قضايا وآراء

أسرار مجهولة عن العدوان الثلاثي على مصر في ذكراه الـ66

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

غريب أمر العدوان الثلاثي على مصر في آب (أغسطس) 1956، فبعد 66 عاما لا تزال تلك الحرب تسيل الحبر وتطرح الأسئلة وتثير المفاجآت. وآخر ما صدر حول ذلك العدوان هو كتاب لمؤرخ إسرائيلي اسمه "موتي جولاني" الذي صدر في أمريكا وبريطانيا تحت عنوان "إسرائيل تبحث عن حرب". وصدر أخيرا في باريس عن مؤسسة نشر "دي روسي" تحت عنوان مختلف هو "حرب سيناء". 

وهبّ مؤرخون وجامعيون أوروبيون وأمريكيون لتقديم هذا التأليف والتعريف به، وقامت المجلات الأكاديمية المحترمة بالثناء عليه كعمل وثائقي يعيد الحقائق التاريخية إلى منطلقاتها. 

والجديد في الأمر أن هذا المؤرخ الإسرائيلي كان أول من قرأ الوثائق الإسرائيلية والفرنسية بعد الإفراج عنها من قبل الدولتين الحليفتين في تلك الحرب القذرة. فالوثائق حسب القانون الإسرائيلي تحظى بطابع السرية التامة إلى أن قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي وضعها على ذمة الباحثين. ولا تنضبط دولة إسرائيل في ذلك إلا بضوابط مصالحها الاستراتيجية، فإذا ما قررت الحكومة أن وثائق حرب 48 أو وثائق عدوان 56 أو حرب 67 أو حرب 73 يمكن أن تخدم أدوات الدعاية الصهيونية فهي ترفع عنها خاتم السرية وتوظفها لضرب معنويات الشعب الفلسطيني أو العرب، حسب مخططات يسهر عليها جامعيون إسرائيليون متعاملون مع جهاز المخابرات والدعاية. 

أما في فرنسا فالأمر مختلف لأن الكشف عن الوثائق يخضع لقانون النصف قرن. فبعد خمسين عاما يمكن أن يدعى الجامعيون إلى الاطلاع على الأرشيف واستغلاله حسب تخصصاتهم. وهكذا فعلت الحكومة الفرنسية مع وثائق العدوان الثلاثي قبل إتمام نصف القرن مع استثناء، لأن الإدارة الفرنسية تعتقد أن هذه الوثائق يمكن أن تساعد على دفع خط السلام الإسرائيلي العربي إلى الأمام.. أو ربما لتبرئة ساحة الدولة الفرنسية بإلقاء تبعات ذلك العدوان على احتمال بعض الساسة اليساريين الذين أمسكوا بدفة الحكم في الخمسينيات. 

على كل نشر هذا المؤرخ الإسرائيلي جملة من الوثائق والصور الفوتوغرافية قبل العرب، بل إن العرب الذين كانوا طرفا بل ضحية لذلك العدوان لم يطلعوا على الوثائق ولم يستخلصوا منها العبرة. 

قامت المجلة الفرنسية "مغامرات التاريخ" بنشر أهم هذه الوثائق والصور تحت عنوان: "أسرار السويس" وبعنوان فرعي مطول يقول: "في عام 1956 كان الفرنسيون متورطين في حرب الجزائر، وكان الإسرائيليون خائفين من الفناء على أيدي عبد الناصر، وكان البريطانيون حالمين بالعودة للشرق الأوسط. وتعاون ثلاثتهم ضد عبد الناصر لأنهم يعتبرون مصر عدوتهم الأولى. والنتيجة فشل ذريع".

هكذا قدمت المجلة هذه الوثائق، أما الوثائق في حد ذاتها فهي هامة جدا. 

وإذا تجاوزنا العدوان ذاته وأحداثه المعروفة، فإننا نكتشف عناصر جديدة. فالأحداث تؤكد تحالف الدول الثلاث ضد مصر لكن الوثائق تؤكد أن إسرائيل هي التي خططت للعدوان وغررت بكل من فرنسا وبريطانيا لتغطية عدوانها على مصر.

 

تقول الوثائق إن الفكرة الأولى للهجوم عبر عنها الجنرال موشي دايان الذي شغل منصب القائد العام للقوات المسلحة من 1953 إلى 1956، وكان يعتقد أن هجوما وقائيا على مصر سيحقق بقاء إسرائيل "المهددة" ولكنه كان يؤمن أنه لابد لإسرائيل من حليف قوي، لا يمكن أن يكون غير فرنسا التي تعاني من حربها الجزائرية وتشكو من المساعدات العسكرية والسياسية والإعلامية التي يتلقاها المجاهدون الجزائريون من عبد الناصر، وكان دايان يحاول إقناع ديفيد بن جوريون مؤسس الدولة العبرية بأهمية بل وحتمية تدمير السلاح المصري وفتح قناة السويس وضرب زعامة عبد الناصر العائد منتصرا من قمة دول عدم الانحياز التي انعقدت في باندونغ عام 1955، والذي كان يساعد الجنرال دايان في مهمة الإقناع رجلان إسرائيليان في الحياة السياسية لإسرائيل وهما: أرييل شارون الذي كان يقود اللواء 202 للجيش الإسرائيلي وشيمون بيريز الذي كان مديرا لمكتب رئيس الوزراء موشي شاريت. 

 

الأحداث تؤكد تحالف الدول الثلاث ضد مصر لكن الوثائق تؤكد أن إسرائيل هي التي خططت للعدوان وغررت بكل من فرنسا وبريطانيا لتغطية عدوانها على مصر.

 



تقول الوثائق على لسان المسمى إبيل توماس مدير مكتب وزير الدفاع الفرنسي: إن شيمون بيريز يعتبر كذلك من أقرب مساعدي مؤسس الدولة العبرية ديفيد بن غوريون، وقد قام بزيارة سرية إلى باريس في يوم من أيام شهر أغسطس 1956 وقابل صديقه الصحفي الفرنسي من أصل يهودي إدوارد سابلي وسأله: من هم أصحاب القرار الحقيقيين في باريس؟ 

وقام سابلي بإعداد قائمة بأهم رجالات الحكومة والجيش والمخابرات وسلمها إلى بيريز وكان بيريز يقول في باريس: إنها قضية حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل وإن عبد الناصر حصل على طائرات ميغ وهو يستعد لغزو إسرائيل وتدميرها. 

وتضيف الوثائق كذلك: إن إبيل توماس مدير مكتب وزير الدفاع الفرنسي هو الذي توسط لإسرائيل في ثلاثة ملفات كبرى مع فرنسا وهي: 

1 ـ اشتراك فرنسا في العدوان الثلاثي.
2 ـ تسليح الجيش الإسرائيلي من قبل فرنسا. 
3 ـ الاشراف على البرنامج النووي الاسرائيلي وبناء مفاعل ديمونا. 

وتضيف الوثائق شارحة النقطة الثانية أي التسليح فتقول: لقد جاء شيمون بيريز ومعه قائمة طويلة عن احتياجات إسرائيل للسلاح فإذا بها قائمة عجيبة لأن الطرف ـ أو الحليف ـ الفرنسي لم يكن يتوقعها، وهي تضم احتياجات إسرائيل التالية: 270 طائرة حربية من طراز ميستير قررت الحكومة الفرنسية إرسالها على ثلاثين دفعة، كل دفعة تضم تسع طائرات خلال ثلاثة أشهر. وتقول إن هذه الطائرات وصلت إلى إسرائيل في نطاق السرية والكتمان، حتى الأمريكان لم يكونوا على علم بالصفقة، بالرغم من أن الرادارات الأمريكية اكتشفت إحدى هذه الدفعات من إحدى محطاتها بإيطاليا في ميناء برنديزي، وخاطبت القيادة الأمريكية وزارة الدفاع الفرنسية فأجابها وزير الدفاع بونوري إن الأمر لا يعدو أن يكون استعراضا جويا في سماء فرنسا بطائرات ميستير. 

وتضيف الوثائق: إن الغريب في الأمر هو أن سعر هذه الطائرات كان مدفوعا ـ نقدا ـ بالدولار الأمريكي، مما مكن المصنع الحربي الفرنسي "مارسال داسو" من الانطلاق بالصناعة الحربية الجوية الفرنسية انطلاقتها الكبرى لمزاحمة الصناعة الأمريكية. 

 

الذي يتأمل الصور المنشورة يتأكد من صحة كل هذه الأسرار ويدرك أن العدوان الثلاثي كان بإرادة إسرائيل وتسهيلات كبرى فرنسية وبريطانية، أما ما جاء بعده من تهديد أمريكي وآخر سوفييتي فهو لم يفد شيئا، لأن المعادلة كانت إضعاف عبد الناصر وتغيير قواعد اللعبة الشرق أوسطية على مدى جيل كامل.

 



ومن غرائب الأسرار أن الجنرال ديغول كان على علم وكان يلح على إشراك بريطانيا في العملية، وكان رئيس الحكومة البريطانية آنذاك انتوني أيدن، ووزير خارجيتها سولين لويد وهما من المتعاطفين التقليديين مع إسرائيل.

 

والذي يتأمل الصور المنشورة يتأكد من صحة كل هذه الأسرار ويدرك أن العدوان الثلاثي كان بإرادة إسرائيل وتسهيلات كبرى فرنسية وبريطانية، أما ما جاء بعده من تهديد أمريكي وآخر سوفييتي فهو لم يفد شيئا، لأن المعادلة كانت إضعاف عبد الناصر وتغيير قواعد اللعبة الشرق أوسطية على مدى جيل كامل. 

وإني أتساءل اليوم عام 2022 أين المؤرخين العرب وأين مراكز البحوث والدراسات العربية؟ ولماذا لم تتحرك جامعاتنا للإفادة من هذه الوثائق وقراءتها وإطلاع الرأي العام العربي عليها بل واستخلاص العبرة الكبرى منها خدمة للمستقبل وتوضيحا لملابسات أحداث هامة لها تأثير مباشر على ما يجري اليوم على أرض فلسطين من تدمير وإبادة وتقسيم للصفوف العربية؟ أين العرب يا عرب؟؟


التعليقات (1)
عصام عزوني
الجمعة، 02-09-2022 03:27 ص
1 - العدوان الثلاثي بدأ في التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 1956، وليس في أغسطس كما جاء في بداية المقال. 2 - نهاية المقال محزنة جدا لأنها حملت سؤالا عن "أين العرب يا عرب؟" العرب الحاليون يخوضون حرب داحس وغبراء عصرية سيطول أمدها. والجامعات العربية أصبحت دكاكين لبيع شهادات الكتوراه لجهلة تقاعدوا من الجيوش العربية المهزومة، وغيرها من وظائف الفساد. وتنطع هؤلاء التنابلة للتدريس في الجامعات. الجامعات الأردنية محشوة بخريجي دكاكين (وليس جامعات) مصر والسودان ولبنان وسورية والعراق وليبيا أيضا. شهادات دكتوراه بخمسة الآف دولار. أحد أصدقائي أكد لي أن بعض الجامعات في الدول المذكورة أعلاه قلصت السعر لثلاثة الآف دولار فقط. أنصح عربي 21 بتفريغ ثلاث صحفيين استقصائيين مستقلين أقوياء لفضح حال التعليم "العالي" في الدول المتمتعة بعضوية "الجامعة العربية".