قضايا وآراء

جمهورية جديدة بـ"كبسة زر"

قطب العربي
1300x600
1300x600

السيسي يعلن انطلاق جمهوريته الجديدة في مصر، قيس سعيد يعلن ترتيبات لتأسيس جمهوريته الجديدة في تونس.. هكذا تصور الحاكمان المستبدان أن الجمهوريات الجديدة تنشأ بقرار إداري، أو بـ"كبسة زر"، وكأنهما يقرآن من كتاب واحد، يستهويهما اسم الجمهورية الجديدة فيطنطنان به دون معرفة بحقيقته، هكذا بدا لهما أنه شيء جميل، يؤسس لشرعية مفتقدة، ويرفع الروح المعنوية لشعوب معتلة، فجعلوه شعارا مثبتا في أعلى شاشات فضائياتهم.

قبل أيام أصدر قيس سعيد حاكم تونس مرسوما رئاسيا بتشكيل الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، كما تضمن المرسوم تأسيس لجنتين استشاريتين ولجنة للحوار الوطني. مهمة اللجنة الوطنية هي تقديم مشروع دستور جديد يليق بـ"الجمهورية الجديدة" التي بشر بها قيس شعبه، بعد استشارة إلكترونية شكلية شارك فيها 7 في المائة فقط من الشعب، وسيعرض الدستور الجديد للاستفتاء الشعبي (الشكلي) في 25 تموز/ يوليو، أي في ذكرى انقلاب قيس على الدستور الحالي الذي كان نتاج حوار وطني حقيقي شاركت فيه كل القوى السياسية والمجتمعية في تونس صيف العام 2013.

هكذا تصور الحاكمان المستبدان أن الجمهوريات الجديدة تنشأ بقرار إداري، أو بـ"كبسة زر"، وكأنهما يقرآن من كتاب واحد، يستهويهما اسم الجمهورية الجديدة فيطنطنان به دون معرفة بحقيقته، هكذا بدا لهما أنه شيء جميل، يؤسس لشرعية مفتقدة، ويرفع الروح المعنوية لشعوب معتلة، فجعلوه شعارا مثبتا في أعلى شاشات فضائياتهم

يمضي قيس سعيد في   غير آبه بالرفض الشعبي الواسع والذي انضم له اتحاد الشغل مؤخرا، ماضيا نحو انتخابات برلمانية مبكرة في ديسمبر المقبل (ذكرى الثورة التونسية بالتوقيت القيسي) لإنتاج برلمان على مقاسه، رافضا عرض نفسه على الشعب مجددا بعد تمرير دستوره الجديد، ومصادرا حتى على الهيئة الوطنية حقها في اقتراح نص بإجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد الدستور!!

في آذار/ مارس من العام الماضي أعلن المشير السيسي أن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة هو إعلان للجمهورية الجديدة، وكرر الصيغة ذاتها في تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته، ثم خلال حضوره احتفال عيد الميلاد بالكاتدرائية في العاصمة الإدارية في كانون الثاني/ يناير الماضي، وفي عدة مناسبات تالية وصولا إلى إطار العائلة المصرية الذي أطلق فيه دعوته للحوار الوطني والتي اعتبرها تمهيدا لهذه الجمهورية الجديدة.

اعتبر السيسي في تصريحاته، وتبعه رئيس وزرائه ووزرائه أن تأسيس عاصمة جديدة (لا ضرورة عملية لها، وتسببت في اقتراض مليارات الدولارات) هو تدشين للجمهورية الجديدة دون أن يحدد مواصفات لهذه الجمهورية تختلف عما سبقها. لقد ظهرت الجمهورية لأول مرة في مصر في تموز/ يوليو 1952، ووضعت منذ ذلك الوقت أسسا راسخة للحكم العسكري حتى وإن ارتدى حكامها الضباط حللا مدنية، لكنها لا تقبل أن يديرها أي مدني مهما علا شأنه.

ثم كانت الجمهورية الثانية هي جمهورية مدنية وضعت بذرتها ثورة 25 يناير، وكان أول وآخر رئيس لها حتى الآن هو الدكتور محمد مرسي رحمه الله. ولم تصمد هذه الجمهورية الثانية المدنية أكثر من سنة أمام الممانعة العسكرية الراسخة، ما يذكرنا بكوميونة باريس التي أقامها الشيوعيون الفرنسيون لمدة سبعين يوما (منتصف آذار/ مارس 1871 إلى 28 أيار/ مايو 1871)، حكموا خلالها باريس بأفكارهم وسياساتهم الشيوعية لأول مرة في التاريخ الحديث، ورغم قصر مدتها إلا أنها ظلت حالة ملهمة للشيوعيين في العالم كله حتى اليوم.

إذن الجمهوريتان اللتان حكمتا مصر هما جمهورية الضباط من 1952 وحتى 2011، ثم الجمهورية المدنية لمدة عام منتصف 2012 حتى منتصف 2013، وقد أطاح بها انقلاب عسكري مطلع تموز/ يوليو 2013 لتعود البلاد إلى النسخة السابقة من الحكم العسكري، وبدت أقرب للنسخة الناصرية خصوصا في جانب القمع الشديد، وإلى النسخة الساداتية في الجوانب الاقتصادية، أي أنها لم تقدم جديدا سوى كلام كالطبل الأجوف.
الوله بمسمى الجمهورية الجديدة هو محاكاة للجمهورية الخامسة الفرنسية التي أسسها الجنرال شارك ديجول، ورغم أنه قائد عسكري سابق يتخذه الكثير من القادة العسكريين قدوة وأنموذجا، إلا انه كان حاكما ديمقراطيا، وقد كان متقاعدا عن السياسة حين دعا لتأسيس نظام جمهوري جديد يخرج البلاد من الأزمة الكبرى

الوله بمسمى الجمهورية الجديدة هو محاكاة للجمهورية الخامسة الفرنسية التي أسسها الجنرال شارك ديجول، ورغم أنه قائد عسكري سابق يتخذه الكثير من القادة العسكريين قدوة وأنموذجا، إلا انه كان حاكما ديمقراطيا، وقد كان متقاعدا عن السياسة حين دعا لتأسيس نظام جمهوري جديد يخرج البلاد من الأزمة الكبرى التي تسببت بها بشكل رئيسي حرب التحرير الجزائرية، والتي قضت على الجمهورية الرابعة عام 1958.

كان الحكم في فرنسا برلمانيا، وعانى من غياب الإجماع السياسي، وضعف السلطة التنفيذية، ولم يحقق أي حزب سياسي أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة منفردا، فكانت الحكومات ائتلافية ضعيفة. وقد صوت البرلمان في العام 1958 على حل آخر حكومة، وعقد مؤتمر دستوري، واقترح ديجول نظاما يجمع بين "الرئاسي والبرلماني"، بحيث يكون لرئيس البلاد سلطات تنفيذية بالتشاور مع رئيس الحكومة، وهو الوضع الذي استمر حتى اليوم، وحكم فرنسا خلاله تسع رؤساء حتى الآن. كانت الجمهورية الخامسة (الممتدة حتى الآن) هي استجابة لتطلعات الشعب الفرنسي، وكانت تطورا دستوريا، تعزيزا وليس انتقاصا من الحالة الديمقراطية.
الحديث الدائر في مصر وتونس عن جمهورية جديدة هو نكوص واضح عن الديمقراطيات الوليدة التي أنتجتها ثورتان شعبيتان في العام 2011، وقد تواكب هذا الحديث مع انقلاب واضح على الدستور الديمقراطي في كلتا الدولتين، مع اتجاه واضح نحو المزيد من السلطوية والاستبداد

لكن الحديث الدائر في مصر وتونس عن جمهورية جديدة هو نكوص واضح عن الديمقراطيات الوليدة التي أنتجتها ثورتان شعبيتان في العام 2011، وقد تواكب هذا الحديث مع انقلاب واضح على الدستور الديمقراطي في كلتا الدولتين، مع اتجاه واضح نحو المزيد من السلطوية والاستبداد المغلف بكلمات فخيمة عن جمهورية جديدة.

حين يتزاوج الاستبداد مع الفساد، وحين تعجز الأنظمة الحاكمة عن مواجهة المشكلات فإنها تهرب إلى بيع الأوهام، وتخدير الشعوب بحلو الكلام، وحين حدث ذلك في ممالك الأندلس (الفاشلة) أنشد شاعرها:

وممـا يزهّدنـي فـي أرض أندلـسِ
أسمــاءُ معتضــدٍ فيهــا ومعتمــد

ألقـابُ مملكـة فـي غيـرُ موضعهـا
كالهرّ يحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ

 

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)

خبر عاجل