صحافة دولية

أوبورن: نحن متواطئون بمقتل أبو عاقلة إن لم نحقق لها العدالة

مطالبات دولية بالتحقيق في مقتل شيرين أبو عاقلة برصاص الاحتلال الإسرائيلي- جيتي
مطالبات دولية بالتحقيق في مقتل شيرين أبو عاقلة برصاص الاحتلال الإسرائيلي- جيتي

قال الكاتب البريطاني، بيتر أوبورن، إن الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة مراسلة ذائعة الصيت، وإذا "أخفقنا في تحقيق العدالة لها، فلن تتحقق العدالة لأي صحفي فلسطيني أو لأي فلسطيني على الإطلاق".

ولفت في مقاله المنشور في صحيفة "ميدل إيست آي"، إلى أنه على الصحفيين الغربيين العمل على تحقيق العدالة لأبو عاقلة، وإلا فالكل متواطئ في مقتلها.

وأشار إلى أن "ثمة دروساً ينبغي علينا نحن معشر الصحفيين استلهامها من تجربة شيرين المهنية الرائعة، ألا وهي الكتابة عن الأحداث بدقة وصدق وسرد الحقائق كما هي دونما تحريف، وعدم الاستسلام بتاتاً، وعدم المشي على قشور البيض".


وتاليا المقال كاملا:

يوجد "مذبح للصحفيين" داخل كنيسة سانت برايد، التحفة المعمارية للمبدع كريستوفر رين، على بعد بضعة أمتار إلى الجنوب من فليت ستريت في لندن.

في هذه البقعة المقدسة، يتم إحياء ذكرى من كانوا من بيننا هم الأفضل والأشجع، أولئك الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الصدع بالحق حول قضايا الفساد والعدالة والقهر، أولئك الذين لا ينبغي لأحد أن ينساهم.

رفضت آنا بوليتكوفسكايا التخلي عن مهمتها كمراسلة تغطي أخبار الحرب الشيشانية الثانية على الرغم من انهيال التهديدات بالقتل عليها، ثم ما لبثت أن لقيت حتفها حين أطلقت النار عليها. ومن الذين تُخلد ذكراهم ههنا الصحفية الاستقصائية المالطية دافنه كاروانه غاليزيا التي اغتيلت في عام 2017، وكذلك لايرا كاثرين ماكي، التي لقيت حتفها حين أطلقت عليها النيران وهي تغطي أحداث الشغب في ديري.

كما أنه يخلد نموذجاً للتضحية البطولية هنا في هذا الصرح جمال خاشقجي، الذي اغتيل وقطعت أوصاله بوحشية على يد عملاء محمد بن سلمان داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول، وكذا ماري كولفين التي قتلها جيش الرئيس السوري بشار الأسد في مدينة حمص.

وهذا الأسبوع، انضم اسم جديد إلى قائمة الشهداء الذين قدموا أسمى التضحيات وأزهقت أرواحهم في سبيل الصدع بالحق، إنه اسم شيرين أبو عاقلة، التي يغلب الظن على أنها قضت برصاصة أطلقها عليها قناص إسرائيلي في جنين، شمال الضفة الغربية، في الحادي عشر من مايو/ أيار، وما لبثت جنازتها أن تعرضت بعد ذلك بيومين اثنين لفض عنيف من قبل الشرطة الإسرائيلية التي اعتدت على جموع المشيعين في القدس الشرقية المحتلة.

كان لهذا الانتهاك السافر وقعه على المراسيم التي نظمهتا داخل كنيسة سانت برايد الصحفية بينيلوب كوينتون، والتي قالت لي: "لم يقتصر الأمر على إزهاقهم لروحها، بل لقد سعوا إلى سلبها التكريم الذي تستحقه جنازتها. لقد انتهكوا المبدأ الذي يلزمهم بالسماح لجنازتها ومراسيم دفنها بأن تمضي بكرامة".

"كانت بمثابة الأم لي"

حفزت الأحداث التي وقعت أثناء الجنازة كوينتون على اختيار أن تشتمل مراسيم الصلاة على الترنيمة المشهورة لإدوارد إلغار: "لقد ارتاحوا في مثواهم، ولا يجوز لنا أن نهيج سماء رقودهم بإطلاق أي صوت نشاز".

وأنشدت الجوقة "أغنية من أجل آثين" من تأليف جون تافيرن تكريماً لروح شيرين أبو عاقلة التي لا تقهر. وآثين هي إلهة الحرب والعقل اليونانية، وهما العالمان المتداخلان اللذان قضت بينهما شيرين حياتها.

كانت مراسيم الصلاة في سانت برايد تعبق بالأناشيد وبقراءات من الكتاب المقدس والابتهالات الفياضة والخطابات الحماسية العميقة التي ألقاها بعض من كانوا على معرفة وثيقة بشيرين أبو عاقلة وأحبوها أيما حب.

ومن هؤلاء علي الصمودي، صحفي الجزيرة الذي كان برفقة شيرين أبو عاقلة عندما قتلت ولم يخرج إلا مؤخراً من المستشفى بعد أن أصيب بجراح غائرة في نفس الحادثة. تكلم الصمودي باللغة العربية عبر الأثير صوتاً وصورة، مشيداً بالتزام شيرين الديني العميق، حيث قال: "كانت تصطحب مسبحتها معها حيثما ذهبت وكانت دوماً تتصدق على الفقراء وأصحاب الحاجة".

ما لم يحدث به الصمودي المراسل المخضرم الجمهور الذي كان يستمع له هو أنه هو نفسه، وبمصادفة مذهلة، كان قبل عقدين من الزمن قد تعرض لإطلاق نار من دبابة إسرائيلية في نفس المكان الذي قتلت فيه مؤخراً شيرين أبو عاقلة، ونجا من ذلك الهجوم بأعجوبة.

وتحدثت بالعربية أيضاً زميلته نجوان سمري، مراسلة الجزيرة، واصفة الضرر الذي لا يعوض بسبب موت شيرين أبو عاقلة، وقالت: "لقد كانت بمثابة الأم لي، كانت بمثابة الأخت لي".

أبكت المغنية البريطانية من أصول فلسطينية، ريم كيلاني، عيون كثير من الحضور بأدائها الآخذ بالألباب لقصيدة "قال المغني"، من كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

يخيل إليك أن بعض الكلمات إنما صيغت تحديداً لوصف اللحظات الأخيرة التي عاشتها شيرين أبو عاقلة في هذه الأرض "هكذا مت / واقفاً، واقفاً / مت كما الأشجار".

دقيقة صمت

ولكننا لم نذهب إلى هناك فقط لنرثي شيرين أبو عاقلة ونحيي ذكراها. وقف الحضور دقيقة صمت حداداً على أرواح جميع من ماتوا وهم يغطون أحداث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ومن بين هؤلاء يوسف أبو حسين الذي قتل في غارة إسرائيلية العام الماضي، وياسر مرتضى الذي قتل بينما كان يغطي الاحتجاجات في غزة عام 2018، وهكذا، وهكذا.

كان من بين الحاضرين في الجمهور الصحفي دنكن كامبل وزوجته، الممثلة العظيمة جولي كريستي، وأربعة من أعضاء البرلمان، وزعيم حزب العمال الأسبق جيرمي كوربين، وجون ماكدونيل، وتومي شيبارد، وكلوديا ويب. أخبرتني كوينتون أنها دعت عدداً كبيراً من أعضاء البرلمان عن حزب المحافظين، ولكن لم يكن أحد منهم من بين الحضور. وقالت إنها دعت وزيرة الخارجية ليز تراس، ولكن لم تتلق منها رداً، كما دعت العديد من أعضاء حكومة الظل العمالية، ولكن لم يأت أي منهم لحضور المراسم.

على الجبهة الإعلامية، لم يكن ثمة حضور رسمي في المراسم لا من قبل البي بي سي ولا سكاي نيوز ولا نيويورك تايمز ولا وكالة الأسوشييتد بريس ولا وكالة الأنباء الفرنسية. ولكن كان من بين الحضور دون ماكنتاير، الصحفي السياسي المخضرم الذي عمل في القدس مراسلاً لصحيفة الإندبندنت.

تحدثت بعد انتهاء المراسيم مع ناديا ناصر نجاب، صديقة شيرين أبو عاقلة المقربة منها منذ الأيام التي كانتا تدرسان فيها في جامعة بيرزيت (كانت شيرين أبو عاقلة تدرس الأدب الإنجليزي قبل أن تنتقل للعمل في ميدان الصحافة). قالت لي ناديا نجاب: "أعتقد أنه لو ظلت قضية شيرين حية فإن قضية الفلسطينيين الآخرين الذين قتلوا سوف تبقى حية كذلك".

أما ابنة شقيق شيرين أبو عاقلة، لينا، والتي تحدثت باسم العائلة، فقالت: "كانت شيرين باستمرار إنسانة متفائلة وكانت تعتقد بأن الفلسطينيين حتماً سيحصلون يوماً على العدالة".

دروس مستلهمة

أعتقد أن ثمة دروساً ينبغي علينا نحن معشر الصحفيين استلهامها من تجربة شيرين المهنية الرائعة، ألا وهي الكتابة عن الأحداث بدقة وصدق وسرد الحقائق كما هي دونما تحريف، وعدم الاستسلام بتاتاً، وعدم المشي على قشور البيض.

شيرين لم تمت وإنما قتلت، ولإحياء ذكراها علينا أن نتمسك بهذه الحكاية، علينا أن نحدد هوية الذي قتلها والذين أعطوه الأوامر بقتلها، ثم علينا أن نصر على محاسبتهم.

كانت شيرين أبو عاقلة مواطنة أمريكية ومراسلة ذائعة الصيت تعمل في مؤسسة إعلامية عالمية مرموقة. إذا أخفقنا في تحقيق العدالة لها، فلن تتحقق العدالة لأي صحفي فلسطيني أو لأي فلسطيني على الإطلاق.

وأخيراً أقول إنه إذا لم يسع الصحفيون الغربيون في سبيل تحقيق العدالة لشيرين أبو عاقلة، فنحن متواطئون في جريمة قتلها.

ميدل إيست آي


التعليقات (0)