اقتصاد عربي

هل تستجيب بنوك تونس لأمر سعيّد؟.. "مخاطر اقتصادية"

تسعى تونس إلى الحصول على قروض بالعملة الصعبة من البنوك المحلية لتمويل خزينة الدولة- جيتي
تسعى تونس إلى الحصول على قروض بالعملة الصعبة من البنوك المحلية لتمويل خزينة الدولة- جيتي

أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد أمرا جديدا يتعلق باقتراض الدولة من البنوك المحلية باليورو والدولار من أجل تمويل الخزينة العامة، وسط جدل بخصوص مدى استجابة المصارف في ظل تأثرها بالحرب الروسية الأوكرانية.


والاثنين، صدر بالجريدة التونسية الرسمية (الرائد) مرسوم يحمل عدد 33 مؤرخ في 30 أيار/ مايو 2022 يتعلّق بالموافقة على اتفاقية التمويل المبرمة بتاريخ الـ20 من الشهر ذاته، بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية لتمويل ميزانية الدولة.


ونص الفصل الأوّل على أنه تتم الموافقة على اتفاقية التمويل الملحقة بهذا المرسوم والمبرمة بتاريخ 20 أيار/ مايو 2022 بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية على التوالي بمبلغي واحد وثمانين مليونا وخمسمائة ألف أورو، وخمسة وعشرين مليون دولار أمريكي لتمويل ميزانية الدولة.


ويأتي هذا الأمر الرئاسي في وقت تعاني فيه تونس من ارتفاع في واردات الطاقة بالعملة الصعبة بنسبة 87.2 بالمئة خلال الربع الأول من عام 2022، بسبب ارتفاع سعر النفط، وهو ما يمثل حوالي ثلث العجز التجاري، الذي بلغ 4.3 مليار دينار (1.42 مليار دولار)، بعدما كان في حدود 3.06 مليار دينار (1.01 مليار دولار) في الربع الأول من العام الماضي، بحسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء.


وكلما طال الصراع بين أوكرانيا وروسيا، فإن المتوقع أن ترتفع أسعار الطاقة مجددا في تونس، دون اعتبار الزيادة التي أقرها قانون موازنة 2022، ما يجبر قطاع الصناعة على وجه الخصوص على الاقتراض بالعملة الصعبة أكثر لتزويد نفسها بالمواد الخام والمنتجات شبه المصنعة، في حين أن من المتوقع أن ينخفض الطلب المحلي.


 من جهة أخرى، أعلنت السلطات التونسية عن تسجيل انخفاض في معدلات السياحة وتدفقات رأس المال الأجنبي، ما من شأنه تسريع مخاطر إفلاس البنوك.


ويتوقع أن يتأثر قطاع السياحة في تونس سلبا، مع بداية ذروة الموسم، بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث تستهدف السياحة بشكل أساسي الأوروبيين الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، فيما يعتبر قطاع السياحة أحد أبرز مصادر العملة الصعبة لبلد مثل تونس.


وأمام غلق الفضاء الجوي والبحري أمام الطائرات والسفن القادمة من موسكو، فإن من المنتظر أن تخسر تونس السياح الروس، الذين يمثلون 6 بالمئة من الزوار الأجانب، بحسب بيانات عام 2019، السنة المرجعية في السياحة التونسية، في وقت تعتبر فيه السياحة أحد المصادر الرئيسية لعائدات العملات الأجنبية بالنسبة للبنوك الأجنبية، فيما بلغ رصيد تونس من العملة الأجنبية 24,740 مليون دينار (7994.02 مليون دولار) بتاريخ 31 أيار/ مايو 2022، ما يقابله 129 يوم توريد، بحسب البنك المركزي.


وعن مدى استجابة البنوك التونسية عن توفير قروض بالعملة الصعبة للدولة من أجل تمويل الخزينة، قال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، إن ذلك مرتبط أساسا بودائع العملاء لدى المصارف والسيولة المالية.


وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار الخبير سعيدان إلى أن "هذه العملية هي السابعة في تاريخ تونس حيث تلجأ الدولة إلى الاقتراض من البنوك المحلية بالعملة الصعبة من أجل تمويل الخزينة".


وأوضح سعيدان أن صدور الأمر الرئاسي يعوّض المصادقة على هذه العملية من قبل مجلس نواب الشعب، حيث من المفترض أن يصوّت البرلمان للموافقة عليها.


وقال الخبير الاقتصادي إن اقتراض الدولة من البنوك بالعملة الصعبة مرتبط بالأساس بودائع الحرفاء، خصوصا الحرفاء الأجانب غير المقيمين بتونس، والذين يملكون حسابات باليورو والدولار، وعلى هذا الأساس، تقرض المصارف الدولة.


وتابع: "هذا الأمر يحيلنا للحديث عن مسألة السيولة، البنوك المحلية لها سيولة بالدينار وسيولة بالعملات الأجنبية، وعلى هذا الأساس تقدّم المصارف قروضا للدولة إلى حد ما، وإن تم تجاوز هذا الحد، فهذا سيمثل حتما خطرا على سيولة البنوك".

وعلّق بالقول إن "أي عملية اقتراض بالعملة الصعبة توجد بها مخاطر للصرف، حيث إن الدولة تقترض باليورو والدولار بسعر صرف محدّد، على أن تسدّد تلك القروض في وقت لاحق، قد يتغيّر خلاله سعر صرف العملات الأجنبية".

والشهر الماضي، قالت وكالة التصنيف الأمريكية "فيتش"، إن المؤسسات المصرفية في تونس، والبالغ عددها 23، تعتبر الأكثر عرضة للتأثر بالحرب الروسية الأوكرانية في أفريقيا.


وجاء تقرير "فيتش" بعد أن خفضت التصنيف السيادي لتونس في آذار/ مارس الماضي من مرتبة "B-" إلى "CCC"، مؤكدة أن "هذا التصنيف يعكس مخاطر السيولة المالية والخارجية المتزايدة في سياق المزيد من التأخير في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي".


وجاء هذا القرار في وقت تسعى فيه تونس للحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي قيمتها 4 مليارات دولار، فيما يشترط الصندوق على تونس تحقيق التوافق والاستقرار السياسي، للتفاوض حول الأمر.


وأضافت أن "الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يتطلب تقليص المعارضة الاجتماعية والاحتكاك المستمر مع النقابات، إضافة إلى قدرة الحكومة على سن تدابير توحيد مالية قوية".


وتوقعت "فيتش" أن يستمر العجز في ميزانية تونس عند مستويات مرتفعة في حدود 8.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، مقارنة بنسبة 7.8 بالمئة العام الماضي 2021.


وتوقعت الوكالة، أن يصل حجم الدين العام إلى 84.0 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2022، وإلى 84.7 بالمئة في 2023.


وأوضحت أنه "في ظل عجز تونس على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية، فإنها ستواصل تعويض التمويل الخارجي من خلال الاقتراض بكثافة من السوق المحلية".

 

ولفتت إلى أن "اعتماد تونس المتزايد على التمويل المحلي وأسعار السلع العالمية أدى إلى ارتفاع التضخم"، متوقعة أن "يبلغ معدل التضخم في المتوسط حوالي 8 بالمئة في 2022".

 

اقرأ أيضا: النقد الدولي: وضع اقتصاد تونس كارثي.. وهذا مصير المفاوضات

بدوره، توقع محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، أن عجز الميزانية سيزيد إلى 9.7% هذا العام مقارنة مع توقعات سابقة عند 6.7% بسبب قوة الدولار والزيادة الحادة في أسعار الحبوب.


وأضاف العباسي خلال مؤتمر اقتصادي الأسبوع الماضي أن تونس بحاجة إلى تمويل إضافي للميزانية يبلغ خمسة مليارات دينار (1.6 مليار دولار) هذا العام بسبب آثار الحرب في أوكرانيا.


وسيرفع هذا احتياجات التمويل هذا العام إلى 25 مليار دينار (8.24 مليار دولار)، ما يزيد من الضغوط على المالية العامة للبلاد التي تعيش تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية.


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم