هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فتحت إجراءات البنك المركزي المصري الأخيرة، الباب أمام العديد من التساؤلات حول "ما إذا كانت هذه الإجراءات كافية لتوفير النقد الأجنبي بعد هروب الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، وتحول الأصول الأجنبية في البنوك المصرية للسالب، أم أن هناك حاجة لإجراءات أكثر لجذب العملة الصعبة".
والاثنين، قررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري، في اجتماع استثنائي، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، بواقع 100 نقطة أساس، وخفض قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية 15%، ليتراجع أمام الدولار إلى 18.50 جنيه بدلا من 15.70 جنيه قبل نحو أسبوع.
وأكد خبراء مصرفيون واقتصاديون لـ"عربي21"، أن هذه الإجراءات تأتي لمواجهة الضغوط على العملة المحلية؛ بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار العالمية للسلع الأساسية، واضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن، إضافة إلى تقلبات الأسواق المالية في الدول الناشئة، وارتفاع التضخم السنوي خلال شباط/ فبراير الماضي 10 في المئة، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.
من جهته، قال كبير الاقتصاديين في غولدن ساش، فاروق سوسة، إن "تخفيض قيمة الجنيه المصري يمهد الطريق لبرنامج صندوق النقد الدولي، ويمكن أن يؤدي إلى تحفيز تدفقات العملات الأجنبية"، مشيرا إلى أن "هذه الخطوة مصممة لاحتجاز السيولة في السوق، وجلب المستثمرين الذين ينتظرون وصول الجنيه إلى أدنى مستوى له".
وأضاف خلال حديثه مع وكالة "بلومبيرغ"، بحسب ماترجمته "عربي21"،: "السؤال الهام هنا هو "هل إجراء البنك المركزي المصري جيد بما فيه الكفاية أم أن هناك حاجة لإجراءات أخرى أكثر لجذب المستثمرين الأجانب؟".
وتجاوزت مصر حصتها الاقتراضية من صندوق النقد، إذا لجأت له ثلاث مرات في السنوات القليلة الماضية؛ الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، حيث اقترضت 12 مليار دولار، والثانية في آيار/ مايو 2020، حين اقترضت 2.8 مليار دولار، والثالثة، في حزيران/ يونيو 2020 حين اقترضت 5.2 مليار دولار بموجب أداة اتفاق الاستعداد الائتماني.
اقرأ أيضا: بلومبيرغ: العطش النفطي يجبر بايدن على التوجه للسعودية
القرار المصري مرهون بالخارج
من جانبه، قال الخبير المصرفي في أمريكا، شريف عثمان، إن القرار المتوقع الذي أعلن عن المركزي المصري، هو بداية لخطوات وإجراءات أخرى"، منوها إلى أن القرار له تبعات؛ لأن بالأساس مرتبط بقرار الفيدرالي الأمريكي رفع الفائدة.
وأشار إلى أن اعتزام الفيدرالي الأمريكي زيادة معدلات الفائدة مرات أخرى، سيجبر المركزي المصري على رفع الفائدة أيضا.
وأكد في حديثه لـ"عربي21": "أنه دون هذه الخطوة فلن يجتذب مستثمرين جدد في الأموال الساخنة في أدوات الدين، وسيخرج من تبقى فيها لأسواق أخرى، وسيفقد أحد أهم الأدوات لسد العجز في ميزان المدفوعات"، مشيرا إلى أن "رصيد المستثمرين من حيازة أدوات الدين تراجع من أعلى مستوى له العام الماضي إلى مستويات تنذر بالخطر وخروج المزيد من الاستثمارات الأجنبية".
ولفت إلى أن "جميع التوقعات المالية كانت تشير إلى اقتراب لحظة خفض الجنيه كأمر محتوم، منوها إلى أن ما فعلته الحكومة المصرية لا يخرج عن الطريقة المعتادة التي أتبعها عقب عملية التعويم في نوفمبر 2016".
وبين أن "محاولة احتواء التضخم تبقى مرهونة بقيمة الجنيه؛ لأن معظم التضخم الحاصل في مصر مستورد من الخارج بسبب ضعف العملة وبالتالي ترتفع أسعار السلع الأساسية والغذائية وغيرها".
إجراءات غير كافية.. وهبوط مرتقب
بدوره، قال رئيس أبحاث الشرق الأوسط للخدمات المصرفية الخاصة في مجموعة "كريدي سويس"، أن الإجراءات لا تعكس حدوث تحسن كبير وملموس، مشيرا إلى أن الظروف في مصر متجهة نحو الأسوأ، وأضاف: "لا يمكننا استبعاد خطر مزيد من خفض قيمة العملة في مرحلة لاحقة".
وبحسب بلومبيرغ، يشعر بعض المستثمرين بالقلق من أن الإجراءات المتخذة لتيسير مسار صفقة صندوق النقد الدولي قد لا تكون كافية لمعالجة النكسات التي يتعرض لها الاقتصاد والعجز المتزايد في الحساب الجاري.
خطوات أخرى نحو القاع
وفي سياق متصل، قال المحلل السياسي والاقتصادي، محمد السيد، إن الإجراءات الأخيرة للمركزي المصري "تفتح الباب مجددا، أمام مصر للدخول في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي، إن لم تكن تلك الإجراءات بإيعاز منه في الأساس لتقديم الدعم مجددا"، مشيرا إلى أن "الخفض قد يصل إلى الـ 25% في المرحلة القادمة".
وأفاد محمد السيد، في تصريحات لـ"عربي21"، بأنه "يتوقع بأن تكون الشروط هذه المرة أقسى من سابقاتها؛ لأن مصر لم يعد لها خيارات أخرى سوى الاقتراض، وعليها أن تلبي كل الاشتراطات التي قد يفرضها الصندوق على مصر والمصريين الذين يدفعون ثمن انتكاسة السياسة الاقتصادية للنظام المصري منذ 8 سنوات".
وأضاف: "ما يجري يثبت أن الشعب المصري يعيش أسوأ مراحل حياته بعد استيلاء الجيش على السلطة من خلال انقلاب عسكري، وتلاشي الوعود الكاذبة التي أطلقها السيسي والتي لم تكن إلا سرابا".