هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على كتاب جديد يتناول أصول ونهاية العلاقة بين صناعة السينما وإسرائيل"".
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه في سنة 1947 تم عرض إعلان على صفحة كاملة في المنشور التجاري الخاص بصناعة السينما الأمريكية في مجلة فرايتي للإشادة بجهود الرئيس الأمريكي في تلك الحقبة هاري ترومان لتشجيع الحكومة البريطانية على قبول زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وكان من بين الموقعين العديد من الشخصيات البارزة في هوليوود بدءا من المغني فرانك سيناترا والممثل إدوارد ج.روبنسون وصولًا إلى المخرج ويليام ويلر، الذي حصل فيلمه عن قدامى المحاربين العائدين "أجمل سنوات العمر"، على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم في السنة السابقة، وكانت قضية أين كان اللاجئون اليهود الأوروبيون؟ مسألة ذات أهمية شخصية بالغة للعديد من الشخصيات البارزة الذين ارتبطت أسماؤهم بهذا الملف.
وأوضحت المجلة أن المخرج جورج ستيفنز - مخرج فيلم "وقت الميل" - قضى سنوات الحرب رئيسا لطاقم الفيلم الوثائقي "فيلق الإشارة لجيش الولايات المتحدة"؛ حيث قام بتصوير تحرير داخاو وعدد لا يحصى من القتلى الذين تُرِكُوا مرميين هناك، وكان الكاتب والمخرج بيلي وايلدر - مخرج فيلم "البعض يفضلونها ساخنة" - قد فر من برلين قبل قدوم النازيين، تاركًا وراءه والدته وزوج والدته وجدته، الذين قُتلوا جميعًا في معسكرات الاعتقال، وفي دعمهم للقضية الصهيونية بعد الحرب، ربما تساءلوا عمن نجا من جحيم أوروبا في ظل وجود وطن يهودي.
في السنة التالية، عندما أصبحت "إسرائيل دولة"، قرأ روبنسون - الممثل اليهودي الذي لمع نجمه كقائد لإحدى العصابات في ثلاثينيات القرن العشرين في فيلم قيصر الصغير - إعلان استقلال البلاد في تجمع حاشد في هوليوود باول، بما في ذلك دعوته الواضحة إلى "المساواة الاجتماعية والسياسية الكاملة لجميع مواطنيها دون تمييز بسبب العرق أو العقيدة أو الجنس".
وذكرت المجلة أن هوليوود صناعة ترجع جذورها، مثل "إسرائيل"، إلى الجهود البطولية وأحيانًا تجربة الإنكار الذاتي التي عاشها مجموعة صغيرة من المهاجرين اليهود من أوروبا الشرقية الذين اعتقدوا أنه يمكنهم فرض سيطرتهم على منطقة قاحلة. وعلى مدى السنوات الـ75 الماضية، كانت "إسرائيل" تنخرط في جهد يسميه الإسرائيليون "هاسبارا"، وتعني الترجمة الحرفية للكلمة العبرية "التفسير"، والجهد، وقد وثق المؤلفان توني شو وجيورا غودمان في كتابهما الجديد "هوليوود وإسرائيل: تاريخ"، محاولات ذات دوافع سياسية لترجمة التجربة الإسرائيلية إلى مصطلحات قد يكون من السهل فهمها خارج حدود المنطقة المحتلة، فضلًا عن كونها ينبغي أن تقدم فهمًا شاملًا لمكانة إسرائيل في المنطقة.
وبحسب المجلة فإن شاو وغودمان يجادلان بأن "هوليوود كانت دائمًا نقطة محورية في إستراتيجية هاسبارا الإسرائيلية، خارج الشاشة وكذلك داخلها"، وكانت إستراتيجية "هاسبارا" تدور حول أخذ التجربة الأجنبية الأساسية للحياة الإسرائيلية؛ المكونة من أجزاء متساوية من الطوباوية الاشتراكية وفنتازيا وسط أوروبا حول منطقة الشرق الغامضة، والواقعية العسكرية المعقدة، ناهيك عن الجدل بأن الإسرائيليين كانوا أبناء عمومة محبين للحرية للأمريكيين، مهندسي مفهوم الديمقراطية متعددة الأعراق، وحماة اليهود في عالم ما بعد الهولوكوست والمدافعون عنهم ضد الإرهابيين، أو أي شيء آخر قد يدفع الأمريكيين الأثرياء وأصحاب النفوذ إلى التحرك لدعمهم.
وكانت الروابط العميقة بين "إسرائيل" وصناعة السينما الأمريكية تعني أن شخصيات مثل المؤلف ليون يوريس (الذي سمح للمسؤولين الإسرائيليين بإجراء تعديلات مسبقة على روايته التي عرفت باسم "الخروج" (قبل نشرها)، والممثل كيرك دوغلاس (الذي عمل عن كثب مع مسؤولي هاسبارا لإقناع وسائل الإعلام الدولية بأن الغزو الإسرائيلي للبنان كان ضروريًّا في سنة 1982)، والممثلة إليزابيث تايلور التي كانت تميل إلى دعم الصهيونية في أعمالها أو تستخدم شهرتها لصالح دعم إسرائيل.
كانت القصص اليهودية في هوليوود تتمحور حول الفجوة غير المريحة بين أصحاب الصناعة والشخص الذي يريدون، أو يحتاجون، أن يكونوا عليه. وبالنسبة إلى أباطرة الاستوديو، ربما جاء بعض الدعم المتأخر لإسرائيل نتيجة فشلهم شبه الكامل في معالجة تضحية يهود أوروبا أثناء الحرب.
إلى جانب وارنر براذرز، لم تصنع استوديوهات هوليوود أي أفلام قبل بيرل هاربور تشير إلى التهديد النازي؛ وحتى عندما فعلوا ذلك، تمكنت تلك الأفلام بطريقة ما من إدانة النازية دون استخدام كلمة "يهودي". وفقط في سنة 1947، أي بعد عامين من تحرير أوشفيتز، أنتجت صناعة السينما الأمريكية أفلامها الأولى عن أهوال معاداة السامية.
حاز فيلم إيليا كازان بعنوان "اتفاقيّة الشرف" على جائزة أفضل فيلم في ذلك العام، وتصدّر دور البطولة فيه غريغوري بيك كصحفي يحاول أن يتحول إلى يهودي ويركز على تعرّضه للتمييز العنصري في فندق فخم. بالتالي، لم تكن القضية الصهيونية على رادار هوليود بتاتا.
تحوّلت "إسرائيل" إلى وجهة جذابة للإنتاج بالنسبة لاستوديوهات هوليوود، لا سيما في خمسينيات القرن الماضي، عندما أدى ظهور التلفزيون إلى ازدهار قصير في الروعة التوراتية. حتى في تلك المرحلة الأولى من تحولها إلى دولة ناشئة رأسمالية بشدة، كان لدى إسرائيل عدد كبير جدًا من أبراج الكهرباء وأسلاك الهاتف لتمريرها بشكل مريح إلى أرض الكتاب المقدس.
كانت هاسبارا، وهي الدبلوماسية العامة في "إسرائيل"، تعني أحيانًا التغاضي عن قسوة اليوم لتروي قصص الماضي. واستفاد إنتاج فيلم "سالومي" لسنة 1953 من حظر التجول ليلا الذي تم فرضه في مدينة الناصرة، مما أدى إلى إخلاء الشوارع من أجل التصوير. وبالمثل، في فيلم "ذا دجاغلر" لسنة 1953، من بطولة دوغلاس في دور أحد الناجين من المحرقة، تم تصوير مشهد إطلاق النار في قرية إقرت، من حيث طُرد السكان الفلسطينيين قبل خمس سنوات، ودمر الجيش الإسرائيلي منازلهم.
لاحظ المدير إدوارد دميتريك أن "بناء قرية عربية مدمرة مثل إقرت، سيكلف ربع مليون دولار"، لذلك تم استغلال تاريخ مأساوي من الاحتلال والترحيل ليصبح موقع التصوير المثالي.
لاحظ شو وغودمان صورة الممثل الجميل ذي العينين الزرقاوتين بول نيومان وهو يظهر بلا قميص من البحر في فيلم الستينيات المقتبس عن فيلم "نزوح"، كلحظة رئيسية في علم دراسة الأيقونات الخاص بالحياة اليهودية في فترة ما بعد الحرب. علاوة على ذلك، كان من المفترض أن تمثل شخصية نيومان المثالية الصهيونية نموذجًا مثاليًا للشمولية متعددة الأعراق التي وصلت إلى أوجها في عصر ما قبل حرب الأيام الستة.
ويقترح فيلم "هوليوود وإسرائيل"، أنه "بدلاً من اختيار طريق المنفى المنهك"، يتوسل بنو كنعان العرب أن يبقوا في منازلهم وأن يصبحوا جزءًا متساويًا من الدولة اليهودية". أرادت إسرائيل أن تَظهَر من خلال أفلام السينما الساحرة على أنها أرض محاربين مفتولي العضلات ولطيفين، وفيلم "نزوح" من إخراج اليهودي النمساوي أوتو بريمينغر، يمثل نقطة مجد لإسرائيل في المخيلة الأمريكية.
يعتقد كل من شو وغودمان أن حرب الأيام الستة، بمخاوفها المروعة التي أسفرت عن انتصار غاية في البهجة، تبشّر بذروة الفخر الصهيوني في هوليوود. ظهر الممثل الكوميدي ميلتون بيرل في مسيرة من أجل بقاء إسرائيل في حزيران/ يونيو 1967، مطالبًا بأن تكون "إسرائيل" خليفة وطنية للولايات المتحدة، حيث ردد قائلا "إسرائيل في نفس الموقف الذي كانت فيه الولايات المتحدة في حرب 1812 ... تقاتل من أجل الديمقراطية".
ويجادل شو وغودمان بأنه "بالنظر إلى الماضي"، فإن "العقد والنصف الفاصلين بين حرب عام 1967 واتفاقية السلام التاريخية بين "إسرائيل" ومصر التي دخلت حيز التنفيذ في أوائل الثمانينيات تمثل عصرًا ذهبيًا من التعاطف الأمريكي، وخاصة التعاطف اليهودي الأمريكي، مع إسرائيل".
يوثّق فيلم "هوليوود وإسرائيل"، الذي كان نتاج بحث معمّق وكتابة بارعة، النطاق الواسع والعبثي أحيانًا للعلاقة التي تجمع بين كاليفورنيا وإسرائيل. فقد أقام نيومان صداقة مع الرئيس الإسرائيلي المستقبلي عيزر وايزمان خلال تصوير فيلم "نزوح"، بينما تمكن تايلور والممثل ريتشارد بيرتون من جمع ما يقارب مليون دولار بعد حرب الأيام الستة "في عشاء للنجوم في مقهى رويال بلندن".
وأضافت المجلّة أنه بعد غارة عنتيبي في سنة 1976، أرسل مدير الاستوديو لو واسرمان برقية مباشرة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين للتفاوض على حقوق الفيلم الحصرية للقصة. إلى جانب ذلك، تزعم شركة إنتاج أخرى تدعى "ميرف غريفين إنتربرايز" أن "لديها المخطط الداخلي لغارة عنتيبي لأن رئيسها، موراي شوارتز، كان في الواقع أحد الرهائن".
وأضافت المجلة أن الجامعة العبرية في القدس خصّصت سنة 1978 مركز فرانك سيناترا الدولي للطلاب - الذي سدّد ثمنه المغني الأسطوري والنجم الحائز على جائزة الأوسكار من الآن إلى الأبد - مدّعية قصة محبوكة بشكل جيّد جدًّا بحيث لا يمكن التحقّق منها، إذ أطلق إيهود أولمرت -الذي سيصبح في المستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي- على المكان اسم "بريتي وومن" أو النساء الجميلات، المقتبس من فيلم المنتج أرنون ميلشان بنفس العنوان. وبالإضافة إلى إنتاج فيلم "بريتي وومن"؛ لاحظ المؤلفون أن ميلشان أشرف أيضًا على "حملة دعائية" نيابة عن حكومة جنوب إفريقيا في عهد نظام الفصل العنصري "الأبارتاهيد"، كما اقتنى أسلحة وعمل سرًّا لدى منظمة استخبارات إسرائيلية سرية، مسؤولة عن الحصول على التكنولوجيا والمواد من أجل برنامج إسرائيل النووي، وعمل أيضا كمنتج للفيلمين "مثل ملك الكوميديا" و"أسرار لوس أنجلوس".
هذا العمى الأخلاقي، بحسب المجلة، الذي سمح للأفلام ذات الميزانيات الكبيرة بالتصوير على أنقاض القرى العربية بدأ في التلاشي مع حرب لبنان عام 1982 ومذبحة صبرا وشاتيلا، فهذه المذبحة التي ساهمت في إلهام الفيلم المقتبس من رواية المؤلف جون لو كاريه "الطبالة الصغيرة". وفي هذا الصدد قال لو كاريه عن غزو لبنان إن "من المفارقات الأكثر وحشية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن وجنرالاته لا يستطيعون رؤية كيف كانوا على مقربة من إلحاقهم بشعب آخر بالمعايير المشينة التي فرضوها ذات مرة على أنفسهم".
وكما الحال دائمًا، فقد كان الحل هو المزيد من الهسبرة "نسبة إلى إستراتيجية "هاسبارا" الإسرائيلية"، وفي هذا الشأن لخّص شو وغودمان رد أحد أعضاء هوليود بعد 11 أيلول/سبتمبر بالقول: "كانت إسرائيل مخطئة لفشلها في إيصال رسالتها... ولسماحها بتصوير نفسها على أنها جالوت بينما في الحقيقة هي ديفيد". فمن الناحية السينمائية؛ فإن عصر الإنتاج الأمريكي في إسرائيل فسح المجال أمام أقطاب العمل الإسرائيليين في لوس أنجلوس، مثل صانع الأسلحة الذي تحول إلى منتج ميلشان، وكبير تجارة البضائع التالفة مناحيم غولان، مما منح المجال للعصر المعاصر للتلفزيون الإسرائيلي للعمل كفريق في مزرعة، وكلوحة لإعادة إنتاج منتجات التلفزيون الأمريكي، مثل "الوطن الأم" و"في العلاج"، بالإضافة إلى المسلسلات الإسرائيلية الشهيرة مثل "فودا" و "شتيسل".
وكما أثبتت هوليوود و"إسرائيل" بشكل قاطع، قد تؤدي القصص الإسرائيلية إلى ملكيات دولية ساخنة، غير أن عصر "هاسبارا" قد ولّى، فقد حكم عليه بفشل عملية أوسلو للسلام وظهور نزعة محافظة إسرائيلية قوية وغاضبة لا تميل نحو الحوار مع الفلسطينيين، فلا أحد يستطيع اليوم قراءة نص روبنسون المقتبس من إعلان الاستقلال حول "المساواة الاجتماعية والسياسية الكاملة لجميع مواطنيها"، دون أن يشعر غريزيّا بزيف هذه الادعاءات، إذ يفتقر ملايين الفلسطينيين إلى أي شيء يقترب من المساواة في الحقوق.
وتعتبر "ديمقراطية إسرائيل"، مثلها مثل الولايات المتحدة، معيبة بشدة، مهدَّدَة من قبل قوى داخلية قوية فقدت الثقة في الحكم الديمقراطي، "لكن الطرق التي تقصر بها إسرائيل معاملتها الوحشية للفلسطينيين، وارتياحها في منح الجنسية الكاملة لبعض سكانها - ولكن ليس كلهم بوضوح - هي إخفاقات لا يمكن لأي قدر من الـ"هاسبارا"، أو لفيلم جدير بالثناء مثل فليم المخرج ستيفن سبيلبرغ "ميونيخ" -الذي يسعى للتعامل مع تعقيدات اللغز الأمني لإسرائيل- أن يزيلها بعيدًا".
إن "المدافعين عن المثل الأعلى الصهيوني الذي أنقذ وحمى ملايين اليهود من الإرهاب والموت، سوف يتعرضون لضغوط شديدة من أجل الاعتراف بأن إسرائيل هي ديمقراطية مزدهرة، ولن يكون أي حجاب للممثلة غال غادوت كافيًا للتغلب على وضعها المتدهور بعد عقد من الحكم من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو".
المرشحون الجدد لجوائز الأوسكار مثل "حراس البوابة" و"وكاميرا مكسورة 5/ 5"، و"عمر" يرسمون صورة مختلفة بشكل ملحوظ عن إسرائيل عما فعله فيلم "نزوح" في السابق.
وبينما تظل هوليوود مؤيدة لـ"إسرائيل"، فقد تغيرت طبيعة هذه المودة - إذ خفتت بسبب نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ومن الصعب عدم استنتاج ذلك؛ حيث يقول شو وغودمان بضجر. ببساطة، لم تحبّ هوليوود إسرائيل الناضجة وهي في سن السبعين بقدر ما كانت تحبها عندما كانت تبلغ من العمر ثلاثين عاما.