هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعتبر المؤلفات والروايات الفلسطينية التي صدرت قبل نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948م واحدة من أهم الدلائل والإثباتات على أحقية هذا الشعب في أرضه وتدحض رواية المحتل الذي جاء واغتصب هذه الأرض بعد سنوات طويلة من إصدار هذه الروايات.
ولطالما ظل الاحتلال الإسرائيلي ومن قبله الانتداب البريطاني يطارد هذه المؤلفات والروايات لإخفاء أي معالم ثقافية للفلسطينيين على أرضهم إلا أن هذه المؤلفات ظلت صامدة على مدار أكثر من سبعة عقود من الزمن حتى وإن تلف بعضها ورقيا بسبب العوامل البيئية إلا أنها ظلت مغروسة في نفوس الفلسطينيين وتقاوم هذا المحتل بوجودها وتعزيزها.
ولتعزيز هذا الصمود الفلسطيني وتأكيد حق الفلسطينيين بأرضهم من خلال وثائق مطبوعة عمرها أطول من عمر المحتل؛ بدأ الفلسطينيون إعادة طباعة قرابة 140 إصدارا من المؤلفات والروايات التي كتبت قبل النكبة وذلك إحياءً للموروث الثقافي، وتأكيدا على الهوية الفلسطينية وحقهم في وجودهم على أرضهم التاريخية مهما طال عمر الاحتلال.
وأكد الدكتور عاطف أبو سيف وزير الثقافة الفلسطيني والروائي المعروف أن الرئيس محمود عباس أطلق برنامجاً وطنياً يهدف إلى إعادة طباعة الكتب التي صدرت في فلسطين قبل النكبة.
وقال أبو سيف لـ "عربي21": "هذا البرنامج يأتي ضمن إستراتيجية الحكومة الفلسطينية لتعزيز الرواية الوطنية واسترداد الموروث الثقافي ونشره رقمياً".
عاطف أبو سيف.. وزير الثقافة الفلسطيني
وأوضح أن البرنامج يتضمن إصدار طبعتين لتلك الكتب، الأولى فلسطينية لتوزع محليا في كل فلسطين، والثانية عربية للتوزيع في الدول العربية.
وتطرق أبو سيف إلى المعيقات التي تواجه تنفيذ البرنامج كالحصول على النسخ الأصلية من تلك الكتب على إثر سرقة العصابات الصهيونية للعشرات منها من المكتبات العامة والخاصة في فلسطين لإخفاء أي آثار عن هذه المؤلفات.
وقال: "فلسطين كانت مزدهرة بالعلم والثقافة والأدب والعروض الفنية قبل عام 1948م، وكانت دور السينما منتشرة فيها وتعرض الأفلام قبل أي دور سينما، وهذا يدحض الرواية الصهيونية حول أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض".
وأضاف: "كلفني الرئيس محمود عباس بعد استلام أول خمسين كتاباً من هذه الكتب التي قامت وزارة الثقافة بإعادة طباعتها بتنفيذ هذا المشروع الوطني، حيث قام بكتابة مقدمتها بخط يده، وذلك للحفاظ على موروثنا الثقافي كجزء أساس من تعزيز روايتنا الوطنية وحماية وجودنا من خلال التأكيد على ما كانت عليه بلادنا فلسطين كمنارة حضارة وعطاء".
وتابع: "إننا إذ نطلق أول مجموعة من هذه الكتب لنبرق برسالة لأبنائنا في كل مكان بأن شعبنا سيظل وفياً لبلاده وسيظل يبحث عن حريته واستقلاله، وإن تنوع الموضوعات التي تناولتها الكتب يعكس ثراء الحياة في بلادنا".
واستعرض أبو سيف جهود وزارة الثقافة الفلسطينية من أجل الحفاظ على الرواية الوطنية من خلال تدخلات عدة منها ما له علاقة بالسردية التاريخية الفلسطينية ومنها ما له علاقة بإعادة طباعة الموروث الثقافي الذي يشمل طباعة 1400 كتاب صدرت في فلسطين قبل النكبة، ومنها ما له علاقة بتعزيز المحتوى الرقمي المعرفي عن فلسطين بجانب الحفاظ على مكونات التراث غير المادي التي تشكل صلب الهوية الوطنية.
واعتبر الباحث ناهض زقوت، رئيس المركز الفلسطيني للدراسات الثقافية، أن تنفيذ هذا البرنامج الوطني لإعادة طباعة الكتب التي صدرت قبل النكبة يأتي ضمن مشروع إحياء التراث الفلسطيني الأدبي والثقافي قبل عام 1948م.
ناهض زقوت.. رئيس المركز الفلسطيني للدراسات الثقافية
وقال زقوت لـ "عربي21": "هذا البرنامج الوطني هو للتأكيد أن فلسطين ذات تاريخ ثقافي وأدبي عريق وراسخ الجذور، وأن فلسطين لم تكن بلدا جرداء بل كانت ذات علم وثقافة وحضارة وتراث".
وأضاف: "أن وزير الثقافة بدأ بالتواصل مع الكتاب والباحثين، وكنت واحداً منهم للكتابة عن هذا التراث، وكتب عن المكتبات والمطابع ودور النشر، والكتب التي صدرت قبل عام 1948 في دراسة مطولة".
وتابع: "كما أعدت كتابة المجموعة القصصية الوحيدة للكاتب خليل بيدس والتي صدرت عام 1924م في مدينة القدس وإرسالها للوزارة للنشر، وكنت على تواصل دائم مع الوزير د. عاطف بشأن هذا المشروع".
وأوضح زقوت أن وزارة الثقافة تمكنت من الحصول على نحو 1400 كتاب صدرت في فلسطين قبل النكبة سواء ثقافية أو أدبية أو غيرها، وعملت على إعادة كتابتها ونشرها، وقد تمكنت في المرحلة الأولى من نشر نحو خمسين كتاباً من هذه الكتب.
ومن جهتها قالت الأديبة الفلسطينية ديانا الشناوي: "إن إعادة طباعة وإحياء الروايات التي كتبت قبل النكبة هي إحياء لموروثنا الثقافي وتأكيد لهويتنا الفلسطينية وحقنا في وجودنا على أرضنا التاريخية".
ديانا الشناوي.. أديبة فلسطينية
وأضافت الشناوي في حديثها لـ "عربي21": "إن وزارة الثقافة الفلسطينية كانت دوما السباقة في إحياء تراثنا بجميع ألوانه وأشكاله، فكم كان رائعا أن نجد هذه الروايات اليوم بين أيدينا نستسقى منها حكايات الأجداد ونرى تشخيصا لعصر كلنا نتطلع بشغف لمعرفة كل تفاصيله فهو عصر الوجود على الأرض دون الحسرة لفقدها".
وتابعت: "كما نتطلع لمعرفة طريقة العيش ومدى الثقافة وكيفية الحياة الاجتماعية فالرواية هي مرآة العصر التي تستطيع نقلنا عبر الزمن لنشم عبير تلك الأيام ونسترجع التفاصيل وتحث خيالنا للتساؤل ماذا كان سيحدث لو أن الأرض لم تغتصب وترعرعنا عليها نبنيها ونعلو بها ونتجذر في ترابها أشجارا باسقة تتطلع لمستقبل مزهر حال باقي شعوب الأرض".
واعتبرت الشناوي أن الرواية الفلسطينية هي جسر ما بين الحاضر والماضي، وأنه من المهم طباعة الروايات التي نشرت ما قبل النكبة للحفاظ عليها من الضياع فهي إرث أدبي فلسطيني يكرس حقنا في الوجود على هذه الأرض ويدحض الرواية الصهيونية بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
وأكدت على أن الروايات ما قبل النكبة تصف الحالة الاجتماعية للشعب الفلسطيني الذي كان يسكن الأرض.
وذكرت الأديبة الفلسطينية أن من هذه الروايات: رواية "الوارث" لخليل بيدس التي صدرت عام ١٩٢٠م والتي تعتبر أول رواية فلسطينية، ورواية "الحياة بعد الموت" لاسكندر الخوري والتي صدرت عام ١٩٢٠م، و"مذكرات دجاجة" لإسحق الحسيني التي صدرت عام ١٩٤٣م، ورواية "في السرير" لمحمد العدناني التي صدرت عام ١٩٤٧م، وقالت: "على الرغم من أن تلك الروايات لم تتحدث بشكل مباشر عن الصراع الفلسطيني الصهيوني بسبب الرقابة المشددة على المؤلفات من قبل الانتداب البريطاني إلا أنها روايات مهمة لأنها تعتبر اللبنة الأولى في عالم كتابة الروايات وهي التي مهدت وشجعت الكتاب للاستمرار في الكتابة حتى وصلنا لما نحن عليه الآن من الزخم وحرية التعبير فالخطوة الأولى دائما ما تفتح الطريق للكثير من الخطوات".
وأضافت: "مشروع إعادة طباعة كتب ما قبل النكبة يبني ثقة بين الأدباء والقائمين على الثقافة الفلسطينية حيث أن الجيل الجديد يعلم بأن الإرث لا ينسى وبالتالي هم أيضا في أيد أمينة وليعلموا بأن فلسطين التاريخية كانت دولة متحضرة بها كتاب وأدباء وفنانون وشعراء وصحف وإعلام ومسرح".
وتابعت: "فلسطين كانت دولة حضارية راقية، والاحتلال يحاول طمس كل هذه الموروثات ونسبها له، ونحن نحييها ونعيدها ونزينها ونسقيها للأجيال الشابة وهم بدورهم سيورثوها لأبنائهم لكي تبقى القضية حاضرة ما دام هناك شعب لا ينسى".