قضايا وآراء

لماذا تشهد علاقة الشباب العربي بالتدين تحولا؟!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

تحت عنوان: لماذا تشهد علاقة الشباب العربي بالدين تحولا؟ صدر تقرير أجرته شبكة (البارومتر العربي) لصالح شبكة بي بي سي، يقول ملخص التقرير: (تحول كبير في علاقة الشباب دون الـ30 عاما بالدين وممارسة الشعائر الدينية في العالم العربي. إذ يتزايد عدد من يقبلون على التدين قياسا بعددهم في عام 2018)..

وكانت الشبكة قد أجرت استطلاعا مماثلا في أواخر عام 2018 وربيع عام 2019 شمل الفئة نفسها من المبحوثين، ووجهت إليهم نفس الاسئلة، لكن الإجابات كانت مختلفة للغاية. فقبل أقل من 4 سنوات خلص الاستطلاع إلى أن عددا متزايدا من العرب أداروا ظهرهم للتدين وممارسة الشعائر الدينية.

ورصد الاستطلاع وقتها أن ثلث التونسيين وربع الليبيين وصفوا أنفسهم بغير المتدينين، أما في مصر فقد، أشارت نتائج استطلاع عام 2018 إلى تضاعف عدد غير المتدينين، بينما تضاعف حجمهم أربع مرات في المغرب).

هذا مجمل التقرير، لكن تحليلات معظم المحللين وبخاصة المصريين له، كانت في غاية العجب، والابتعاد عن الأسباب الحقيقية، سواء التي تبين ابتعاد أو عودة الشباب للدين، وإن كان العنوان الحقيقي أن يكون: التدين لا الدين، لأن التقرير حصر ذلك في نظرة الشاب لنفسه، هل هو متدين أم لا؟ وهل يؤدي الشعائر الدينية أم لا؟ فهو حصر لمظهر من مظاهر التدين، وليس الدين نفسه.

والتعليق الأعجب كان للكاتب المصري عماد الدين حسين، والمؤيد للنظام العسكري في مصر، بعد أن ذكر التقرير ومعلوماته، بسؤال أشبه بنصيحة للجهات الأمنية والنظام في مصر: كيف نحرم هذه الجهات الدينية المتشددة التي استخدمت الثورة والدين سبيلا لنيل السلطة؟ وكأن السعي للسلطة ونيلها أمر مجرم ومحرم، ولو كان محرما أو مجرما، لكان أول من يجرم في ذلك هم الحكام، لأنهم سعوا وعملوا لنيل السلطة، بكل وسيلة مشروعة وغير مشروعة.

وتناسى عماد الدين حسين أن التقرير بين أن الشباب ابتعد عن التدين في النسخة الأولى من التقرير سنة 2018م، وهي فترة حكم السيسي نفسه، وعودة الشباب في عام 2022م، مما يجعل النظام غرضا للاتهام بذلك لا الجماعات الدينية التي سعت للسلطة، وهو حق مشروع كما ذكرنا، إلا لو كان يؤمن بأن الحكم في مصر حق حصري للعسكر فقط، وهو محرم ومجرم على المدنيين سواء كانوا متدينين أم غير متدينين!

والأعجب من تعليق عماد الدين حسين، هو تعليق نبيل عبد الفتاح، بأن السبب وراء عودة الشباب للتدين، هو: الحالة الاقتصادية، وقد عزا هذه العودة لأن الإنسان حين يصاب باليأس والإحباط، والفشل الاقتصادي أو الفقر، يلجأ للغيب، لعله يسعفه بمعجزة تخرجه من الفقر أو العسر الاقتصادي، متناسيا أو متجاهلا وهو الباحث المعروف، أن كثيرين ممن انضموا لجماعات العنف السياسي كانوا من أبناء الأغنياء، مثل: أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وعبود الزمر، وغيرهم.

 

الحقيقة التي لا يماري فيها أحد، أن من أهم أسباب ابتعاد الشباب عن التدين، بل لجوء البعض منهم للإلحاد من حيث الشكل، لا من حيث الفكر، هو السؤال الدائم في ظل استبداد الحكام وظلمهم، والبطش غير المسبوق في القتل والتنكيل بالشعوب، مما جعلهم يسألون: لماذا لا ينصرنا الله؟ أو: أين الله من الظالمين؟

 



معظم من تناول التقرير للأسف، هرب من الإجابة الحقيقية عن سبب ابتعاد الشباب عن التدين، فالإجابة التي لم يقلها أحد سواء في التقرير، أو من تحدثوا عنه، هو الحديث الواضح والصريح عن الاستبداد كسبب مباشر، وعلاقة الاستبداد بالتسفل الخلقي، وانتشار الجرائم، كما أصل لذلك وفصله الكواكبي في كتابه الرائع والمهم: طبائع الاستبداد، وإلا فما تفسير الجرائم التي نشاهدها في مصر، من قتل للفتيات في الشارع، والجرائم التي ترتكب في الفضاء العام؟ 

والحقيقة التي لا يماري فيها أحد، أن من أهم أسباب ابتعاد الشباب عن التدين، بل لجوء البعض منهم للإلحاد من حيث الشكل، لا من حيث الفكر، هو السؤال الدائم في ظل استبداد الحكام وظلمهم، والبطش غير المسبوق في القتل والتنكيل بالشعوب، مما جعلهم يسألون: لماذا لا ينصرنا الله؟ أو: أين الله من الظالمين؟ ولماذا يتركهم يعيثون في الأرض فسادا؛ وتقتيلا في الناس، لماذا لا ينتقم الله منهم، وينصف المظلومين، ويكف أيدي هؤلاء الظلمة؟

هذه الأسئلة وغيرها، بدأت تنتشر بين الشباب، وفي ظل غياب الدعاة الأقوياء، والذين يجمعون بين أصالة الفكر، ومعاصرة الطرح، وكان غيابهم متعمدا من سلطات بلادهم الظالمة، خلق بيئة من التشكك، والابتعاد عن الدين، مع حداثة سن هذا الشباب، وقلة بضاعتهم في الفهم في الدين، وممارسات بعض متدينين من حولهم خاطئة، ومزالق وفتن وقع فيها بعض الدعاة كانت رموزا لهم، جعلهم يبتعدون عن التدين، لكن كثيرا منهم بعد أن أفاق من غفوته، وفهم أن النصر على الظلمة والمستبدين يسلتزم إعدادا وشروطا مهما، ينبغي على من ينتصر للحق أن يتهيأ لها، فعاد الكثيرون منهم رويدا رويدا.

وهي موجات تجيء وتذهب بين الحين والآخر، تصيب الأمة عند هزائمها الداخلية أو الخارجية، رأينا هذه الموجات قديما، ونتج عنها جيل تبنى هذه الأفكار، وصار له موقف من الدين وشعائره، ثم سرعان ما عادوا مؤمنين أقوياء، بل ومفكرين ودعاة كبار للإسلام، رأينا ذلك في نماذج مثل: مصطفى محمود، عبد الوهاب المسيري، منصور فهمي، زكي نجيب محمود، طه حسين، وغيرهم.

من العوامل التي غابت عن التقرير، أو غيبت، عامل مهم في بلاد مثل: المغرب وتونس وليبيا والأردن، وقد نمت فيها نسبة العودة للتدين عند الشباب، وهو ما جعل عماد الدين حسين يعزو ذلك لخروج التيارات الإسلامية من المشهد السياسي كما يزعم، وربما ينقلب عليه هذا التصور للعكس، فربما الحملات التي أديرت ضد هذه التيارات، لاحظ الشباب أنها انتقلت من التشكيك في الجماعات الإسلامية وقدرتها على الحكم، إلى مغامرة كثيرين من رموز الأنظمة وإعلامييها، بالحديث عن الثوابت الدينية نفسها، حديث التشكيك والغمز، مما جعل الشباب يشعر بأنها حملة على الدين وليست على المتدينين فقط.
وهو عامل نراه في الكثير من الشباب غير المتدين في بلادنا العربية، عندما يسافر إلى الغرب، كنت تراه في وطنه العربي الإسلامي لا يصلي، ولا يهتم بالحلال والحرام، ولكنه عند سفره للغرب يتدين، وقد سألت عددا منهم عن سر ذلك، فقالوا: كنا في بلادنا لا نشعر بآخر تختلف ثوابته عن ثوابتنا، لكن عندما نركب الطائرة، يبدأ التفكير في الحلال والحرام، فعندما تأتيك المضيفة في الطائرة بالطعام، يحضر لديك هذا السؤال: هل هذا الطعام حلال، أم لحم خنزير، والمشروب: هل هو خمر أم لا؟
 
وهو عامل مهم لا يمكن إغفاله، وهناك عوامل أخرى لا يتسع المقام للتفصيل فيها، وكنا نود لو أن التقرير فصل لماذا اعتمد سؤال الشباب عن نظرته لنفسه هل هو متدين أم لا؟ ولماذا تم التركيز على أداء الشعائر؟ وهل اشتملت استمارة الاستبانة على أسئلة تفصيلية عن سبب عودته للتدين، وما علاقة المؤسسة الدينية الشعبية والرسمية بابتعاده أو عودته؟ وهل لممارسات السلطة في بلاده تأثير في الابتعاد أو العودة؟ كل هذه أسئلة مهمة لا نعلم هل تناولها التقرير أم لا؟

 

ومثل هذه التقارير لا شك لها جوانب مفيدة، إذا تم البناء عليها، في تعزيز ما ورد فيها من إيجابيات، وتجنب ما اشتملت عليه من سلبيات.  

[email protected]


التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الجمعة، 12-08-2022 01:55 ص
*** القنوات الإعلامية الفضائية ومواقع الانترنت، الناطقة والمكتوبة باللغة العربية، الموجهة إلى المواطن العربي، التي أسستها وتمتلكها وتديرها وتشرف على سياساتها الإعلامية حكومات الدول الأجنبية الغنية الكبرى، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمانيا، تعمل من أجل تحقيق مصالح الدول التي تمولها، فهو إعلام واضح التوجه وشديد الانحياز، ولا يعبر إلا عن قيم مجتمعاتها، وإن حاولوا تغطية ذلك بمظهر معتدل خادع، وهم يلحون من خلال برامجها وتقاريرها على فرض قيمهم ومفاهيمهم وسياساتهم المبنية على فكرهم العلماني أو الصليبي أو الصهيوني أو الشيوعي أو الرأسمالي، وهم بالطبع يستعينون في ذلك بإعلاميين عرب من ذوي الحرفية العالية، ومن ذوي الخبرة في كيفية التحدث إلى المستمع والقارئ العربي، فهم أدرى بطبيعته وشخصيته وقيمه وكيفية فهمه والتلاعب به والتشويش على أفكاره، وغالبيتهم قد تبنوا من زمن قبل تعيينهم في تلك الوسائل الإعلامية تلك القيم الأجنبية، وقد تم اختيارهم بناء على تلك الصفات، وقليل منهم معتدل في التمسك بهويته وبقيم شعبه الأصيلة، ومثل تلك التقارير والاستطلاعات التي تجريها تلك المواقع والقنوات لاقيمة لها، رغم محاولتهم إقناعنا بأنها تمت بناء على استقصاءات روعي فيها الأسس العلمية الدقيقة، وهي لا تصمد لأي تحليل علمي دقيق منصف، سواء في صياغة اسئلة الاستبيانات، أو في العينات المحدودة بل والمحددة والمنتقاة التي يطرحون الاستبيانات عليها، ويستقون منهم معلوماتها، وهم في ذلك لا يخدعون فقط مستمعيهم وقراءهم العرب، ولكنهم وهو الأهم يخدعون أنفسهم قبلنا، ولذلك فقل أن تجد أجنبي منهم متفهم لحقيقة القضايا العربية، وذلك لا يجب أن يدعونا إلى عدم الالتفات لكل ما تبثه تلك الوسائل الإعلامية، بل يجب دراسة وتفنيد ذلك الإعلام من جانب المفكرين والباحثين والمتخصصين، والرد على ما يعرض ويبث فيها، وسيساعدنا هذا على فهم أفضل للأهداف والمصالح التي يسعون إليها، وكيفية مواجهتها عندما تتعارض مع قيمنا ومصالحنا.