ملفات وتقارير

هل خالفت تسريبات "الاختيار3" القانون والدستور المصريَّين؟

مرسي: النتيجة متتغيرش لأن دي إذا حصلت ليس لها من دون الله كاشفة- جيتي
مرسي: النتيجة متتغيرش لأن دي إذا حصلت ليس لها من دون الله كاشفة- جيتي

يواصل منتجو مسلسل "الاختيار3"، عرض تسريبات ومقاطع فيديو مصورة للرئيس الراحل "محمد مرسي" وعدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، والتي تم تصويرها بدون علمهم ويتم عرضها بدون أخذ الإذن منهم، وهو ما يدفع للتساؤل حول مدى قانونية عرض تلك التسريبات. 

وكفل الدستور والقانون المصريين للمواطنين حقهم في عدم الإطلاع على خصوصياتهم وعدم مراقبتهم وتصويرهم، بل جرى تجريم التعدي على الحياة الخاصة للأفراد وتسجيل المكالمات والتقاط الصور والفيديوهات دون علمهم بقانون العقوبات لسنة 1937، وبقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لعام 2018. 

وتنص "المادة 309" من قانون العقوبات المصري رقم 58 لعام 1937، على أنه "يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلا أو مستندا متحصلا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان بغير رضا صاحب الشأن". 

كما تنص المادة على "العقاب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات لكل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه، ويعاقب بالسجن الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتمادا على سلطة وظيفته"، فيما "يحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل عنها، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها". 

ونصت "المادة 25" من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، رقم 175 لعام 2018، على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع، حيث يعاقب المنتهك لذلك "بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين". 

ومن بين الجرائم المنصوص عليها بالمادة، "القيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة". 

تسريب الاختيار3 

وعرضت حلقة "الاختيار3" مساء السبت الماضي، مقطعا حقيقيا لاستضافة المرشح الرئاسي لانتخابات حزيران/ يونيو 2012، الدكتور محمد مرسي، من داخل مقر المخابرات الحربية التابعة للجيش المصري والتي كان يرأسها حينها اللواء عبد الفتاح السيسي، بحضور المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري ووزير الدفاع آنذاك. 

وخلال المقطع، الذي يبدو أنه مصور بمعرفة المخابرات الحربية ويركز فقط على مرسي، دعا فيه الأخير المشير طنطاوي لعدم تغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية التي جرت بينه وبين الفريق أحمد شفيق، مؤكدا أن عواقب ذلك ستكون غضبا شعبيا أكثر مما حدث ضد حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. 

وبينما يظهر السيسي، في التسريب جالسا على يمين مرسي ولا يشترك في الحوار ويسجل كل كلمة يقولها الراحل مرسي؛ يظهر صوت المشير طنطاوي فقط، والذي يبدو أنه يجلس على يسار مرسي ويحاول امتصاص غضبه تارة بالتأكيد على عدم تزوير النتيجة، ثم بلفت انتباهه لشخص السيسي وتعريفه به تارة أخرى. 


وردا على إطراء طنطاوي للسيسي، قال المرشح الرئاسي مرسي: "سيادة اللواء عبد الفتاح شخصية الحقيقة، إحنا يعني نعتبره من الأسس اللي مع حضرتك، وهو الذراع الأساسية لك".

محور اللقاء الذي عرضه الاختيار كتسريب أثار الجدل، حذر فيه مرسي الطنطاوي بالقول: "النتيجة متتغيرش لأن دي إذا حصلت ليس لها من دون الله كاشفة، الموجة الموجودة موجة إضرام نيران لمن لا يقدر المسؤولية أنا لا أتمنى هذا ولا أريده ولا أوافق عليه..". 


وأضاف: "التصرف الموجود والشعور الموجود تلقائي شعبي وليس مخططا له". 


وواصل تحذيره: "النتيجة إذا تغيرت يا سيادة المشير سيؤدي هذا إلى الاضطراب لا نعرف إلى أي مدى ستذهب، تغيير النتيجة أنا بقول لحضرتك سيؤدي إلى اضطرابات ساعتها لا أنا ولا انتو هتقدروا تمنعوها..". 

 

 


تلك التسريبات تلقاها أنصار رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بسعادة تامة، معتبرين أنها إدانة للرئيس الراحل الذي توفي داخل قفص محاكمته 17 حزيران/ يونيو 2019، وتلميحا منه بأن الإخوان المسلمين سيحرقون البلاد إذا لم يفوزوا في الانتخابات. 

 

اقرأ أيضا: وزير مصري سابق: السيسي اعتاد حمل حذاء الرئيس مرسي
 

التخلص من مجلس النواب

على الجانب الآخر، بدت التسريبات رغم ما أخذ عليها من اقتطاع ومونتاج في صالح الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، إذ أنه ووفق أنصارهما فقد كشفت عن إصرار المجلس العسكري بقيادة طنطاوي ومعاونه السيسي على التخلص من مجلس النواب المنتخب عام 2012، والذي شكل تيار الإخوان والسلفيين أغلبيته. 


وفي رؤيتهم أيضا، فإن التسريب يكشف توجه المجلس العسكري الحاكم لمصر منذ الإطاحة بحسني مبارك (شباط/ فبراير 2011- حزيران/ يونيو 2013) ونيته تزوير نتيجة الانتخابات الرئاسية التي شهد العالم بنزاهتها لصالح الفريق أحمد شفيق. 

لكن المثير أن بعض الذين رفضوا حكم مرسي، اتخذوا جانب أنصاره وأكدوا أن التسريبات لا تدين مرسي، بل تظهره كسياسي قوي يواجه سلطة المجلس العسكري، على عكس ما يروج المسلسل بأنه كان ضعيف الشخصية أمام قيادات الجيش التي انقلبت عليه في الثالث من تموز/ يوليو 2013. 

ودافعت الإعلامية شهيرة أمين، عن الرئيس مرسي قائلة: "في التسريبات لم أسمع مرسي يهدد بالعنف إذا تغيرت نتيجة الانتخابات، بل سمعته يحذر من رد فعل تلقائي للناس"، مضيفة: "هناك فرق". 

 


"مخالفة للدستور" 


وفي رؤيته القانونية لما يعرضه الاختيار من تسجيل حديث خاص للرئيس مرسي وقيادات الإخوان دون علمهم وإذاعته دون موافقتهم ومدى اعتبار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون والدستور، قال السياسي والمحامي المصري عمرو عبد الهادي: "التسجيلات غير قانونية بالمرة وتدين النظام". 

وفي حديثه لـ"عربي21"، لفت إلى أن "المادة 57" من الدستور المصري تنص على أنه "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تُمس، وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون". 

وأضاف: "دستور السيسي نفسه يكفل حماية حقوق المواطنين، لكن هذا شيء عادي جدا لنظام عسكري شمولي فاشي قام أساسا على انتهاك الدولة ومفهومها". 

وأكد أن "تلك التسجيلات أقل جريمة ارتكبها السيسي منذ 3 تموز/ يوليو 2013، فقد ارتكب جرائم حرب ولن يُنظر إلى جريمة تسجيل حديث لمواطن". 

ويعتقد أنه رغم ضجة التسجيلات فإنها "لم تكشف عن أسرار؛ باستثناء تسجيل أو اثنين، والجديد فيها أنها أدانت من سربها، بل رفعت من شأن الرئيس مرسي وحطت من قدر السيسي الذي ظهر كتابع ذليل بكل اللقاءات عكس ما يصوره الممثل ياسر جلال". 

"مهزلة وانحطاط" 

من جانبه، أشار الحقوقي المصري هيثم أبو خليل، إلى أن "المادة 57 من دستور 2014، وتعديلاتها تُجرم التنصت بطريقة واضحة"، مشيرا إلى أن "ما حدث مهزلة ومخالفة للقانون وسابقة في تاريخ مصر". 

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أنه "لا يصح أن يكون هناك حوار داخل وزارة الدفاع المصرية مع المشير طنطاوي دون علم المُسجل له (الرئيس مرسي) وبعد ذلك يجري استثمار هذا التسجيل في معركة سياسية بعدها بـ9 سنوات". 

أبو خليل، وصف ذلك الفعل بأنه "نوع من الانحطاط يخالف الدستور والقانون"، موضحا أنه "حال إذاعة أي حوار خاص يتطلب الأمر إذنا قضائيا وذلك وفقا للدستور، وبداية فإن التنصت أو التسجيل قبل الإذاعة يتطلب إذنا قضائيا طبقا للقانون". 

 

اقرأ أيضا: تسريب "مرسي" يثير جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي (شاهد)

"جريمة مركبة" 

وقال الخبير الدستوري الدكتور نور فرحات، إن هذه التسريبات "جريمة مركبة، فهي جريمة لمخالفتها القانون، وجريمة أخرى بإضفاء المشروعية الاجتماعية عليها وتمرير مخالفة القانون في الوعي الاجتماعي المصري". 

وقال عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك": "ما اصطلح على تسميته بالتسريبات، وهو تسجيل حديث خاص دون علم صاحبه وإذاعته على الناس هو جريمة معاقب عليها قانونا". 

وأضاف: "ما يثير الدهشة بل والاستنكار أن تمر هذه الجرائم وكأنها فعل وطني حميد وتبث في أجهزة الإعلام الرسمية بمعرفة أجهزة رسمية وتسمى (تسريبات) ويصفق الناس لها وينتظرون على أحر من الجمر الاستماع إليها" . 

ولفت في أحد ردوده على المعلقين إلى أن "الدستور المصري ينص على أن مبدأ سيادة القانون هو المبدأ الحاكم"، موضحا أنه "من غير المشروع ممارسة السياسة بالمخالفة للقانون".

 


التعليقات (0)