قضايا وآراء

العالم على فوهة الخطر

غازي دحمان
1300x600
1300x600
لم تعد ثمّة مسافات تفصل العالم عن مخاطر حرب كبرى مدمّرة، فأنظمة الدمار الشامل دخلت المرحلة التشغيلية، وأكثر من ثلاثة عشر ألف رأس نووي باتت في طور الجهوزية، تراقب راداراتها كل تحرك في السماء، وإذا كان قرار الضربات النووية بيد عدد محدود من الأشخاص في الدول، فإن التقنيين الذين يديرون هذه الأنظمة، هم من تصبح بأيديهم مصائر البشرية أكثر من القادة العسكريين والسياسيين.

ليست معلومة ماهية الأسباب التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعطاء الأوامر بوضع أسلحة الردع النووي الروسية في حالة تأهب، هل كانت جزءاً من سياق اللعبة التي يقودها في الحرب الأوكرانية، بهدف دفع الأوكرانيين إلى الاستسلام، وتراجع الغرب عن دعم أوكرانيا بمختلف صنوف الأسلحة، وبالتالي احتمال تحويل أوكرانيا إلى مستنقع يدّمر روسيا؟ أم أن لدى بوتين تقديرات بأن الغرب قد يقدم على ضربه نووياً في حال استخدم العنف إلى أقصى درجاته في أوكرانيا، وهذا قد يكون خياراً روسياً إذا فشلت القوات العسكرية في حسم المعركة ضمن أطر توقيتاتها وحسابات تكاليفها؟

أي تكن المبررات، فالقاعدة المعروفة في الصراعات أن لا أحد يستطيع التحكم بالحرب في حال وقوعها، والحرب هي التي تسيّر الأطراف واللاعبين، هي لعبة مختلفة عن كل الألعاب، لا شروط ولا سقوف ولا قواعد لها، وهي تصنع سياقاتها وتسير إلى مآلات لم تكن مقصودة من قبل الأطراف التي أطلقتها. كل الحروب السابقة خضعت لهذا المنطق، وانتهت في أمكنة أخرى غير تلك التي أريد لها عند إعلانها.
القاعدة المعروفة في الصراعات أن لا أحد يستطيع التحكم بالحرب في حال وقوعها، والحرب هي التي تسيّر الأطراف واللاعبين، هي لعبة مختلفة عن كل الألعاب، لا شروط ولا سقوف ولا قواعد لها، وهي تصنع سياقاتها وتسير إلى مآلات لم تكن مقصودة من قبل الأطراف التي أطلقتها

وأكثر من مرة عبر التاريخ، سارت البشرية إلى هلاكها بعيون مفتوحة، حيث تنهار العقلانية ومنطقها بشكل دراماتيكي، ولا يمكن الرهان حينها على المنطق أو الأخلاق، أما المعايير الدولية فتلك تصبح أولى ضحايا الصراعات، وتصبح كل السيناريوهات محتملة ومفتوحة على أفق قاتمة.

لا يبدو أن هناك إدارة عقلانية للصراع؛ لا من قبل روسيا ولا من قبل الغرب، الجميع يمارس لعبة حافة الهاوية، الجميع يعتقد أن الجنون أداة لإرهاب الطرف الآخر ودفعه لخفض طلباته. بوتين صعد على شجرة عالية سيكون من الصعب عليه النزول عنها ما لم تتحقق أهدافه أو بعضها، وإلا فإن البديل سيكون نهاية حقبته بشكل درامي ومفجع بالنسبة لروسيا، بعد أن كان يطمح لتغيير موازين القوى الدولية ووضع روسيا في مكانة عالمية مميزة.

أما الغرب فإنه يحاصر بوتين بقسوة ولا يترك له ممراً أمناً للانسحاب، وحسب تقديرات القيادات الغربية فإن تنفيذ طلبات بوتين في أوكرانيا يعني فتح المجال له لقضم أوروبا وأسيا الوسطى وربما الشرق الأوسط، وسيكون ذلك بمثابة ضرب مداميك النظام الدولي، الذي دخل الغرب حربين عالميتين من أجل الحفاظ على تراتبيته وهيكليته. وفي حسابات الغرب أيضاً، التراجع أمام بوتين سيفتح الباب لرؤية تمردات صينية وكورية شمالية وربما إيرانية وحتى دول أصغر، وهذا يعني، ليس الفوضى على مستوى العالم وحسب، وإنما السماح بنشوء ديناميات لصناعة مجالات جيوسياسية متنافسة ومتصارعة على المستوى العالمي تقضي على عصر العولمة وترجع العالم إلى زمن الإمبراطوريات المقيت.

ينطوي هذا المنطق على أبعاد استراتيجية بعيدة المدى، لكنه لا يوفر حلولا وبدائل لأزمة مشتعلة في هذه اللحظة، كما أنه ليس كافياً لتبريد حماوة الرؤوس التي باتت ترفع سبابتها مهدّدة بوجه البشرية، وكل يوم يمر بدون حل سيكون العالم على فوهة الخطر.
أنماط من التفكير والسياسات قد تكون صالحة في أوقات الرخاء، وليس في لحظة الاستنفار والأيدي على الزناد، وبعيداً عن الموقف من هذه الحرب، ومن هو الظالم ومن المظلوم، يتعين على عقلاء العالم نزع فتيل الحرب، كخطوة أولى، وتسكين أسلحة الدمار الشامل، ثم التفاوض بعد ذلك على المصالح والهواجس

وبدل البحث عن حلول، تنشغل أجهزة الغرب في البحث في سراديب عقل بوتين، لمعرفة الأسباب والظروف التي أوصلته إلى هذا النمط من التفكير، فهل هي العزلة التي وضع بوتين نفسه بها مخافة إصابته بكورونا مثلاً، إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن بوتين عاشق للحياة وليس انتحارياً، وبالتالي فإن أوامره بوضع أسلحة الردع النووية الروسية قيد الجهوزية ليس سوى أداة تهديد للي ذراع الغرب.

وفي المقابل، تنشغل أجهزة روسيا في معرفة الصدى الذي أثاره الإعلان الروسي في الضفة الأخرى، هناك حيث شعوب الغرب المحبة للحياة قد تجبر قادتها على التعاطي بمقاربة مختلفة مع روسيا.

لكن تلك أنماط من التفكير والسياسات قد تكون صالحة في أوقات الرخاء، وليس في لحظة الاستنفار والأيدي على الزناد، وبعيداً عن الموقف من هذه الحرب، ومن هو الظالم ومن المظلوم، يتعين على عقلاء العالم نزع فتيل الحرب، كخطوة أولى، وتسكين أسلحة الدمار الشامل، ثم التفاوض بعد ذلك على المصالح والهواجس. باختصار تجب إزاحة الخطر الذي يقف العالم على عتبته حتى يمكن الحديث بعقلانية ومنطق.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (1)
أيمن عصمان ليبيا
الجمعة، 04-03-2022 06:58 م
مقال ممتاز وتحليل رائع