مقالات مختارة

العراق: معضلة تشكيل الحكومة وما بعدها

يحيى الكبيسي
1300x600
1300x600

كان موضوع تشكيل الحكومة المظهر الأبرز لأزمة النظام السياسي في العراق منذ إقرار دستور عام 2005؛ ففي أول انتخابات تشريعية، واجه العراقيون معضلة تشكيل الحكومة بعد ترشيح الائتلاف الوطني الموحد للسيد إبراهيم الجعفري مرشحا للكتلة الأكثر عددا كما يقرر الدستور، لكن الفيتو الثلاثي، الأمريكي والسني والكردي، أخّر تشكيل الحكومة لمدة أربعة أشهر، قبل أن يتدخل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني بشكل مباشر لإجبار الجعفري على التخلي عن الترشيح، ويأتي السيد نوري المالك بديلا عنه (أعلنت نتائج الانتخابات في 20 كانون الثاني/ يناير 2006، وصُوّت على الحكومة في 20 أيار/ مايو 2006).


تكرر المشهد عام 2010؛ فقد عجز التحالفان الشيعيان: ائتلاف دولة القانون (ضم حزب الدعوة والمستقلين بشكل أساسي) والائتلاف الوطني الموحد (ضم التيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي) عن الاتفاق على مرشح لرئاسة مجلس الوزراء بعد أن رفض الائتلاف الوطني إعادة ترشيح المالكي لولاية ثانية، وهو ما أخر تشكيل الحكومة ستة أشهر كاملة (عقدت الجلسة الأولى لمجلس النواب المنتخب في الجلسة الأولى في 21 حزيران/ يونيو 2010، وحصلت الحكومة على الثقة في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2010)!


ثم ظهرت معضلة أخرى في العام 2014، لكنها مختلفة هذه المرة، حين اجتمعت المواقف كلها، المحلية والدولية على رفض عودة السيد المالكي لأجل ولاية ثالثة، مع أن تحالفه حصد المركز الأول في الانتخابات (حصل على 92 مقعدا) لاسيما بعد دخول تنظيم الدولة/ داعش في هذا السياق، وكان الرفض الأهم هو الفيتو الذي وضعه المرجع الأعلى السيد علي السيستاني نفسه على عودته؛ فدعم الجميع انشقاقا داخل حزب الدعوة/ دولة القانون، أفضى إلى ترشيح السيد حيدر العبادي لمنصب رئيس مجلس الوزراء.


عام 2018 ظهر متغير خطير، هو سلاح الميليشيات الذي تمت شرعنته، كفاعل رئيسي في المعادلة السياسية العراقية! وهذا السلاح كان الحاسم في التوافق الذي حصل بين حملة السلاح (الفتح وسائرون) على مرشح تسوية فيما بينهم، دون تسمية أو إعلانٍ للكتلة الأكثر عددا، كما يقرر الدستور، وتواطأ الجميع مع هذا الانتهاك!


بعد استقالة حكومة السيد عادل عبد المهدي في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، تجددت مشكلة ترشيح رئيس مجلس الوزراء، ولم يتمكن الفرقاء السياسيون من الاتفاق على مرشح تسوية «اضطراري» إلا بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على تلك الاستقالة (تم تكليف السيد مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة في 9 نيسان 2020)!


واليوم يسجل العراق رقما قياسيا في تأخير تشكيل الحكومة، إذ يُفترضُ، بموجب الدستور، أن يُنتخبَ رئيس الجمهورية قبل يوم 9 شباط/ فبراير، أي خلال ثلاثين يوما من تاريخ انعقاد أول جلسة لمجلس النواب ا(كان ذلك في 9 كانون الثاني/ يناير) لكن ذلك لم يحدث ولم تتشكل الحكومة وقد مر 163 يوما على ذلك التوقيت!


اليوم، وبعد أكثر من أربعين يوما على استقالة التيار الصدري من مجلس النواب العراقي، وأداء النواب البدلاء اليمين الدستورية، لاتزال معضلة انتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم تشكيل الحكومة، تراوح مكانها.

فليس ثمة اتفاق كردي حتى اللحظة على الذهاب بمرشح تسوية إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، بسبب الصراع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني على هذا الموقع. وهو ما قد يعيق، نظريا على الأقل، إمكانية تحقق جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي تتطلب حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب (أي 220 نائبا) إذا ما قرر الديمقراطي مع حليفه السيادة وبعض المستقلين مقاطعة الجلسة، لأن حضور الديمقراطي الجلسة ستعني بالضرورة خسارة مرشحه بسبب الموقف المعلن من تحالف الإطار التنسيقي بدعم مرشح الاتحاد.


بسبب كل ما تقدم، فلا أحد يستطيع أن يتكهن رد فعل الحزب الديمقراطي على تكرار سيناريو عام 2018 حين سيكون للفاعل السياسي الشيعي، للمرة الثانية، القول الفصل في موقع رئاسة الجمهورية، تماما كما يحتكر الفاعل السياسي الشيعي منذ عام 2014 تقرير من يتولى موقع رئيس مجلس النواب!
في المقابل ثمة صراع حقيقي داخل الإطار التنسيقي فيما يتعلق بالمرشح لمنصب رئيس مجلس الوزراء، وهو الصراع الذي يمنعهم حتى اللحظة من الاتفاق على اسم محدد. وهذا الصراع سينعكس ليس على «تماسك» التحالف وحسب، بل وسينعكس، بالضرورة، على طبيعة الحكومة وأدائها مع وجود توجهين فيما يتعلق بمسألة التعاطي مع التيار الصدري؛ الأول يمثله السيد نوري المالكي رئيس تحالف دولة القانون، والذي يدعو صراحة إلى الصدام المباشر، بما في ذلك الصدام العسكري، وبالتأكيد ثمة مؤيدون آخرون لهذا الرهان داخل الإطار التنسيقي. والثاني يمثله السيد هادي العامري رئيس منظمة بدر، فضلا عن تحالف قوى الدولة الذي يمثله كلا من السيد عمار الحكيم والسيد حيدر العبادي، وهو التوجه الذي يدعو إلى التهدئة وعدم استفزاز الصدريين!


سنيا الأمور ليست أقل تعقيدا، فثمة محاولات منهجية لتقوية تحالف عزم (يضم 10 نواب) المتحالف مع الإطار التنسيقي لكي يكون ممثلا قسريا للسنة، وقد نجحت هذه المحاولات في «إجبار» تحالف الجماهير الوطنية» (يضم 5 نواب) من الانشقاق عن تحالف السيادة والالتحاق بتحالف عزم، باستخدام «عصا» الملاحقة القضائية من جهة، و«جزرة» المصالح الشخصية من جهة ثانية، ولاتزال المحاولات قائمة لدفع آخرين للانشقاق.


في المقابل سيكون الحفاظ على تماسك ليس تحالف السيادة لوحده، بل حزب تقدم نفسه، مستحيلا في حالة اتخاذ الإطار التنسيقي قرارا بإزاحة رئيس مجلس النواب من موقعه، خاصة وأن آلية هذه الإزاحة سلسة جدا ولا تتطلب سوى طلب مسبب من ثلث أعضاء المجلس (110 عضوا) والتصويت على الإقالة بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء (165 أو 166 عضوا وفقا للتأويلات المختلفة). فالجميع حينها سيزحف نحو الإطار التنسيقي طمعا بأن يكون رئيسا بديلا لمجلس النواب!


فإذا أضفنا إلى ذلك كله ترصد الصدرين لكل خطوة يقوم بها الإطار التنسيقي، وإمكانية استخدامهم الشارع لضمان عدم نجاح أي حكومة قادمة، فان الحديث عن استعصاء تشكيل الحكومة بسبب الصراعات السياسية، لن يكون سوى مقدمة لمعضلة أكبر، يرى الجميع مؤشراتها عيانا، ولن ينكرها سوى من تأخذه العزة بالإثم!

(عن صحيفة القدس العربي)

0
التعليقات (0)