هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار القرار الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد بعزل 57 قاضيا، موجة رفض وانتقادات في الأوساط القضائية والسياسية، وقد وُصف القرار بالـ"الجائر" و"الظالم".
وفي ساعة متأخرة من ليل الأربعاء، صدر بالجريدة الرسمية للجمهورية التونسية أمر رئاسي يقضي بعزل 57 قاضيا مع التنصيص على النفاذ الفوري، بتهم تتعلق بالفساد والتستر على فاسدين، وتعطيل تتبع ذوي شبهة إرهابية.
وشمل قرار العزل قضاة بارزين من بينهم يوسف بوزاخر الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء الذي حله الرئيس سعيّد، إضافة إلى الرئيس السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد، ووكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي.
وعقب إصدار القرار الرئاسي، تواجدت تعزيزات أمنية كبرى أمام المحاكم التونسية صباح الخميس.
مجزرة القضاء
وفي تعليق، قال القاضي ورئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان مراد المسعودي (تم عزله) في تصريح خاص لـ"عربي21"، إن قرار الإعفاء ظالم واعتباطي وينم عن تكريس مطلق للفوضى بالدولة التونسية".
وشدد القاضي المسعودي على أن قرار العزل لا يتجه فقط للمعزولين لأنه كان متوقعا وإنما لبقية القضاة، من بقي من القضاة سيظل الآن بين المطرقة والسندان لأن الرئيس سيعمل على تنفيذ أجنداته من خلالهم ومن يرفض سيعزله".
وتابع القاضي المسعودي قائلا: "هي رسالة للقضاء حتى يحسم من خلاله سعيد معاركه مع خصومه، ولكن نحن نعتبره قرارا معدوما كبقية القرارات التي أصدرها لأنه لا سند قانونيا لها"، كاشفا أن القضاة سيتحركون وسيتم تدارس الخطوات اللازمة لذلك.
بدوره وصف القاضي محمد عفيف الجعيدي، في تصريح خاص لـ"عربي21" قرار عزل قضاة "بالجائر"، قائلا إن "كل قاض اليوم بات معرضا للإعفاء بمجرد تقرير يصل إلى رئيس الجمهورية وهو أمر خطير جدا نظرا لمسه باستقلالية القضاء ويصنع الخوف في الوسط القضائي".
واعتبر القاضي محمد عفيف أن "الإعفاء في حده الأول يلامس الوضع المهني للقضاة المعنيين به والقضاة عموما، ولكنه في منتهاه يمس بالضمانات المخولة للعموم في الالتجاء للقاضي العادل".
وأكد محدثنا أنه بعد قرار العزل فقد تم الإجهاز بالكامل على ضمانات الاستقلالية، هناك اتجاه نحو تحكم فردي بالقضاء وهو مؤشر مقلق جدا".
قرار الدفع للمواجهة
وفي بيان لها، قالت جبهة "الخلاص الوطني" (شخصيات وطنية معارضة للرئيس سعيد) إن قرار العزل "إجراء خطير يؤذن بدفع البلاد إلى المواجهة بين الدولة وبين الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية الوطنية وأصحاب الرأي الحر من اعلاميين ومدونين وأكاديميين".
ونبهت الجبهة إلى أن إجراء العزل للقضاة "لن يزيد الأزمة السياسية إلاّ استفحالا".
وشددت الجبهة على أنها "ترفع عاليا صوتها للتنديد بهذا الإجراء المحدثِ الذي أقدم عليه رئيس الدولة لهدم ما تبقى من صرح الديمقراطية والفصل بين السلطات ولتطويع القضاء وتسخيره لخدمة السلطة السياسية في خصوماتها مع معارضيها".
وتوجهت جبهة "الخلاص الوطني" بالدعوة لكافة القوى السياسية والاجتماعية لتوحيد كلمتها والوقوف صفا واحدا في وجه هذا الانهيار الخطير، والعمل على إنقاذ تونس وإعادتها إلى الشرعية الدستورية والحكم الرشيد.
Moncef Marzouki (@MMarzouki01) June 1, 2022
من جهتها، أعلنت مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" عن استنكارها و رفضها لقرار إعفاء 57 قاضيا دون تمكينهم من ممارسة حقهم في الدفاع عن أنفسهم.
وقالت مجموعة "محامون" إن "قائمة العزل تضم عددا كبيرا من الشرفاء المشهود بكفاءتهم ونزاهتهم ما يرجح أنّ سبب عزلهم يعود إما إلى عدم رضوخهم للتعليمات أو لانتقادهم للانقلاب".
ودعت المجموعة "شرفاء القضاء و المحاماة إلى التصدي و بكل قوة لهذا العبث، والذود عن استقلال السلطة القضائية إزاء تغول سلطة الانقلاب"، وفق نص البيان.
اقرأ أيضا: الرئيس التونسي يعفي 57 قاضيا من مناصبهم
وفي السياق ذاته، قال حراك "مواطنون ضد الانقلاب" إن قرار عزل القضاة "إجراء تسلطي يأتي في سياق عزلة داخلية وخارجية لسلطة الانقلاب وفي إطار محاولة يائسة لتحويل أزمته الخانقة نحو فتح المعركة مع خصومه السياسيين لتصفيتهم عبر قضاء التعليمات والخضوع".
وحذّر الحراك من أن ما أقدم عليه قيس سعيد، هو إيذان بمرحلة خطيرة من استعمال أجهزة الدولة والمرفق القضائي لإغلاق الحياة السياسية، واستهداف المعارضة ومقاومي الانقلاب، ويدفع بالبلاد إلى مخاطر المواجهة وتعميق عزلة البلاد تحت ستار حديدي من الحكم الفردي الاستبدادي المارق عن القوانين والشرعية.
مرسوم "معدوم"
من جهته، قال المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين إن مرسوم عزل القضاة معدوم لما مثّله من تعدّ واضح على الاختصاص الحصري للمجلس الأعلى للقضاء.
وأكد المكتب أن المرسوم تدخل واضح وفادح لرئيس الجمهورية في ما هو موكول للسلطة القضائية وما يمثله من انتهاك لكل المبادئ المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق الدولية من حق الدفاع ومبدأ المواجهة وقرينة البراءة.
وعبر المكتب في بيان له الخميس، عن تنديده بأمر الإعفاء لما مثله من مذبحة قضائية بذريعة محاربة الفساد والحال أنه في الواقع لا صلة له بمحاربة الفساد وبالمحاسبة الحقيقية.
واعتبر المكتب التنفيذي للقضاة أن قرار العزل "مذبحة تأتي في سياق تصفية عدد من قضاة النيابة العمومية ومنهم الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس ووكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس وقضاة التحقيق والمجلس الذين تمسكوا بتطبيق القانون بحيادية وبمقتضى الإجراءات القانونية السليمة بعد 25 تموز/ يوليو.
ودعا المكتب التنفيذي جميع القضاة لمزيد التمسك باستقلالهم وحيادهم في ممارسة وظائفهم القضائية بكامل النزاهة دون الخضوع لأي ضغوطات من أي جهة كانت حماية للحقوق والحريات من التعسف.
كما دعا القضاة إلى رص الصفوف والتعبئة التامة لمواجهة هذه " الهجمة الشرسة على السلطة القضائية و عقد مجلس وطني طارئ وعاجل يوم السبت القادم لاتخاذ ما يستوجب من قرارات".
بدوره أعلن اتحاد القضاة الإدارين عن رفضه القاطع لمرسوم عزل 57 قاضيا.
وقال الاتحاد في بيان له، إن مرسوم عزل القضاة إنهاء لكل مقومات استقلال القاضي والقضاء، مؤكدا أن القضاة مستعدون لكل الخطوات النضالية التي يقتضيها استقلال القضاء.