي جعلهم يمتنعون عن المشاركة في الاحتجاجات الأخيرة؟ نعتقد أن هناك عدة أسباب (وليس سببا واحدا) تقف وراء هذا الموقف السلبي من الاحتجاجات، وهي كالتالي:

أولا: المعروف عن إيران أنها بلد الشعوب المتعددة والثقافات المختلفة، ويشعر السائح فيها بأنه في بلاد عدة ومجتمعات مختلفة، دينيا وثقافيا واقتصاديا، فهناك الشيعة والسنة وبعض الأقليات الدينية الأخرى، وهناك الفرس والكرد والبلوش والعرب والأذريون والتركمان، والكيلكيون واللور، وهناك الأغنياء في طهران وأصفهان وشيراز، والفقراء في بلوشستان والأهواز (خوزستان) ولرستان، وهناك العشرات من الفروق والاختلافات على الأصعدة والمجالات كافة.
أن الأهوازيين العرب يشعرون بواقع سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي؛ كل ما فيه يقف بالضد من تطلعاتهم ويناقض طموحهم نحو بناء مستقبل مزدهر ومشرق. وهذا الاستياء المتراكم والشعور بالظلم المستم،ر تجلى في موجات من الاحتجاجات الشعبية خلال العقدين الماضيين

وبالرغم من المحاولات المستميتة والجهود الجبارة التي تبذلها الحكومات الإيرانية سواء قبل ثورة عام 1979 أو بعدها، لصهر الشعوب الإيرانية في ثقافة واحدة هي الثقافة الفارسية، إلا أنها لم تفلح في ذلك تماما، وبقيت الشعوب الإيرانية تحافظ على خصوصيتها بالرغم من التأثر الملحوظ بالثقافة الفارسية الحاكمة. فالبلوش في إيران مثلا لا يزالون أهل سنة وتدين، والعرب أهل حياة يغلب عليها النظام القبلي وأعرافه الخاصة وهم محافظون اجتماعيا. وهكذا بقيت الشعوب في إيران تمتاز إلى حد بعيد بخصوصية وطريقة خاصة في الحياة الاجتماعية.

وبما أن أيقونة هذه الاحتجاجات تمثلت في ظاهرة "خلع الحجاب"، امتنع العرب الأهوازيون نشطاء وعامة عن المشاركة في هذه الاحتجاجات، إذ وجدوا أن شعارها ولافتتها الكبرى لا تنسجم مع ثقافتهم وعُرفهم الاجتماعي المحافظ، وهم يرون أن رفع هذه اللافتة (خلع النساء للحجاب) والتركيز عليها ليس بذات قيمة واعتبار، لا سيما إذا ما قورن ذلك بالأسباب التي تعني الشارع الأهوازي، وعلى رأسها العامل السياسي والاقتصادي.

خلص العرب في الأهواز إلى أن الاحتجاجات الأخيرة لا تحقق ما يصبون إليه من أهداف وغايات، وهي تعاني من سطحية في النظر وضبابية في الأهداف والغايات. هكذا رأى الأهوازيون أن التركيز على قضية واحدة، هي حرية المرأة -بالرغم من أهميتها ضمن مشروع تحرري مكتمل-، يعدّ تحريفا للمطالب الكبرى التي يطالبون بها منذ سنين. ومطلب حرية المرأة في لباسها إن كان مطلبا لبعض الشعوب الإيرانية، إلا أنه ما كان يوما من الأيام يشكل هاجسا للأهوازيين المحافظين رجالا ونساء.

وهذا السبب إن كان فعلا هو الذي دفع بالأهوازيين إلى عدم المشاركة في هذه الاحتجاجات، يؤكد وجود وعي جماعي لا بأس به لدى الإنسان العربي في الأهواز، ما يجعله قادرا على تمييز ما ينتمي إليه وما يتعارض مع طبيعة حياته الاجتماعية.
خلص العرب في الأهواز إلى أن الاحتجاجات الأخيرة لا تحقق ما يصبون إليه من أهداف وغايات، وهي تعاني من سطحية في النظر وضبابية في الأهداف والغايات. هكذا رأى الأهوازيون أن التركيز على قضية واحدة، هي حرية المرأة -بالرغم من أهميتها ضمن مشروع تحرري مكتمل-، يُعدّ تحريفا للمطالب الكبرى التي يطالبون بها منذ سنين

ثانيا: يشعر عرب الأهواز بالغربة السياسية والثقافية والاجتماعية داخل إيران، وأصبحوا بعد سنين من الإقصاء والتهميش لا ينتمون إلى المجتمع الإيراني، بل هم إلى المجتمعات العربية في الخليج وغير الخليج أقرب منهم إلى المجتمعات الإيرانية، ودليل ذلك هي النقاشات المتداولة بين نخب الشارع الأهوازي اليوم.

تجد القضايا المطروحة للنقاش بين العرب في الأهواز يدور معظمها حول قضايا منفصلة عن المناخ السياسي والثقافي في إيران، وهناك إشكاليات بين الأهوازيين لا وجود لها في المجتمع الإيراني. الأهوازيون اليوم يناقشون الإشكاليات نفسها التي يناقشها العرب من الخليج إلى المحيط؛ ثورات الربيع العربي والموقف منها، وقضية فلسطين والتطبيع مع إسرائيل، والإخوان المسلمون وصراعهم السياسي مع الأنظمة العربية، والسلفية والعلمانية.. إلخ. وهكذا تجد العناوين المطروحة بين عرب الأهواز تؤكد وجود هذه القطيعة بين المجتمع العربي الأهوازي والمجتمعات الإيرانية الأخرى ومشاكلها، ما يجعل عدم مشاركتهم في الاحتجاجات الأخيرة معقولا ومتوقعا.

ثالثا: شهدت الأهواز في السنوات الأخيرة عددا من الأحداث التي قادت إلى موجات من التظاهر والاحتجاج ضد النظام وسياساته، وفي تلك الأحداث لم يجد الشارع الأهوازي التعاطف المطلوب من الشعوب الإيرانية ولم يتضامن معه أحد "تقريبا"، لا سيما من شعوب المدن الكبرى التي قادت الاحتجاجات الأخيرة، بل حاول بعض هذه الشعوب ونخبها إفشال الاحتجاجات في الأهواز، عبر اتهامها بالانفصالية والراديكالية الدينية، وما شابه ذلك من تهم غير أخلاقية. ربما لم ينس الأهوازيون تلك الأحداث ورأوا أنه من حقّهم عدم التضامن مع مَن تجاهلهم بالأمس القريب، وعمل على منعهم من الحصول على حقوقهم.
العناوين المطروحة بين عرب الأهواز تؤكد وجود هذه القطيعة بين المجتمع العربي الأهوازي والمجتمعات الإيرانية الأخرى ومشاكلها، ما يجعل عدم مشاركتهم في الاحتجاجات الأخيرة معقولا ومتوقعا

رابعا: كما أشرت آنفا، فإن الأهواز قد شهدت في العقدين الماضيين، ولا سيما في السنوات القليلة الماضية عدة احتجاجات قادتها بمفردها وواجهت تبعاتها بمفردها، لاقت في جميعها قمع الأمن وبطشه. وقادت تلك الأحداث إلى اعتقالات واسعة في صفوف الناشطين الأهوازيين، ما غيّبهم عن الحضور الآن في الساحة الشعبية والمساهمة في تحريك الشارع للدخول في هذه الموجة المهمة من الاحتجاجات، ما يضيف عاملا آخر على عدم دخول الأهوازيين إلى الاحتجاجات.

خامسا: في احتجاجات السنوات الماضية في مدن الأهواز، مارس الأمن الإيراني القوة القهرية بشكل مفرط؛ ما أدى إلى مقتل العشرات من المحتجين، لا سيما في ما عُرف بمذبحة معشور في احتجاجات تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وربما يخشى الأهوازيون تكرار هذا السيناريو إن شاركوا في الاحتجاجات. والأمن الإيراني أثبت خلال الأحداث الماضية أنه لا يتردد في اللجوء إلى العنف المفرط للتعامل مع الاحتجاجات في المدن والمحافظات الحدودية، مثل خوزستان أو كردستان أو بلوشستان، وما مجزرة يوم 30 أيلول/ سبتمبر الماضي في "زاهدان" عنا ببعيد.

سادسا: كثرة الاحتجاجات في السنوات الماضية، دون أن تؤدي إلى تحسن الأوضاع سواء على صعيد المحافظة أو إيران ككل؛ ربما جعلت الأهوازيين أو نسبة كبيرة منهم غير متفائلين إزاء نتائج الاحتجاجات الأخيرة، ما جعلهم يمتنعون عن المشاركة فيها وتجنب تبعاتها المحتملة.

تلك كانت بتقديري أبرز الأسباب التي دفعت بالشارع الأهوازي إلى عدم المشاركة في احتجاجات إيران الأخيرة، وقد تكون هناك عوامل أخرى لها دور ما في هذا الموضوع، لكن بشكل عام هذه العوامل مجتمعة هي السبب الرئيسي في تقاعس عرب الأهواز عن المشاركة في الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران، وربما لو دخل العرب هذه الاحتجاجات بقوة، لرأينا مسارا مختلفا من الأحداث، وهذا يؤكد أهمية الشارع الأهوازي على صعيد خلق تغيير جذري وكبير في إيران مستقبلا.
التعليقات (2)
فيصلمنصو
الإثنين، 10-10-2022 10:23 م
تحياتي اخي هذه الشي التى طرحته وتطرحه اصلا غير مبرر وغير واقع مع كل الاسف الان نرى في جميع انحاء ايران مايقارب اربعة اسابيع احتجاجات وبالاحرى ثوره عارمة ومستمره والشعارات تخطت المسائل الاجتماعية مثل الحرية الفرديه وجميع انحاء ايران بصوت علي تنادي الموت للديكتاتور وتستهدف راس النظام وتطالب باطاحت وتغيير النظام وكنا نعرف شعبنا فعلا ما تربطه اي شي بثورات العربيه حاليا حل قضيتنا حاليا مع باقي الشعوب الايرانيه اذن اي تغيير في جغرافية بما تسمى ايران لها تاثير مباشر على شعبنا وكنا قلت سلفا شعبنا قام بتهدئة انتفاضات لم يجدي نفعا الان لازم ننتهز هذه الفرصة ونعلن تضامننا مع باقي الشعوب لكي نتخلص و نسرع باطاحة وتغيير هذه النظام العنصري الطائفي التي دمر المنطقة برمتها وشكر. فيصل منصور الاهوازي
احمد
الإثنين، 10-10-2022 04:10 ص
حال عرب الاحواز كحال سنه العراق فلقد كانوا اول من قام بالتظاهر في عهد المالكي فاقيمت لهم مجازر في الحويجه و الانبار ذهب ضحيتها مئات حينها اتهموا بالارهاب و كان الشيعه يباركون تلك المجازر اليوم عندما حصلت تظاهرات تشرين ابتعد السنه عنها حتى لا يكرروا المأساه . باختصار في الانظمه الشيعيه المجوسيه يجب ان تكون السلطه و المعارضه من الشيعه و ممنوع على السنه التنفس لانهم مواطنين من الدرجه الثانيه في ايران يحق التظاهر لفرس و ممنوع على العرب او بالاحرى غير الفرس ..