كتاب عربي 21

حول الاقتراض لتمويل خطط تطوير قطاع النفط الليبي

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

طرح الرئيس الجديد للمؤسسة الوطنية للنفط الالتجاء للاقتراض لتوفير التمويل اللازم لتطوير قطاع النفط والذي يعاني كثيرا ويحتاج إلى مليارات للعودة به إلى مستويات إنتاجية عالية عرفتها البلاد نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي، فقد تجاوز سقف إنتاج النفط الليبي الثلاثة ملايين برميل في اليوم مع وصول القذافي إلى السلطة العام 1969م.

ربما الخلفية المالية للرئيس الجديد للمؤسسة، كونه من قطاع المال والتمويل المصرفي، هو ما دفعه إلى إطلاق هكذا تصريح، لكن من المفترض أن معرفته وخبرته تجره إلى نقطة التوازن التي عندها يقرع جرس الإنذار وترفع الشارات الحمراء للتنبيه إلى خطر الانزلاق إلى مستنقع الديون.

ما أظن أن رئيس مؤسسة النفط يرى أنه يحق ويمكن للمؤسسة أن تلجأ للاقتراض لتمويل خطط تطوير حقولها وموانئها وبنيتها التحتية، ذلك أن المؤسسة الوطنية للنفط لا تتمتع بالذمة المالية المستقلة كأي شركة ربحية يمكن لها أن تجتهد لتوفير التمويل من مختلف مصادره.

المؤسسة جسم تابع للحكومة وتمول من الخزانة العامة للدولة ولا علاقة لها بتوفير التمويل لبرامجها ومشروعاتها وخططها التطويرية، لذا سنعتبر كلام رئيسها الجديد اقتراحا موجها للجهات المعنية وهي رئاسة الحكومة ووزارة النفط.

الاقتراض مصدر تمويل معتبر إذا توفرت المبررات، وفي مقدمة تلك المبررات شح التمويل اللازم لبرامج التنمية والتطوير الاقتصادي والاجتماعي، وقدرة الدولة على السداد المنتظم من خلال توظيف القروض في مجالات تدر عائد يسهم في تغطية الالتزامات المترتبة على تلك القروض.

 

ما أراه الأنجع والأولى هو التركيز على وقف الصراع وجسر هوة الخلاف بين الفرقاء الليبيين والولوج إلى باحة الاستقرار السياسي والأمني ثم التوافق على خطة تنموية واعدة وواقعية تعالج بكفاءة مختنقات الاقتصاد وتواجه بحكمة أبرز مثيرات التوتر بين المكونات المختلفة للمجتمع.

  

في الحالة الليبية، خاصة هذه الفترة، فإن مستوى الإنتاج المعهود والذي يصل إلى 1.3 مليون برميل يوميا، وعند مستوى أسعار مرتفعة، تتجاوز المائة دولار للبرميل، وهو سعر مرشح للاستمرار بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الدولية، فإن فائض الإيرادات العامة يمكن أن يعادل ما يمكن الحصول عليه من قروض ويفيض عنه.

عوائد النفط بمستوى الإنتاج الحالي والأسعار الراهنة تتجاوز 40 مليار دولار أمريكي في السنة، فيما لا يتعدى الإنفاق العام، حتى بعد الزيادة الكبيرة في أبوابه الرئيسية من مرتبات ودعم وإنفاق تنموي، 20 مليار دولار، مما يعني أن فائضا في الإيرادات العامة يمكن أن يصل إلى 20 مليار دولار في العام. ومهما بلغ كرم مؤسسات الإقراض الدولية فإنه قروضها لن تصل إلى فائض الإيرادات المتوقع، ولن يقل الفائض عن 6 مليارات دولار في حال تراجعت أسعار النفط إلى مستوى 65 دولارا للبرميل، وهذا الفائض كافي لتنفيذ خطة تطوير للقطاع متوسطة المدى.

ربما يقول قائل إن حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني وما يترتب عليها من تداعيات تؤثر مباشرة على تدفق إيرادات النفط بالتالي يصبح اللجوء إلى الاقتراض لأجل تطوير القدرة الإنتاجية لقطاع النفط الليبي مبررا، والتعقيب أن هذه الفرضية هي من بين أهم أسباب استبعاد فكرة الاستدانة ذلك أن أثر النزاع السياسي وتبعاته الأمنية ستحد من قدرة البلد على سداد ليس أصل القروض بل الفوائد المترتبة عليها والتي قد تتخطى 20%.

وننوه إلى أن الاقتراض، سواء كان مباشرا، او عبر بيع سندات حكومية، لن يكون مصدره إلا الخارج، ذلك أن قدرة مؤسسات التمويل المحلية محدودة ولا يعول عليها في توفير ما يحتاجه قطاع النفط من أموال لإعادة تأهيليه.

عليه يمكن القول أننا أمام سيناريوين، الأول وهو الوصول إلى الاستقرار السياسي واستباب الأمن وهذا يعزز قدرة الحكومة على إدارة قطاع النفط بكفاءة من خلال برامج تمويل ذاتية، وهو ميسر حتى في حال تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية كما سبقت الإشارة، فقط نحتاج إلى إدارة رشيدة للموارد المالية وعقول مبدعة في كيفية تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية وفق سلم أولويات محكم.

السيناريو الثاني وهو استصحاب حالة الصراع السياسي وما يترتب عليها من تداعيات أمنية تمس بشكل مباشر مصدر الدخل الرئيسي للبلد، وهنا يصبح الإلتجاء إلى الاقتراض توريط متعمد إن أردنا الإنجرار إلى التفسير التأمري أو تقدير خاطئ للمصالحة العامة إن أحسنا النية في صناع السياسة المالية بالحكومة. 

وإذا كان للمؤيدين للاقتراض بغية تطوير قطاع النفط رؤية وبرنامج جدي يعود بالفوائد على قطاع النفط وعلى الاقتصاد بالعموم فليطلعوا الليبيين على خيارهم عبر دراسة جدوى جادة تعزز رؤيتهم وتدعم برنامجهم، وذلك إعمالا لمبدأ الشفافية والمشاركة في مسألة شديدة الحساسية وخطيرة التداعيات.

وما أراه الأنجع والأولى هو التركيز على وقف الصراع وجسر هوة الخلاف بين الفرقاء الليبيين والولوج إلى باحة الاستقرار السياسي والأمني ثم التوافق على خطة تنموية واعدة وواقعية تعالج بكفاءة مختنقات الاقتصاد وتواجه بحكمة أبرز مثيرات التوتر بين المكونات المختلفة للمجتمع، فهذا المسار هو الكفيل بإخراجنا من الأزمة الراهنة، وخلافه هو عبث وهدر قد يضاعف من حالة التأزيم ويرهن البلاد إلى ضغوط من نوع جديد أداتها المديونية الخارجية.


التعليقات (0)