قضايا وآراء

الإخوان المسلمون.. طريق العودة (2)

حمزة زوبع
1300x600
1300x600

أوضحت في المقال السابق أن "الإخوان المسلمين" ليست فقط التنظيم، وهذا لا يقدح في التنظيم ولا أهميته لأي عمل جماعي لأن الفوضى هي البديل، ولكن الإشكالية التي واجهت تنظيم "الإخوان المسلمين" في الفترة الأخيرة جعلت الكثيرين يفقدون الثقة في الإخوان المسلمين كفكرة وجماعة وتيار؛ لأن الأصل أن القيادة الموثوق بها هي أفضل طريقة لإقناع وتشجيع الآخرين على الانضمام أو تأييد ودعم هذه المؤسسة أو تلك.

اليوم سأناقش نقطة غاية في الأهمية، ولعل المجال يتسع في هذا المقال وما يليه لمناقشة التحديات التي تواجه الإسلام كدين وعقيدة. فقد عدت إلى مذكرات الأستاذ حسن البنا عليه رحمة الله ووجدته في بداية الدعوة يركز جل جهده للدفاع عن الدين والملة والعقيدة والأخلاق وصيانة المجتمع وحمايته، ويحاول قدر جهده حشد كل الجهود لصالح استعادة الدين الصحيح مكانته في المجتمع كرأس حربة لمواجهة الاإحاد والانحلال والفساد: "وقد وجدت في نفسي -على أثر ما شاهدت في القاهرة من مظاهر التحلل والبعد عن الأخلاق الإسلامية في كثير من الأماكن التي لا عهد لنا بها في الريف المصري الآمن، وعلى أثر ما كان ينشر في الجرائد من أمور تتنافى مع التعاليم الإسلامية ومن جهل بين العامة بأحكام الدين- أن المساجد وحدها لا تكفي في إيصال التعاليم الإسلامية إلى الناس" (مذكرات الدعوة والداعية، ص41).

ولكم سعى إلى العلماء والوجهاء يستحثهم ويستصرخهم بكل قوة للدفاع عن الدين ويستنهض الهمم ويحاول إيقاظ الأزهر ورجاله، ولم يكن هو من بين رجال الأزهر. يقول البنا في مذكراته: "ففكرت في أن أدعو إلى تكوين فئة من طلاب الأزهر وطلاب دار العلوم للتدريب على الوعظ والإرشاد في المساجد، ثم في المقاهي والمجتمعات العامة، ثم تكون منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والريف والمدن الهام لنشر الدعوة الإسلامية" (مذكرات الدعوة والداعية، ص41)

الحرب قد استعرت بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 ووصلت أوجها في الشهور الماضية، ولا تزال مستمرة في ظل غياب ملحوظ للمؤسسات الدينية التقليدية التي كانت تدافع عنه، وعلى رأسها الأزهر الشريف الذي تعرضت فيه عمامة الإمام الأكبر للسخرية والنقد العلني المباشر من الجنرال الذي يحكم مصر

إن الإسلام يتعرض في الوقت الراهن لحرب معلنة حينا وخفية أحيانا، ولعلنا لاحظنا أن هذه الحرب قد استعرت بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 ووصلت أوجها في الشهور الماضية، ولا تزال مستمرة في ظل غياب ملحوظ للمؤسسات الدينية التقليدية التي كانت تدافع عنه، وعلى رأسها الأزهر الشريف الذي تعرضت فيه عمامة الإمام الأكبر للسخرية والنقد العلني المباشر من الجنرال الذي يحكم مصر، بل إن هذا الجنرال نفسه افتخر بكونه يواجه الأزهر والمسلمين في مؤتمر عام في ألمانيا، ناهيك عن الحملات المسعورة التي يشنها إعلام الجنرال على شيخ الأزهر ليل نهار (راجع ما نشرته وكالة الأناضول).

ولا يقتصر الأمر على انتقاد الأزهر، بل امتد للهجوم على ثوابت الدين والعقيدة، ووجدنا أنفسنا في بلد غالبيته العظمى من المسلمين حاكما يطالب بإعادة صياغة مفهوم المعتقد ولا يرى في الإلحاد ولا الكفر أي غضاضة، بل إنه مستعد للدفاع عن الملحدين ومهاجمة المسلمين جهارا نهارا واتهامهم بمحاولة قتل العالم والقضاء على غير المسلمين، ناهيك عن إعلانه أنه هو وحده المسؤول عن دين الناس. وهذا يعني تعطيل علوم القرآن والسنة والفقه والمعاملات وتركها للحاكم، وهو مفهوم جديد للدين لم يجرؤ على طرحه أحد في زمان الأستاذ حسن البنا الذي كان يستوحش غربة الإسلام في زمانه، ولذلك بادر بالدعوة إلى الدفاع عن الدين والأخلاق فما بالنا اليوم.

واليوم تتعرض أكبر وأعرق المؤسسات الوقفية في العالم الإسلامي إلى عملية نهب منتظمة من قبل سلطة الجنرالات، وباتت المساجد بيوت الله في الأرض خاضعة لأوامر الضباط، ووقعت مؤسسة الأوقاف بكل تاريخها وثرواتها تحت إدارة وزير اعتبره كثير من العلماء إن لم يكن كلهم "مخبر أمن دولة سابق"، وهو مشكوك في نزاهته ومطعون عليه في ذمته المالية ومكانه الطبيعي أمام المحاكم وليس في ساحة الأزهر الشريف (راجع الشروق المصرية في 17 كانون الثاني/ يناير 2018).

وإذا ما دققت في المساجد وروادها فستدرك أنها أصبحت تحت حصار أمني غير مسبوق، فالخطبة موحدة والدروس معلقة والمساجد في الغالب مغلقة، وإذا ما ذهبت إلى المكتبات وسوق الكتب فسوف ترى خلوها من أي مراجع أو كتب يمكن أن تساهم في رفع الوعي الناس والمجتمع، فقد سُحبت الكتب المهمة وخلت الأرفف اللهم إلا من اللمم.
الوضع برمته جد مؤلم وخطير ولا يرضي الله ولا رسوله ونحن شهود هذه الأمة، وكلنا مسؤول وكلنا مطالب بالتحرك، وما حديثنا إلا من ناحية الإعذار إلى الله سبحانه وتعالى، ومحاولة إيقاظ هذه الأمة وإحياء الدين وتوقيره في نفوس العالمين

وإذا ما ذهبت لتشاهد التلفاز فسوف ترى سوءا وتسمع كفرا أو على أقل تقدير نفاقا وبهتانا، وتجنيا واضحا على السنّة والصحابة وتأويلا فاسدا للآيات، وتشكيكا طول الوقت في الأحداث العظمى والغزوات الكبرى والمعجرات النبوية الشريفة، بل تشكيك في أحاديث ثبت صحتها، وسوف لن ترى سوى من يرى أنه لا بأس أن يكون عالما للسلطان ومن يفتخر بأنه مخبر للأمن ولا يرى في ذلك عيبا ولا بأسا. وكلهم قد سخّر معظم وقته للهجوم على العلماء والفقهاء المتخصصين، ونال بغير علم من كل عالم جليل اجتهد وأدلى بدلوه في الفقه والفكر والشريعة.

ولو راجعت حالة الغلاء المعيشي والعجز عن الوفاء بالتزامات البيوت المفتوحة وتراجع القيمة الشرائية للجنيه المصري ووصول معدلات الفقر إلى حوالي 30 في المائة، وهو رقم كبير يعني أن هناك 30 مليون مصري تحت خط الفقر، فهذا يعني أن المصريين يعانون سوء الحال، وفي أمسّ الحاجة إلى دور اجتماعي تقوم به مؤسسة بحجم وتاريخ الإخوان ومؤيديهم (راجع صحيفة الشروق 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2021).

إن الوضع برمته جد مؤلم وخطير ولا يرضي الله ولا رسوله ونحن شهود هذه الأمة، وكلنا مسؤول وكلنا مطالب بالتحرك، وما حديثنا إلا من ناحية الإعذار إلى الله سبحانه وتعالى، ومحاولة إيقاظ هذه الأمة وإحياء الدين وتوقيره في نفوس العالمين.

ونكمل في المقال القادم إن شاء الله بقية التحديات الخارجية، قبل أن نتوصل إلى الخطوات التي يمكن أن تكون معينا على طريق العودة بإذن الله.

الإخوان المسلمون.. طريق العودة (1)

التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 08-03-2022 03:08 م
*** كفى جلدا للذات، ولننصرف جميعاُ للعمل الجاد المثمر، فجماعة الإخوان كغيرها من الجماعات الدعوية أو الأحزاب السياسية أو الجمعيات الخيرية أو المؤسسات الإعلامية أو الهيئات الدينية، أو التنظيمات والجهات الأخرى التي تتصدى للعمل العام بمفهومه الواسع السياسي والجماهيري على مستوى الأمة، وتستمد أي منها قيمتها من مدى تعبيرها عن قيم وطموحات الجماهير التي تعبر عنها، ومدى أصالة البيئة العامة التي نشأت منها وتعيش فيها، وتستمد منها عوامل بقاءها، واستمرارها في خدمتها بدورها الذي تقوم به داخلياُ، أو بالتعاون الضروري مع غيرها من الجماعات والأفراد الذين يشتركون معها في تبني كل أو بعض اهدافها، وحسن البنا والمجموعة التي أسست معه جماعة الإخوان، ومن جاءوا بعدهم، لم يكونوا إلا إفرازأُ طبيعياُ للتيار الإسلامي العام المعبر عن هوية الأمة، نشأوا من بين صفوفه، وتربوا على قيمه، وانتموا لهويته الإٍسلامية، وعبروا عن طموحاته، واستمرار جماعة الإخوان إلى اليوم في القيام بدورها الريادي الذي لا تحتكره، بني على احترامها لقيم هذا الشعب الأصيلة، وعملها على تحقيق مصالحه، ولم يكن بسبب خلوها مما لا يمكن أن تخلوا منه التنظيمات المجتمعية الأخرى من مسالب، ولا لكونها محصنة من الخلافات التنظيمية ولا الانقسامات والانشقاقات من بعض قياداتها، ولا من التدافع والتجاذب الداخلي الذي أملته في أحيان الطموحات والمصالح المتضاربة، وفي أحيان أخرى ضعف همم وإخلاص بعض من انضموا إليها وصعدوا إلى مراتبها الإدارية الأعلى، وفي الغالب بسبب ضغوطات ومؤامرات خارجية ممن يريدون الاستفراد بالاستبداد بالشعب كله، فمثل تلك الأمور لا تخلوا منها أي جماعة او مجتمع بشري، والجماعة كغيرها مطالبة بأن تتطور بشكل مستمر استجابة للتحديات التي تواجهها، ودور الإخوان المسلمين اليوم لا بديل عنه، دون التشكيك أو التقليل من دور غيرها من التنظيمات التي تتصدى للقيادة، فالمجال مفتوح أمامها، وبعض تلك التنظيمات حاولت فرض قيم تأباها جماهير المسلمين في مجتمعاتنا، كالماركسية الشمولية المادية الملحدة، أو ليبرالية علمانية مستوردة تهدف إلى تهميش دور الدين في المجتمع، مثال لها حزب الوفد الذي أسسه أخو قاضي دنشواي المجرم الذي أعدم مواطنيه من بسطاء الفلاحين، والوفد هذا هو الذي اتخذ شعاراُ له ليومنا هذا الصليب الذي اتخذوه شعاراُ لهم ووضعوه في قلب العلم المصري القديم المميز بالهلال، أو مؤيدوا القومية الفاشية كالناصريون والسيساويون، الذين اتخذوا لهم شعاراُ مقتبساُ من شعار النازية "المانيا فوق الجميع"، فقلدوه واتخذوه نبراساُ لهم "مصر فوق الجميع" لخداع الجماهير ولتبرير اطاحتهم بمعارضيهم بشعارات الوطنية الكاذبة، واختزلوا مصر تلك في حاكمها الذي ألهوه وجرموا معارضوه لينفردوا بحكم البلاد حكماُ شمولياُ فاشياُ فاسداُ يقزم من الشعب وكل أبناء الوطن، ولا يغرنك علو صوت هؤلاء السيساوية اليوم، فمصيرهم قريب مثل مصير الاتحاد الاشتراكي العربي وميثاقه وتنظيمه الطليعي، ومثل مصير حزب السادات ومبارك الوطني الديقراطي، وسيبقى من ينفعون الناس، وتلك رؤية من خارج الجماعة، وإن غداُ لناظره قريب، والله أعلم.